النفير الكردي وجبهة النصرة و"غربي كردستان"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عارف حمزة
جبهة النصرة لأهل الشام تأسّست "جبهة النصرة لأهل الشام" في كانون الأول من عام 2011، وهي منظمة سلفيّة جهاديّة دعت السورييّن في بيانها الأوّل بتاريخ 24/1/2012 إلى الجهاد وحمل السلاح في وجه نظام بشّار الأسد. وكان جلّ عناصرها عند تشكيلها من السورييّن الذين جاهدوا في العراق وأفغانستان والشيشان، ومن السورييّن في الداخل. لذلك يُعتبر عناصرها من المقاتلين المتمرسّين والشرسين في قتال الجيوش وصنع المتفجرات والأسلحة محليّة الصنع. ثمّ التحق بهم زملاء لهم مجاهدين من البلدان العربيّة وتركيا وأوزبكستان وطاجاكستان والشيشان وبعض الذين يحملون جنسيّات أوروبيّة. وهؤلاء المتطوّعون الجدد زادوا من وتيرة عمليّات الجبهة، ونوعيّتها، وصداها، في الداخل السوريّ وخارجه؛ ومنها تبنّيها اقتحام وتفجير مبنى قيادة الأركان في العاصمة السوريّة دمشق في بداية شهر تشرين الأوّل من عام 2012، وتفجير مبنى المخابرات الجوّية، وهو من أقسى الفروع الأمنيّة دمويّة، في مدينة حرستا، ونسف مبنى نادي الضباط في ساحة سعد الله الجابري بحلب. وكلّها كانت بتفجيرات مزدوجة أو ثلاثيّة تبرز بصمة "القاعدة" التي تنتمي لها الجبهة.
كما شاركت الجبهة، الجيش السوريّ الحرّ وكتائب أحرار الشام، التي أعلنت عدم انتمائها إلى جبهة النصرة في بيان مصوّر، في عدة عمليات قتاليّة مثل معركة حلب، وعندها كانت الجبهة ضد فكرة اقتحام أحياء مدينة حلب، ومعركة السيطرة على مدينة معرّة النعمان، التابعة لمدينة إدلب، ومعركة مطار تفتناز، والهجوم على ثكنة هنانو، والسيطرة على الفوج 46، ومعارك الغوطة، ومعركة الفوج 111، ومعارك السيطرة على مدينة دير الزور وريفها، كمعركة كتيبة المدفعيّة في مدينة الميادين، وغيرها من المعارك.
أعلنت جبهة النصرة لأهل الشام انتماءها للقاعدة في العراق علانية، وهي حاليّاً بقيادة أبو محمد الجولاني. ويعتبر معسكر "الفاتح" معسكرها الرئيسي الذي يقع في شمال سوريا. ويتراوح عدد مقاتلي الجبهة من 15000 إلى 20000 مقاتل. وكانت عملياتها من أقسى العمليّات التي واجهها جيش النظام السوريّ.
وبعد تشكيل جبهة النصرة بعام واحد، صنّفتها الحكومة الأميركية في كانون الأول/ ديسمبر من عام 2012 على أنّها جماعة إرهابيّة. وقد لقي هذا التصنيف حينها رفضاً من ممثّلي المعارضة السوريّة، وقادة الجيش السوريّ الحرّ، الذين دعا بعضهم عقب هذا التصنيف إلى إعلان الوحدة بين الجيش السوريّ الحرّ وجبهة النصرة. كما خصّصت تظاهرة من ثوّار الداخل تنتصر لجبهة النصرة، وترفض القرار الأميركي.
وفي 30/5/2013 قرّر مجلس الأمن الدولي، التابع للأمم المتحدة، بالإجماع إضافة جبهة النصرة لأهل الشام إلى قائمة العقوبات للكيانات والأفراد التابعة لتنظيم القاعدة. وكان دخول عناصر الجبهة في الثورة السوريّة مثار مرافعات للحكومة السوريّة في المحافل الدوليّة على أنّها تحارب الإرهاب عوضاً عن العالم.
بقي تمويل جبهة النصرة مستقلاً عن تمويل الكتائب الأخرى التابعة للجيش السوريّ الحرّ، كما أنّها بقيت مستقلة في قراراتها بالقيام بالكثير من العمليّات. كما أنّها أعلنت عدم اعترافها بإئتلاف المعارضة السوريّة منذ تشكيله عوضاً عن المجلس الوطنيّ.
حزب الإتحاد الديمقراطي وقوّات حماية الشعب
تأسس حزب الاتحاد الديمقراطي، (با يا دا) ، في عام 2003، ويعتبر من أكثر الأحزاب الكرديّة جماهيريّة. وأنشأ عدة هيئات تابعة له، تقدّر بسبع عشرة هيئة، تهتم بالنواحي العسكريّة والمدنيّة، مثل تعليم اللغة الكرديّة، وحقوق الإنسان والقضاء وحرس الحدود والشرطة والمرأة والنقابات... وأسس قوّات حماية الشعب، (يا با كا)، وهيئة عسكريّة خاصة بالمرأة، (يا با جا). وهو من الأحزاب اليساريّة، ويُعتبر الفصيل السياسيّ داخل سوريّا لحزب العمال الكردستانيّ، (بي كي كي)، الكرديّ في تركيّا، بقيادة عبد الله أوجلان، المعتقل لدى السلطات التركيّة منذ عام 1999.
لم يسم حزب الاتحاد الديمقراطي في اسمه أو في أسماء هيئاته الكثيرة وصف "الكردي" أو الكردستاني، كما باقي الأحزاب الكرديّة القديمة منها والجديدة، وظلّ طوال الوقت يتحدّث كأنّه يخصّ كل الشعب في المناطق الكرديّة التي يعمل فيها؛ مثل هيئة "قوّات حماية الشعب" و "حركة تحرّر المجتمع الديمقراطي" و "بيت الشعب" و "جمعيّة ستار" الخاصة بحقوق المرأة... وهذا لإضفاء وصف غير انفصاليّ على تطلّعاته بالنسبة للقوميّة الكرديّة في سوريّا، أو "غربي كردستان". وتتميّز تلك الهيئات، وكذلك الحزب، بأنّ قياداته جماعيّة وليست فرديّة، وكثير من قياداته هم من النساء بنسبة لا تقل عن 40 في المئة. ويرأس الحزب حاليّاً كلأ من محمد صالح مسلم وآسيا عبد الله.
إن نشاط حزب العمال الكردستاني داخل سوريّا كان من أجل تطويع الشباب الكرديّ للقتال في جنوب شرق تركيا، حيث اندلعت المواجهة العسكريّة بين الطرفين منذ عام 1984، وذهب ضحيتها آلاف الضحايا من الطرفين. وكان النظام السوريّ يدعم ذلك الحزب، الذي كان يرفرف علمه على إحدى الأبنية في حيّ أبو رمانة الراقي في قلب العاصمة دمشق، في حربه كإحدى أوراق الضغط على الجارة تركيّا، بشرط عدم التفكير بحقوق الكرد في سوريّا. وعندما وصل الأمر بين الدولتين الجارتين إلى المواجهة العسكريّة، تخلّى النظام السوريّ عن عبد الله أوجلان، ولوحق أفراد حزبه داخل سوريّا وتم زجّهم في السجون، بعد محاكمتهم من قبل محكمة أمن الدولة العليا، والمحاكم العسكريّة، بتهمة "محاولة اقتطاع جزء من سوريّا وإلحاقه بدولة أجنبيّة"، وبقيّة المواد الجنائيّة الوصف التي تدور في ذلك الفلك، والتي يصل حدّ عقوباتها الأعلى إلى الإعدام.
يصل عدد مقاتلي قوّات حماية الشعب التابعة للحزب إلى 11000 مقاتل، (وأرقام المقاتلين الكرد والمتطوّعين معهم من عرب الجزيرة السوريّة ما زال سريّاً ومتصاعداً)، ويُضاف إليهم مقاتلو حزب العمال الكردستانيّ "الكريللا" في جنوب شرق تركيا وشمال العراق والذين يتراوح عددهم بين 15000 و 30000 مقاتل متمرّس وشرس، ويُعتبر معسكر قنديل هو المعسكر الرئيسيّ لمقاتلي الحزب، بينما يقود قوّات حماية الشعب هيئة رباعيّة تشكّل المجلس العسكريّ. ومن المعروف أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة، والكثير من الدول الأوروبيّة، صنّفت حزب العمال الكردستانيّ من المنظمات الإرهابيّة محاباة لتركيا.
علاقة جبهة النصرة بالنظام السوريّ كانت القاعدة في العراق مثار مشاحنات كبيرة بين سوريا والعراق منذ الإحتلال الأميركيّ للعراق. ووصل الأمر إلى تقديم الحكومة العراقيّة ملفاً لمحكمة الجنايات الدوليّة يتّهم الحكومة السوريّة بالتورّط في إيصال الدعم العسكريّ والتدريبيّ والمقاتلين والتمويل لتنظيم القاعدة في العراق.
ومنذ بداية "تسهيل" تسلّل مقاتلي القاعدة إلى سوريّا، من الحدود العراقيّة إلى مدينة البوكمال ومن هناك إلى الداخل السوريّ، كان هناك اتهام واضح بأنّ الجبهة هي إحدى الأوراق التي سيستخدمها النظام السوريّ، عاجلاً أم آجلاً، في وجه الثوار السلمييّن والمسلّحين وليس كداعمين للثورة السوريّة. وظلّ ثوّار الداخل السلمييّن ينبّهون، ولو بخجل وكذلك بخوف، من الدور السيء والكارثيّ الذي قد يقوم به مقاتلو النصرة، وبقيّة الكتائب السلفيّة التي قد تدخل البلاد. إذ كان النظام يعوّل منذ البداية على مسألة "الإرهاب" لكي يدعم مواقفه على الساحة الدوليّة، ومناصريه في الداخل.
قامت عناصر الجبهة بالكثير من التفجيرات الدمويّة التي أثارت الرعب في نفوس المواطنين قبل إثارته في أركان النظام. وتمّ الاتفاق بين المخابرات السوريّة وجبهة النصرة على إدارة المناطق النفطيّة في الشرق والشمال الشرقيّ من سوريّا؛ حيث ما زال النفط السوريّ يُباع تحت إشراف النصرة لقاء رواتب شهريّة تصل إلى ملايين الليرات السوريّة. وكذلك حماية خطوط النفط الخام لتأمين وصوله إلى مصفاتي حمص وبانياس. وتمّ التأكّد من ذلك على أرض الواقع في محافظتي دير الزور، الغنيّة جداً بالنفط، والحسكة؛ حيث أسرّ أحد المهندسين في حقل "أبيض" في الحسكة بأنّ مقاتلي النصرة وصلوا إلى الحقل برفقة رجال الأمن في سيّارات أمنيّة، وقالوا لمدير الحقل بأنّ مقاتلي النصرة سيحمون الحقل والموظفين، وعلى الموظفين متابعة أعمالهم وكأنّ شيئاً لم يتغيّر!.
واقتحام مدينة "الشدادي" جنوب الحسكة بمسرحيّة هزليّة لتأمين الحقل النفطيّ هناك، حتّى أن ضباط وعناصر الأمن العسكريّ هناك، خاصّة العلويّون منهم، تمّ إيصالهم بسيّارات النصرة إلى داخل مدينة الحسكة، ومن بعدها تمّ تفجير المبنى الخاص بهم خاوياً. وقام الطيران الحربي للنظام برمي البراميل المتفجّرة على بيوت المدنييّن ومحلاّتهم، وليس على مقرّات النصرة. ولحدّ الآن ما زال أمير الجماعة، وفق الموظفين هناك، يؤمّن احتياجات الشدادي بالاتصال مباشرة بالسلطات في المحافظة هاتفيّاً!.
تمّ استخدام ورقة النفط بذكاء في محافظة دير الزور، حيث وصل عدد مقاتلي الجيش الحرّ هناك إلى ما يقارب 12000 مقاتل، وكان بإمكانهم وحدهم تحرير المنطقة الشرقيّة، على الأقل، بالكامل، لولا إلهائهم بالغنائم النفطيّة. فصارت الحقول الكثيرة هناك محلّ نهب ومعارك شخصيّة وصلت لدرجة التحارب بالدبابات والمدفعيّة بين كتائب الجيش الحرّ ذاتها، وكذلك بين عشائر المنطقة هناك، من أجل التفرّد بالموارد النفطيّة وعائداتها الهائلة، وكلّ ذلك تمّ بتخطيط من المخابرات السوريّة، وبتنفيذ وإشراف مباشر من جبهة النصرة.
ما يثير تلك الشكوك أكثر هو انسحاب عناصر جبهة النصرة إلى الخطوط الخلفيّة حيث الآبار النفطيّة؛ فاقتصر عملها في دير الزور والحسكة والرقة، بينما تمّ الانسحاب من جبهات دمشق ودرعا وحمص وإدلب وحلب. وعند تعاون جبهة النصرة مع كتائب من الجيش الحرّ يكون شرطها الأساسيّ أن يكون الجميع تحت قيادتها، وبأن يكون أيّ قرار بيدها؛ فهي لا تقيم وزناً لأيّ قائد ميدانيّ للجيش الحرّ، وإذا تعنّت أحد القادة فإنّ ذبحه يكون كنقطة في نهاية النقاش، وهذا ما حصل لثلاث قادة في ريف اللاذقيّة، والكثير من القادة والمقاتلين من الجيش الحرّ تم تصفيتهم على يد مقاتلين من النصرة، وتم الترويج لها إعلاميّاً بأنّ ذلك حصل على يد مقاتلي الجيش السوريّ في عمليّات نوعيّة.
علاقة جبهة النصرة بالثورة السوريّة
وإذا قمنا بنسيان ما تمّ إيراده في الأعلى، عن علاقة النصرة بمخابرات النظام السوريّ، فإنّه لا دليل واحد على مناصرة جبهة النصرة للثورة السوريّة ضد نظام الأسد. ولا نقصد هنا عدم اعتراف جبهة النصرة العلني بائتلاف قوى المعارضة السوريّة، ولا قبله بالمجلس الوطني، بل هم لا يعترفون بالثوّار السلمييّن في الداخل، الذين فقدوا السيطرة على مجريات ما يحدث على الأرض من وقت دخول عناصر النصرة إلى الميدان؛ فتمّ طرد الكثير منهم، أو قتلهم، بتهمة أنّهم "علمانيون".
إنّ الترويج بأنّ جبهة النصرة تساند الثورة السوريّة هو نقصان لها، بل يصل لدرجة العار. وتمكّن الثوار في الداخل من السقوط في فخّ النظام عندما دافعوا عن جبهة النصرة، بالتظاهر ضد القرار الأميركي بوضعها على قائمة الإرهاب. فإذا كانت النصرة مع الثورة كان عليها أن تقوم بأعمال تدخل الطمأنينة لنفوس المواطنين، بخاصة المغلوبين على أمرهم، وتجعلهم لا يقفون ضد الثورة في صمتهم الأزليّ على الأقل. وأن تحتضن الثوّار السلميين، وتتعاون مع بقيّة الكتائب المقاتلة. ولكنّ النصرة قدّمت أبشع الصور لكي يتم إلصاقها بالثورة السوريّة، وجميع الفيديوات من قتل وذبح وتعذيب وخطف طائفيّ تمّ صنعها بأفعال من مقاتلي النصرة. وتفجير مقدّرات البلد، من جسور ومقرّات فارغة وفي أماكن مدنيّة وتفجير الطائرات التي لا يمكن قيادتها من أحد منهم، وشقّ الصفوف بين كتائب الجيش الحرّ، كلّ ذلك تمّ من قبل مقاتليها. فتفجير جسر "الكنامات" في دير الزور من قبل النصرة كان لتضييّق الحصار على كتائب الجيش الحرّ هناك، وليس لمنع وصول الدعم إلى قوّات النظام. وتفجير نادي الضباط في ساحة سعد الله الجابريّ بحلب، الذي يضم مطعماً وصالة أفراح، لم يكن يحوي ضباطاً وعناصر من الجيش النظاميّ، بل عدداً من العاملين المدنييّن فيه، وأدى إلى دمار وتخريب مئات المحلات التجاريّة والفنادق وقتل المدنييّن وتشويه سمعة الثورة. كما أنّه لا يخفى على أحد بأنّ مصادر التمويل والعتاد لجبهة النصرة بقي مستقلاً عن قيادة الأركان للجيش السوريّ الحر، وخارجاً عن أوامرها. كما أنّ هناك حقائق عن أن تمويل الجماعة يأتي أصلاً مما تتقاضاه من المخابرات السوريّة لقاء إشرافها وحصتها في النفط السوريّ في المناطق الشرقيّة من البلاد، وهذا لوحده كاف لنسف مصداقيّة مساندة الجماعة للثورة ضد نظام تقبض منه تمويلها الضخم. وكذلك القيام بتلطيخ سمعة الثورة السوريّة، ثمّ إثارة نزاعات مع الجيش السوريّ الحرّ وداخله، أو مع الكرد أو المسيحييّن أو الشيعة... وكثير من السيناريوهات التي تحتفظ بها المخابرات السوريّة لوقتها المناسب.
علاقة حزب الاتحاد الديمقراطيّ بالنظام السوريّ
لم يعد خافياً على أحد بأنّ الكرد قاموا بثورة كبيرة في عام 2004 ضد النظام السوريّ، وتمّ تحطيم تماثيل الرئيس الراحل حافظ الأسد في مدن وساحات محافظة الحسكة، لأوّل مرّة في التاريخ السوريّ، بعد مقتل عشرات الشبّان الكرد على يد الأمن السوريّ على خلفيّة مباراة لكرة القدم في ملعب القامشلي بتاريخ 12/3/2004. ووقتها لم تستفد الأحزاب الكرديّة المترهّلة من الفرصة التاريخيّة لصنع وزن حقيقيّ لها ولمناصريها ولبقية الكرد، إذ تمّ إنهاء الموضوع بوعود لن تتحقّق. وبعد تخاذل باقي المناطق السوريّة في الانتفاض مناصرة لإخوتهم الكرد، ولأنفسهم، ضد النظام السوريّ، بعد أن روّج النظام بأنّ الكرد، لكي يستفرد بهم، يريدون الانفصال عن سوريّا، وللأسف صدّقه الجميع. ووقتها لم يكن لحزب الاتحاد الديمقراطي وزن كبير في الجزيرة السوريّة، بل كان تواجده الساحق في عفرين وكوباني حيث منبع مقاتلي حزب العمال الكردستاني في حربه ضد تركيّا.
لم يتأخّر الكرد في الالتحاق بمظاهرات السورييّن ضد نظام الأسد، واختاروا وقتاً جيّداً لذلك بعد إصدار الرئيس بشار الأسد مرسوم منح الجنسيّة السوريّة لغير المجنسين منهم، كرشوة لهم تمنعهم من الالتحاق بالثورة، ولتخفيف العبء على النظام الحاكم وهو يواجه المناطق التي ثارت، حيث يشكّل الكرد نسبة 15في المئة من عدد سكان سوريّا. فخرج الكرد في تظاهرات ضخمة وهي تردّد: "ما بدنا الجنسيّة. نحنا بدنا الحريّة". وناصروا درعا والثورة السوريّة من أجل إسقاط النظام، وبناء الدولة السوريّة الديموقراطيّة والتعدّدية. فما كان من النظام سوى الاتفاق مع الفصيل الكرديّ ذي الشعبيّة الأكبر للجم الكرد عن الانخراط في القتال مع الجيش السوريّ الحر، أو منع إيجاد حاضن شعبيّ له في المناطق ذات الغالبيّة الكرديّة؛ وعلى هذا الأساس قام "بتسليم" مقرّاته الأمنيّة في كافة مدن محافظة الحسكة، فيما عدا مدينتي القامشلي والحسكة، لعناصر حزب الاتحاد الديمقراطي. وهذا ما كان يثير الريبة في معرفة الوقت الذي سيلعب فيه النظام بالورقة الكرديّة كأحد عوامل سحق الثورة السوريّة.
في العلن كان يتحدّث عناصر حزب الاتحاد الديموقراطي، والعديد من قادته، عن وقوفهم إلى جانب الثورة لإسقاط النظام، وقام باحترام عناصر الجيش السوريّ الحر، من غير السلفييّن والجهادييّن، وتقديم الاسعافات لجرحاهم، ولم يقوموا بتسليم أيّ منهم للمخابرات السوريّة. كما أنّهم تعاملوا مع السياسييّن منهم بتقدير عندما كان يتمّ اعتقال ناشطين بحوزتهم وثائق أو أشرطة عن فظائع النظام في مناطقهم التي نزحوا منها، وتسهيل خروجهم من البلاد. ولكن في الوقت نفسه لم يكن يسمح بتواجد دائم لكتيبة من الجيش الحرّ داخل المناطق الكرديّة المدنيّة، كي لا تتعرّض للقصف من النظام. وما كان يُثير الانتباه بأن شقاقاً حصل بين حزب الاتحاد الديموقراطي وبقيّة الأحزاب الكرديّة؛ فكانت هناك تظاهرتان في كلّ جمعة؛ واحدة لمناصري حزب الاتحاد الديموقراطي، والثانية لمناصري بقيّة الأحزاب الكرديّة، وكان يفصل بينهما عشرات الأمتار فقط، وكلتاهما كانتا تدعوان لإسقاط النظام، وواحدة منهما كانت تدعو بالحريّة لعبد الله أوجلان، وشتم تركيّا.
ولكن في مناطق عفرين وكوباني، شمالي حلب، تحدّثت التقارير عن منع حزب الاتحاد الديمقراطي للشباب من التظاهر ضد نظام الأسد. وتطوّرت الأمور هناك إلى اعتقالات وإطلاق للنار وجرحى وعدد قليل من القتلى. وكان مبرّر الحزب بأنّ معسكرات تدريب ومخازن عتاد توجد في تلك المنطقة، ولا تريد تواجد الجيش الحرّ هناك، كي لا يتم كشف المكان واستهدافه من طيران ومدفعيّة قوّات النظام.
في شهر حزيران من العام الجاري سلّم حزب الاتحاد الديموقراطيّ للنظام الأسلحة التي استلمها منه في وقت سابق، وهي عبارة عن بنادق روسيّة وقذائف آر بي جي ودوشكا وبعض السيارات، وذلك كرسالة من النظام لهذا الحزب كي يعلم بأنّه ما زال مسيطراً على الوضع الأمنيّ في المحافظة. وفي وقت سابق قامت المدفعية بضرب ثلاثة أحياء تقع تحت سيطرة الحزب كرسالة واضحة أيضاً بأنّ لا أحد بمنأى عن مرمى نيران الجيش السوريّ إذا تمرّد. لذلك يبدو أنّه رغم العلاقة الواضحة للحزب مع مخابرات النظام السوريّ، التي وجّهت تهديدات لعشائر عربيّة بعدم التعرّض لتوسّعات الحزب وقوّاته في أحيائهم، إلا أنّ هذه العلاقة مبنيّة على عدم الثقة من الطرفين. فالحزب لم ينس ما قام به النظام برئيس حزبه الأم، ولا بالإعدامات الميدانيّة لرفاقهم، وزجّ آخرين في السجون لمدد طويلة. والنظام لا يريد تقوية الحزب لدرجة المطالبة بالفيدراليّة على الأقل، وخسارة مناطق غنيّة بالنفط والقطن والقمح والشعير والمياه. وهناك ثقة لدى المستقلّين من الكرد بأنّ حزب الاتحاد الديموقراطيّ لا بدّ سينقلب على النظام السوريّ في الوقت المناسب.
علاقة حزب الاتحاد الديمقراطي بالثورة السوريّة
في اجتماع ممثلي مدينة الحسكة في كنيسة "الناصرة"، لتسمية مجلس محليّ للسلم الأهلي في المدينة، وتشكيل لجان حماية للأحياء من النهب والخطف والقتل المتزايد، طالب ممثلو حزب البعث العربي الاشتراكيّ بأن يُقاتل عناصر تلك اللجان عناصر الجيش السوريّ الحرّ إذا دخلوا إلى مدينة الحسكة. فاعترض ممثلو حزب الاتحاد الديموقراطي على هذا الطلب؛ وبرّروا ذلك بأنّ هذه اللجان هي من أجل الحماية من أعمال النهب واللصوصيّة، وبأنّ عناصر الجيش السوريّ الحرّ ليسوا لصوصاً؛ بل هم أصحاب قضيّة ضد النظام. ونحن لن نعطي الأوامر لعناصرنا بمحاربتهم، وفي الوقت نفسه ان نحارب قوّات النظام، ولن نسمح لكلا الفريقين بالتمركز في المناطق ذات الأغلبيّة الكرديّة. فانسحب ممثلو حزب البعث احتجاجاً على ذلك.
يمكن لهذه الصورة، التي تكرّرت مراراً، أن توضّح موقف حزب الاتحاد الديموقراطي العلنيّ مع الثوار من جهة، ومع النظام السوريّ من جهة أخرى. فهو لا يريد أن يكون طرفاً ضد طرف في النزاع، ولا يريد أن تكون مناطقه "المدنيّة" منطلقاً أو هدفاً للعمليّات العسكريّة، بعد الدمار الذي لحق بالمدن والمدنييّن في المناطق المدنيّة المنكوبة من سوريّا.
سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي
استطاع حزب الاتحاد الديموقراطي أن يُوسّع قاعدته في الجزيرة السوريّة، ليس بين الكرد وحسب، بل حتى لدى المسيحييّن والعرب؛ فالمناطق التي يقوم الحزب بالتواجد فيها انعدمت فيها تقريباً حالات السرقة والنهب والخطف مقارنة بالأحياء الأخرى. كما أنّه انتبه للأمن الاقتصاديّ للمواطنين، فقام بحماية قوافل الطحين والخضار والمواد الطبيّة والغذائيّة، لقاء مبالغ معيّنة، من عصابات اللصوص التي كانت تمنع وصولها إلى المدن. كما أنّه اتبع سياسة الحوار والمشاركة مع المكوّنات الأخرى في الجزيرة السوريّة؛ لدرجة أنّه صارت تلك المكوّنات، الشعبيّة منها خصوصاً، تدافع عن سياسة الحزب.
ما أراده النظام من دعم حزب الاتحاد الديموقراطيّ، كهدف أوّل، هو ضرب الصفّ الكرديّ نفسه؛ وهذا ما حدث بالفعل لجهة التنافر والعداء بين حزب الاتحاد، ومعه حزب اليسار والتقدميّ من جهة، وبقيّة الأحزاب الأربعة عشر من جهة أخرى. وهذا ما استدعى عقد مؤتمر "هولير" في كردستان العراق، حيث تمّ تشكيل "الهيئة الكرديّة العليا" كهيئة مشتركة آمرة وناظمة للأوضاع في المناطق ذات الأغلبيّة الكرديّة في سوريّا. ولكن سرعان ما انسحب حزب الاتحاد الديموقراطيّ عندما طلب المؤتمرون وضع قيادة عسكريّة مشتركة، وبأنّ لا تكون تحت قيادة حزب الاتحاد الديموقراطي فقط. وكان انسحاب الحزب دليل الأحزاب الكرديّة الأخرى على تعالي حزب الاتحاد، وعلى "انتهازيّته" ورغبته في الانفراد بالناحية العسكريّة، حيث يمكن أن ينقلب على الجميع، كصورة مستنسخة لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ. وبالصورة نفسها عاد الحزب عن انسحابه، في مؤتمر هولير2، ووضع كلّ إمكانيّاته تحت تصرّف الهيئة الكرديّة العليا، وذلك لتحقيق شعبيّة أكبر بين كرد المنطقة ومناصري الأحزاب الكرديّة الأخرى، ففي الظاهر كان يضع علم الهيئة الكرديّة أعلى من علم حزبه، ولكنّه في الواقع صار هو المتحدّث باسم الهيئة! وأعلن بأنّ قوّات حماية الشعب، (يا با كا)، وقوّات الشرطة، (أسايش)، تابعة للهيئة الكرديّة العليا وليس لحزب الاتحاد الديمقراطي! ، وبذلك استأثر بكلّ شيء بسياسة ذكية، لا تخرج عن الانتهازيّة أبداً، وفي الوقت ذاته استبعد كلّ الأحزاب الكرديّة الأخرى، والمجلس الوطني الكرديّ، عن الساحة تماماً، وصار الأمر وكأنّها هي التي تتقاعس عن التعاون! بمعنى أنّه صار هو الحزب القائد للدولة والمجتمع في غربي كردستان.
هذه السياسة زادت مخاوف الأحزاب الكرديّة، التابعة بسياستها ورؤاها، بشكل أو بآخر، لإقليم كردستان العراق، التي شكّلت المجلس الوطني الكرديّ، المشارك في ائتلاف المعارضة السوريّة. ومن جهة أخرى زاد من خطورة المواجهة بين مناصري الكتلتين عسكريّاً خصوصاً.
أدخل الحزب الديمقراطي الكرديّ، جناح عبد الحكيم يشار، 72 مقاتلاً من عناصره إلى الداخل السوريّ كمشاركين في القوّة العسكريّة للهيئة الكرديّة العليا، إلا أنّه تمّ اعتقالهم من قوّات حماية الشعب، وإطلاق سراحهم بعد عدّة أيام، ولكن مع توجيه رسالة واضحة بأنّ حزب الاتحاد الديموقراطيّ لن يسمح بتواجد قوّات أخرى على الأرض من غير عناصره، أو تحت قيادته. ومن أجل ذلك كان يقوم الحزب بتجنيد المهمّشين والعاطلين عن العمل وحتى المجرمين منهم، وتسليمهم مسؤوليات تُعيد الاعتبار لشخصيّاتهم المهمّشة من جهة، ولأنّهم سيتحلون بالطاعة العمياء لأوامر الحزب من دون نقاش من جهة أخرى. في تلك الأيّام ظنّ الناس بأنّ خطّة المخابرات السوريّة في اقتتال الأحزاب الكرديّة باتت على الأبواب، إلا أن الأحزاب الكرديّة التزمت بميثاق هولير بعدم الانزلاق إلى ذلك السيناريو المأسويّ، الذي لن يخدم سوى النظام السوريّ في حربه على الشعب.
النفير الكرديّ وحلّ دمهم
بعد فشل الخطّة الجهنميّة في خلق الشقاق بين مناصري الأحزاب الكرديّة، وبعد مخاوف النظام نفسه من عدم مصداقيّة حزب الاتحاد الديموقراطيّ في علاقته المتفق عليها مع النظام، في تحييد المنطقة الكرديّة عن التحالف مع الجيش السوريّ الحر. وبعد الهدنة التي أعلنها عبد الله أوجلان مع تركيّا، وسحب مقاتليه من هناك نحو شمال العراق وسوريّا، كان لا بدّ من لعب ورقتي جبهة النصرة وحزب الاتحاد الديموقراطي ضد بعضهما البعض؛ وذلك لتحقيق هدفين؛ أحدهما داخليّ والآخر خارجيّ؛ فعلى الصعيد الداخلي يتم التخلّص من الورقتين معاً، بإنهاء تطلّعات حزب الاتحاد الديموقراطي، وسحب القوّة من بين يديه، بخاصّة بعد إعلان مشروع "الإدارة الذاتيّة". وتصوير الوضع من جديد على أنّه بوّابة للتقسيم، وهو المشروع الذي طرح النظام مخاوفه من أنّ الثوّار يريدون ذلك، بعد فشل النظام في مسألة الحرب الأهليّة، التي عمل على إشعال النار تحتها مراراً. وعلى الصعيد الخارجيّ يتم تمييع قضية الشعب السوريّ في الحريّة والعدالة، إلى منحى آخر؛ بأنّ جزءاً من السورييّن، وهم الكرد، يتعرّضون للإبادة على يد "الجماعات الإرهابيّة المسلّحة". وهو ما يعني إطالة أمد الأزمة السوريّة بدل إيجاد مخارج وحلول لها. ولكي يبيّن النظام للعالم أجمع بأنّه هو الضامن الوحيد لعدم حدوث حرب أهليّة أو تقسيم للبلاد.
لكلّ ذلك بدأت الحرب المفتعلة بين جبهة النصرة وقوّات حماية الشعب، حتى قبل إعلان مشروع الإدارة الذاتية، بالأسلحة الخفيفة والثقيلة، ومن داخل الأراضي التركيّة في كثير من الأحيان. وقتل لحد الآن عشرات المقاتلين من الطرفين. وفي الوقت الذي أحلّت فيه الجبهة دم الكرد وأموالهم وأعراضهم، أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي النفير العام للكرد، للدفاع عن دمائهم وأموالهم وأعراضهم. وهذا كان يعني بداية النفير للاقتتال العربيّ الكرديّ في منطقة الجزيرة السورية. ولكن ما لم يتوقّعه النظام، ولا جبهة النصرة، وربّما حزب الاتحاد الديموقراطيّ نفسه، هو تطوّع الكثير من الشبّان من عرب المنطقة للقتال مع الكرد ضد جبهة النصرة. وببدء التفكير الجدّي من قبل الأحزاب الكرديّة الأخرى بالالتحاق بالنفير الذي أعلنته قوّات حماية الشعب، في صدّ محاولة جبهة النصرة من الدخول إلى المنطقة المتنوّعة الأديان والأعراق والطوائف، وارتكاب المجازر فيها، وبأنّ المخطوفين من المدنييّن الكرد، الذي زاد عددهم عن 500 مختطف لحد الآن، بينهم نساء وأطفال، وتمّ تصفية أكثر من ثلاثين منهم، ليسوا عناصر من حزب الاتحاد الديمقراطيّ فقط، خاصّة مع إطلاق السيد مسعود البرزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، تهديده الأخير؛ بأنّ قوّات البشمركة جاهزة لمساندة كرد سوريّا في قتالهم جبهة النصرة، ولو كان ذلك باقتحام الحدود السوريّة. وهي رسالة واضحة للأحزاب الكرديّة الموالية للبرزاني بالالتحاق بالنفير الكرديّ، سيجعل الوقت أقصر للموافقة الشعبيّة، وربّما الدوليّة، على مشروع الإدارة الذاتيّة المشتركة، أو الحكم الذاتي في "غربي كردستان".