الاعتدال "الروحاني" يخترق التشدد "الخامنئي"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أسعد حيدر
حسن روحاني، ليس مجرد "موظف كبير" في إمرة المرشد آية الله علي خامنئي. إنه رئيس الجمهورية الذي انتخب من الشعب مباشرة وحاز على الثقة الشعبية التي أهّلته للفوز بالانتخابات من الدورة الأولى، في حين أن خصومه الخمسة المتشدّدين مجتمعين حصلوا على أقل من نصف الأصوات. المرشد خامنئي ولي فقيه مطلق الصلاحية، لكنه رغم ذلك لا يمكنه الوقوف في وجه الإرادة الشعبية، ولا هو يريدها. الإيرانيون قوميون حتى العظم.
مصلحة إيران تتقدّم على كل المواقف والالتزامات الأيديولوجية. الولي الفقيه والمتشددون من جهة والاصلاحيون من جهة أخرى يرفضون ويعملون لمنع "سورنة" إيران على قاعدة: "لم تمت ألم ترَ من مات".
أيضاً وهو مهم جداً، إن المرشد خامنئي يعرف أكثر من أي إيراني آخر عمق الأزمة الاقتصادية، ويعرف جيداً أن إيران "ترقص" على صفيح ساخن بسبب الأزمة الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الاقتصادية الغربية وتحديداً الأميركية. التزاوج الحاصل بين ملفي الأزمة الاقتصادية والعلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، يجعل من الحل المتلازم للأزمتين ملزماً وضرورياً. لذلك كله قبل المرشد خط الاعتدال الذي رسمه روحاني بالتعاون والتضامن مع الرئيسين الشيخ هاشمي رفسنجاني والسيد محمد خاتمي.
العلاقات مع واشنطن تمر حكماً على "جسر" الأزمة النووية. يجب حل هذا الملف، حتى يمكن رفع العقوبات، كل ذلك أيضاً يتطلّب الحوار المباشر مع "الشيطان الأكبر" سابقاً. في الأصل الحوار لم ينقطع, كان دائماً "تحت الطاولة". وأمنياً , روحاني والمعتدلون طلبوا وأصرّوا أن يصبح "فوق الطاولة" وسياسياً.
الخطوة الأولى المهمة التي تؤكد تجاوب المرشد، نقل الملف النووي من الأمن القومي إلى وزارة الخارجية، التي وزيرها جواد ظريف الخبير الكبير بأروقة الأمم المتحدة حيث يوجد "المطبخ الأممي". ولا شك أن انضمام جيفري فيلتمان إلى "إدارة" بان كي مون، فَتَحَ ممراتٍ جانبية لعلاقة مهمة بينه وبين ظريف رئيس الوفد الإيراني قبل أن يصبح وزيراً للخارجية الإيرانية.
إيران "الخامنئية"، لن تتخلّى عن مشروعها النووي. مجرد أن تتخلّى عنه، يتقدّم عليها الشاه بهلوي الذي وضع الأساس لهذا المشروع، الى جانب أنه حق شرعي دولي مكتسب لها. تكمن الأزمة في انعدام الثقة بين واشنطن أساساً وطهران، عملية بناء الثقة تتطلب اختبارات متبادلة ومن الوقت غير المفتوح على الوقت هذه المرة. إيران ستقبل بأن يكون حقها بالتخصيب ما دون 20% مضموناً، أما التخصيب بنسبة 20 بالمئة الذي يشكّل بيت القصيد في صناعة السلاح النووي، فإنه يمكن صوغ حل له من نوع تولّي كونسورتيوم دولي تخزين هذا النوع من الأورانيوم لاستخدامه بحساب في الصناعات المدنية. الرئيس حسن روحاني ملزم أمام الإيرانيين قبل خامنئي، بالبقاء تحت هذا "السقف" في أي مفاوضات مع الإدارة الأوبامية.
الولي الفقيه خامنئي، لا يثق بواشنطن والإدارة الأميركية، هاشمي رفسنجاني طالب المرشد ضمناً بتجرّع "كأس السم" والحوار مع واشنطن عندما قال: "إن عبقرية الإمام الخميني تجلّت بقبوله تجرع كأس السم عندما رأى أن مصلحة إيران تتطلّب ذلك". الرئيس روحاني سيحاور الإدارة الأوبامية. لقاؤه مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولند، يفتح صفحة جديدة في العلاقات الإيرانية الغربية. فرنسا ليست حراماً بالنسبة للتشدّد الخامنئي, فقد سبق وأن زار الرئيس محمد خاتمي باريس والتقى الجميع. لكن هذا اللقاء يختلف عما سبقه، لأنه يناقش الملف السوري المشترك بين باريس وطهران، والملف النووي الذي يشكل "الباب" الكبير للدخول عبره إلى واشنطن والذي قد ينتهي بلقاء على مستوًى عالٍ.
في محاولة واضحة لتخفيف "الخسائر"، يقول المتشددون في طهران، إن ما يحصل هو تغيير في التكتيك وليس في الاستراتيجية. طبعاً لا أحد يصدق ذلك، وإن كان يرى في وصية المرشد بضرورة اعتماد "المرونة الشجاعة"، في الحوار المواجهة مع الخصوم أي الولايات المتحدة الأميركية, تكتيكاً ضرورياً.
هذا التكتيك هو في خدمة استراتيجية بناء الثقة تمهيداً للتوصل إلى حلول مع واشنطن تريح إيران ولكن أيضاً تريح واشنطن التي تقف منذ ثلاثة عقود ويدها على الزناد وهي تعرف جيداً أنها غير قادرة على "إطلاق النار" على إيران، لأن ذلك يعني بداية لتغيير خريطة الشرق الأوسط كلها وهو ما ليس مطروحاً بعد الخسارة المزدوجة في أفغانستان والعراق.
عصا المسرح ضربت الأرض ثلاثاً. الستار رفع. "مسرحية" الحوار في بداياتها، بانتظار التطورات التي قد يكون بعضها درامياً والتي ستصوغ الخاتمة التي تريدها شعوب المنطقة. "اعتدال روحاني لا يكفي، لأن يداً واحدة لا تصفّق". المطلوب يد أوبامية ممدودة للحوار والحل، لأن فوز الاعتدال "الروحاني" يفرض حكماً تثبيت الاعتدال وحلوله في كل الملفات وعلى مساحة المنطقة.