قطيعة الاعلام التونسي مع الماضي: قناة التونسية مثالا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فاطمة البدري
بات التوانسة على موعد مع تغيير غير شكلي في انماط واشكال وتعاطي الاعلام في بلادهم، خاصة الفضائي منه، فمع انفتاح سمائه وتعدد مشاربه يتعاطى المشاهد مع برامج وافكار لم يكن ليفكر بها علنا في السابق، ناهيك عن ان تصبح محورا حواريا على فضائياته المنتشرة كالفطر هذه الايام.
لكن الملاحظ في اغلب تلك الحوارات السياسية، خاصة كثرة التشنج ومقاطعة الضيوف لبعضهم البعض، وينسحب هذا الامر حتى على المنشطين الذين تطغى افكارهم وتوجهاتهم احيانا على ضيوفهم. ناهيك عن عدم احترام الاخر، وتصل الامور حد الاستهزاء بالطرف المخالف في الفكرة او التوجه السياسي في عديد الاحيان.
وكي لا تتحول هذه الحوارات الى بيزنطية تعقد المشهد السياسي والاجتماعي بدل ان تعكسه وتفرجه يجب ان يكون هناك ناظم ما يخفف من العشوائية وكثرة الصراخ الذي يجبر الكثيرين على تغيير المحطة.
المطلوب في الظرف الراهن هو احترام الطرف الاخر حتى وان كان يخالفنا الرأي او التوجه السياسي، لأنه بدون اختلاف لا يمكن ان نتقدم، والنخب السياسية يجب ان تعطي المثال لأنها ان كانت تتصرف بتلك الشاكلة، فماذا يمكن ان نقول عن المتفرج العادي، خاصة ان فضائياتنا هي مرآة افكارنا وشكلنا الداخلي قبل ان تكون شكلنا الخارجي.
قناة التونسية وجبر اخطاء الماضي
بعد أن أسدل الستار على الحقبة التي كان فيها الإعلام في تونس خارج دائرة مبدأ التعددية، وأصبح المشهد الإعلامي مفتوحا على صورة جديدة قوامها التنوع والتعدد. طفت على السطح عدة فضائيات تعمل على تقديم صورة ونمط جديد يشد المتفرج ويقطع مع عاداته الكلاسيكية التي تركها إعلام ما قبل الثورة.
ولدت أكثر من عشرين قناة متعددة الاتجاهات والميولات السياسية تتنافس في ما بينها لحيازة القدر الأكبر من تسليط الأضواء والاهتمام. وطبعا حيازة الثقة تأتي بناء على ما تقدمه هذه الفضائيات، برامج قادرة على شد انتباه مشاهد يبحث عن روح جديدة تقطع مع طمس الحقيقة وتمجيد حضرة الزعيم. ووسط هذا الزخم الإعلامي التلفزي نجحت lsquo;قناة التونسيةrsquo; في أن تبدو في ثوب جديد استطاع حصد ثقة واهتمام المشاهد التونسي. ولسائل أن يسأل لماذا نجحت lsquo;قناة التونسيةrsquo;؟ ما هي الأطباق الشهية التي كسبت بها ثقة المشاهد؟
قبل أن ندخل في غمار أسباب نجاح قناة التونسية، دعنا نسلط الضوء عن التاريخ الصغير لهذه القناة. فهذا المولود الإعلامي انطلق مباشرة بعد الثورة وهي قناة جامعة تعود ملكيتها إلى الإعلامي الشاب سامي الفهري وطبعا هذا لا يدخل في إطار الإشهار لأننا في الحقيقة لم نأت بالجديد في حديثنا هذا. والأكيد أننا جميعا ندرك أن الإعلام التونسي اليوم يسعى لرسم معالم جديدة لهذا القطاع عبر التأقلم مع التغييرات الطارئة في كل حين.
والحقيقة أن lsquo;قناة التونسيةrsquo; تعد أكثر المنابر الإعلامية التي تعمل على إرساء منظومة تلفزية سليمة لا تتأثر بمختلف الاضطرابات. فرغم الصعوبات التي اعترضت مؤسسها سامي الفهري نتيجة الاتهامات التي وجهت إليه في إطار تورطه مع بلحسن الطرابلسي ــ صهر الرئيس المخلوع ــ في إطار الشراكة داخل شركة كاكتوس للإنتاج. والتي أدت إلى إقصائه عن الساحة الإعلامية ما يقارب السنة وما رافق ذلك من موجة اتهامات لهذه القناة وللعاملين داخلها اعتقد الكثير أنها ستثقل كاهلها وتخرجها عن دائرة المنافسة. ولكن حدث العكس لم يتوقف نشاط هذه الفضائية حتى عندما سحب منها حق البث من قبل رجل أعمال معروف.
كما لم ينجح السجن في انهاك عزيمة صاحب هذه القناة، الذي ساعدته حرفيته على العودة من جديد والتمركز داخل الوسط الإعلامي في محاولة منه لجبر أخطاء الماضي والتأسيس لصورة أخرى.
وطبعا هذه الحرفية التي تحدثنا عنها هي في نهاية المطاف جوهر العمل الصحافي، ولهذا وفي وقت قياسي بدت هذه القناة بحلة جديدة قادرة على استقطاب المشاهدين وإرضاء كل الأذواق من خلال برامج متنوعة. وقد يذهب البعض للقول ان ما تحققه هذه القناة الخاصة من نجاحات انما يعود لما لهذه القناة من إمكانيات مادية كبيرة للعمل فقط، والحال أننا نقف أمام قناة وضعت سياسة ذكية في إدارة عملها الإعلامي وانتاجاتها التلفزية على اختلافها. وهذه السياسة تقوم على عقلية المؤسسة لا وفق مزاج وحسابات صاحب القناة، ولعل هذه العقلية كانت احد أسباب استمرارها رغم الغياب المطول نسبيا لمديرها.
هناك مناخ من العمل المهني والمحترف داخلها كما نلمس قدرة معدي برامجها على الابتكار والاجتهاد وهو ما تفتقر إليه القنوات القديمة لا سيما القناتان الوطنيتان الاولى والثانية.
برامج صنعت ذائقة جماهيرية
ومرة أخرى نعود إلى سامي الفهري الذي ساعدته حرفته وذكاؤه على المراهنه أسماء أثبتت نجاعتها ونجاحها في صنع برامج تمكنت من اقتحام البيوت التونسية بسلاسة كبيرة، وقد نستحضر برنامج lsquo;التاسعة مساءrsquo; للإعلامي معز الغربي الذي تحول إلى طبق حواري سياسي دسم يحظى بمتابعة واسعة، وبرنامج lsquo;لا باسprime; لنوفل الورتاني الذي رغم الانتقادات الواسعة التي طالته إلا انه تمكن من حيازة حد كبير من المشاهدة، وبرنامج lsquo;عندي ما نقلكrsquo; والذي لم يخرج يوما عن قفص النقد والانتقاد، ولكنه من اكثر البرامج التي تحظى بالمشاهدة.
زد على ذلك برنامج lsquo;رفعت الجلسةrsquo; للأستاذ المحامي منير بن صالحة وتقوم فكرة البرنامج على إعادة بناء قضايا هزت الرأي العام، سواء عبر تمثيل بعض أحداثها والاستعانة برأي أطباء ومحامين وبعض أهالي الضحايا ويعد هذا البرنامج النسخة العربية للبرنامج الفرنسي الشهير الذي يستمر عرضه منذ سنة 1999 على القناة الفرنسية الثانية.
وداعا للانماط الاعلامية الكلاسيكية
إضافة إلى برنامج lsquo;حالة طوارئrsquo; يتمحور حول تصوير حالات طارئة تتطلب تدخلا عاجلا كدوريات أعوان الأمن وأقسام الاستعجالي وتدخلات عمال الإطفاء، وغيرها من البرامج التي تختلف في شكلها وجوهرها عن الأنماط الكلاسيكة للإعلام في تونس.
هي باقة من البرامج المتنوعة هدفها الخروج عن المألوف وكسر الحواجز ورفع الرقابة وكشف الحقيقة بغية التقرب من المشاهد وشد انتباهه واسترجاع ثقته في الإعلام عن طريق التنوع وإزالة الغموض عن بعض القضايا العالقة. ولا يمكن أن نغفل أو ننسى التقنيات المستعملة في برامج التونسية lsquo;تي - فيrsquo;، فبالإضافة إلى قيمة البرامج التي تقدمها هذه القناة من ناحية المضمون تتجه هذه القناة إلى خلق صورة ذات جودة ومتميزة في سياسة قوامها التركيز على الصورة كرافد لاستقطاب المشاهد.
من خلال الأضواء والديكور والموسيقى المستعملة. وبهذا نجحت قناة التونسية أن تجمع بين المضمون والصورة لتقديم مادة إعلامية متماسكة تسمو إلى تطلعات المشاهد.