هكذا اغتيل الحريري ..
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لاهاي في 16 يناير 2014 تستعيد بيروت في 14 فبراير من العام 2005.
في ذاك اليوم البيروتي، دوى انفجارٌ ضخم ضربَ العاصمة اللبنانية في "قلبها"... دخان أكثر من 2 طن من المتفجّرات أصابها بما يشبه "العمى"... دقائق عصيبة من التكهنات حول المستهدَف من "زلزال" كانت محاولة اغتيال النائب مروان حمادة (في الاول من اكتوبر 2004) "هزته التمهيدية".
كانت عقارب الساعة تشير الى الواحدة الا ربعاً عندما حلّ "الرعب". مشاهد "فاضت" عبر الشاشات التي خرجت منها صور الواجهة البحرية لبيروت ومحلة السان جورج الغارقة في بحر من الدم والدمار.
في لاهاي اليوم، سيتذكّر اللبنانيون ومعهم العالم تلك اللحظات حين شقّ "خط الموت" طريقه في وسط بيروت التي بدا أن الزمن فيها توقّف، وكأنها "استشعرت" بأنها امام تاريخ مأسوي سيدخل التاريخ ويفتح "أبواب الجحيم" على لبنان الذي تدحرجت فيه بعدها "كرة ثلج" الاغتيالات.
... دقائق مرّت كالساعات، غاب فيها الجميع "عن السمع"، بعدما بدأ غبار الانفجار ينقشع على فاجعةٍ كتبت فصلاً جديداً من "لعنة وطن" استوطنته الجرائم السياسية التي كانت حصدت رؤساء جمهورية وحكومة وأحزاب وصحافيين ورجال دين غدر بهم الموت بـ... "كبسة زرّ".
عاصمة العدالة الدولية تستحضر اليوم ذاكرة بيروت التي لم تنس بعد مشهد أشعة الشمس التي بدت باردة ومتشحة بالسواد وهي تخرج من خلف سحب الدخان المنجلي. فالحقيقة الجلية حينها كانت أكبر من ان يصدّقها احد. رفيق الحريري هوى... الشخصية "الماردة" في علاقاتها الخارجية "تمرّد" عليها الاغتيال فتم "شطبها" من المعادلة من فوق العناوين التي كتبت "بالخط العريض" قبل يومين من ذاك الاثنين المشؤوم "شيراك وبوش يحذران سورية من المسّ بسلامة الحريري و(النائب وليد) جنبلاط".
"الزلزال" في لبنان ولكن ارتداداته لفّت العالم في يومٍ تحدّث فيه الرؤساء عبر اكثر من "خط أحمر" عن الانفجار الذي شكّل خرقاً لكل "الخطوط الحمر" التي حكمت التوازنات اللبنانية والاقليمية والذي فجّر بعد شهر اي في 14 مارس، "بركان الثورة" في وجه سورية التي سرعان ما نفذت (في 26 ابريل 2005) "انسحاباً اضطرارياً" من لبنان كان القرار 1559 أصدر "أمر العمليات" الدولي بحصوله. من "السان جورج" الى لايتشندام (حيث مقر المحكمة)، نحو تسع سنوات شكّلت خلالها جريمة الحريري والمحكمة الخاصة بها العنوان الذي حكم الحياة السياسية ومجرياتها في لبنان ولا سيما عشية صدور القرار الاتهامي الذي وضع اليوم على الطاولة بعد ثلاثة اعوام بالتمام والكمال على صدوره.
ففي يناير 2011 رفع المدعي العام في المحكمة في حينه دانيال بلمار القرار الاتهامي الى قاضي الاجراءات التمهيدية الذي صادق عليه في 28 يونيو 2011 وتسلّمه لبنان في 30 من الشهر نفسه. وفي 17 اغسطس من العام نفسه خرج الى العلن كاشفاً في 45 صفحة واكثر من تسعة آلاف كلمة (بالانكليزية) أجزاء واسعة من حيثيات اتهام الاربعة من "حزب الله" وهم سليم جميل عيّاش، مصطفى أمين بدر الدين وحسين حسن عنيسي وأسد حسن صبرا.
وقُدّم القرار بلغة قانونية، عكست الطابع السياسي لاغتيال الحريري، وعرضت سياقاً لجريمة 14 فبراير، التي ارتُكبت بـ "انتحاري" مجهول فجّر نفسه بأكثر من طنين من المتفجرات، على مستوى الاعداد والتنفيذ و"الاتفاق الجنائي على المؤامرة" التي نُسجت خيوطها "على الاقل" بين نوفمبر 2004 ويناير 2005، مرتكزاً على أرضية يشكّل "عصَبها المعلن" خريطة اتصالات ظهّرت حركة المنفذين، وبعضهم جرى الاقرار بأنهم ما زالوا غير معروفين، وتواصُلهم مع بعضهم البعض وخط رصدهم لتحركات الرئيس الحريري ولاسيما في قريطم (حيث محل اقامته في بيروت) او في فقرا (منزله الصيفي).
وقد حرص المدعي العام الدولي آنذاك على الاشارة في متن القرار الى انه استند الى "أدلة ظرفية" تقوم على الاستنتاج والاستدلال المنطقيين، معتبراً ان هذا النوع من الادلة "يُعول عليها في معظم الأحيان أكثر من التعويل على الأدلة المباشرة، التي يمكن أن تتعرض لفقدان الذاكرة المباشرة أو لالتباس الأمر على الشاهد العيان"، مذكّراً بانه "في القانون هناك مبدأ مسلّم به يفيد أن الأدلة الظرفية مماثلة للأدلة المباشرة من حيث الوزن والقيمة الثبوتية، وبأن الأدلة الظرفية يمكن أن تكون أقوى من الأدلة المباشرة".
القرار الاتهامي الذي نُشر والذي اكد بلمار ان الستار لن يُرفع عن وقائعه الكاملة "الا في قاعة المحكمة حيث تُعقد محاكمة مفتوحة وعلنية وعادلة وشفافة تصدر حكماً نهائياً"، بدا تمهيداً فعلياً لبدء قطار المحاكمات الغيابية ولا سيما في ضوء ابلاغ لبنان الى المحكمة الدولية في 9 اغسطس 2011 جواب "بحثنا عنهم ولم نجدهم" وذلك في اشارة الى مذكرات التوقيف بحق بدر الدين وعياش وعنيسي وصبرا الذين لفت ان نص القرار سماهم وللمّرة الاولى (في الفقرة 59) بانهم "مناصرون لـ (حزب الله)، وهو منظمة سياسية وعسكرية في لبنان تورّط جناحه العسكري في الماضي بعمليات ارهابية".
ورأى قاضي الاجراءات التمهيدية القاضي دانيال فرانسين تعليقاً على القرار "انّ المدّعي العام قدّم فيه أدلة كافية بصورة أوليّة للانتقال الى مرحلة المحاكمة، غير أنّ ذلك لا يعني أنّ المتهمين مسؤولون، بل يبيّن فقط توافر مواد كافية لمحاكمتهم. وعلى المدّعي العام أن يثبت، في أثناء المحاكمة، أنّ المتهمين مسؤولون "بدون أدنى شكّ معقول". وقد اُبقي على أجزاء صغيرة من قرار الاتهام وعلى أجزاء من مرفقيه كما من قرار تصديقه (من فرانسين) سريّة" نظرا لارتباطها بمسائل يمكن أن تؤثر في تحقيقات المدّعي العام الجارية، وكذلك في خصوصية وأمن المتضرّرين والشهود". وتم التعبير عن هذه السرية اما بمحو ارقام الهواتف الخلوية مثلاً التي تتشكّل منها الشبكات التي تواصلت مع بعضها لتنفيذ الجريمة والاعداد لها، او بإظهار مقاطع من القرار بالأسود.
واعتبر فرانسين ان القرار "يلبي شرطَيْ التعليل والدقة اللذين يفرضهما الاجتهاد القضائي الدولي، والنظام، والقواعد (قواعد الاجراءات والاثبات)"، وقد تم تدعيم الادعاءات المرتبطة بالوقائع والتهم الواردة فيه بأدلة مرفقة "تُعرف بالمواد المؤيدة وتقع في ما يزيد على 20000 صفحة"، بما فيها افادات الشهود، والأدلة الوثائقية، والأدلة الالكترونية (مثل تسجيلات كاميرات المراقبة وسجلات بيانات الاتصالات الهاتفية).
القرار الذي وجه الاتهام إلى كل من ولد مصطفى أمين بدر الدين، سليم جميل عياش، حسين حسن عنيسي وأسد حسن صبرا ذكر: "اشترك المتهمون الأربعة مع آخرين في مؤامرة بهدف ارتكاب عمل ارهابي لاغتيال رفيق الحريري، ويمكن ايجاز دور كل واحد منهم كما يلي:
اضطلع بدر الدين بدور المشرف العام على العملية، وتولّى عياش تنسيق مجموعة الاغتيال المسؤولة عن التنفيذ الفعلي للاعتداء، وقد أعدّا وسلّما شريط الفيديو الذي أُعلنت فيه المسؤولية زوراً (من ابو عدس)، بهدف توجيه التحقيق الى أشخاص لا علاقة لهم بالاعتداء، وذلك حمايةً للمتآمرين من الملاحقة القضائية. وكمساهمين في المؤامرة، اضطلع المتهمون الأربعة بأدوار مهمة في الاعتداء الذي وقع في 14 فبراير 2005، وعليه، تقع المسؤولية الجنائية عن نتائج ذلك الاعتداء على عاتق الأربعة جميعا". وتم اتهام الاربعة بـ "مؤامرة هدفها ارتكاب عمل ارهابي"، واتهم بدر الدين وعياش، بـ "ارتكاب عمل ارهابي باستعمال أداة متفجرة"، فيما كانت تهمة صبرا وعنيسي "التدخل في جريمة ارتكاب عمل ارهابي باستعمال أداة متفجرة".
ورسم القرار ما حصل يوم 14 فبراير كالآتي: "في صباح 14 فبراير 2005، غادر رئيس مجلس الوزراء اللبناني السابق، رفيق الحريري، منزله في قصر قريطم، ببيروت، لحضور جلسة لمجلس النواب. وكعادته، تنقّل في موكب له. واتخذ أعضاء مجموعة اغتيال مؤلفة من عيّاش وأشخاص آخرين مواقعهم في أماكن عدة يستطيعون منها تعقّب ومراقبة موكب الحريري. وكانوا قد راقبوا الحريري في عدة أيام قبل وقوع الاعتداء تحضيرا له. وقبل الساعة 11:00 من ذلك اليوم، وصل الحريري الى مجلس النوّاب. وقبيل الساعة 12:00، غادر الحريري مجلس النوّاب وذهب الى مقهى "بلاس دو ليتوال" (Cafeacute; Place de letoile) القريب وبقي فيه 45 دقيقة تقريباً، قبل مغادرته عائداً الى منزله. وحوالي الساعة 12:49، صعد الحريري الى سيارته يرافقه النائب باسل فليحان، وانطلق الموكب من ساحة النجمة. وبدأ الحريري وجهازه الأمني رحلة العودة الى قصر قريطم في موكب مؤلف من ست سيارات، سالكين طريقاً بحرية مرورا بشارع ميناء الحصن. وفي الساعة 12:52، اتجه فان ميتسوبيشي كانتر ببطءٍ نحو فندق السان جورج الكائن في شارع ميناء الحصن. وقبل مرور الموكب بدقيقتين تقريبًا، تحرّك فان الميتسوبيشي كانتر الى موضعه النهائي في شارع ميناء الحصن. وفي الساعة 12:55، عند مرور موكب الحريري مقابل فندق السان جورج، فجّر انتحاري ذكر كمية هائلة من المتفجرات المخبأة في الجزء المخصص للحمولة في فان الميتسوبيشي كانتر، فقُتل الحريري و21 شخصًا آخر وأُصيب 231 شخصًا آخر".
وأضاف: "وبُعيد الانفجار، أجرى عنيسي وصبرا، وهما يعملان معًا، اتّصالات هاتفية بمكتبي وكالة رويترز للأنباء وقناة الجزيرة في بيروت. ثم اتّصل صبرا بقناة الجزيرة مرة أخرى ليعلمها بمكان شريط الفيديو الذي وُضع على شجرة في ساحة الاسكوا في بيروت. وعُثر على الشريط والرسالة المرفقة به. وفي شريط الفيديو الذي بُث فيما بعد على شاشة التلفزيون، أعلن رجل، يدعى أحمد أبو عدس، زورا أنه الانتحاري الذي نفذ العملية باسم جماعة أصولية وهمية مشيرًا اليها باسم "جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام". ونتيجة للتحقيقات التي أجريت بعد الاعتداء، جُمعت كمية كبيرة من الأدلة، بما فيها افادات الشهود، والأدلة الوثائقية، والأدلة الالكترونية (مثل تسجيلات كاميرات المراقبة وسجلات بيانات الاتصالات الهاتفية). وأدّت هذه الأدلة الى تحديد هوية بعض الأشخاص المسؤولين عن الاعتداء على الحريري".
وبحسب القرار (من المواد 19 الى 24)، "أظهر تحليل سجلات الاتصالات وجود عدد من شبكات الهواتف الخلوية المترابطة والمتورطة في عملية اغتيال الحريري. وتتكون كل شبكة من مجموعة من الهواتف، التي سجلت عادةً بأسماء مستعارة، والتي كانت نسبة الاتصال بينها مرتفعة".
اضاف: "تقسم الشبكات المذكورة الى نوعين، يمكن وصفهما بانهما اما:
أ - "شبكات سرية"، لا يتصل أعضاؤها الا ببعضهم بعضا.
ب - أو شبكات مفتوحة، يتصل أعضاؤها أحيانا بآخرين من خارج مجموعتهم.
وتوصل التحقيق الى تحديد خمس شبكات سرية ومفتوحة رمزت بالألوان التالية:
أ - الشبكة الحمراء: شبكة سرية استخدمتها مجموعة الاغتيال وتتألّف من هواتف (اتسمت منها بكثافة الاتصال) وكانت هذه الهواتف الثمانية مستعملة من 4 يناير 2005 حتى توقف استعمالها كليا قبل دقيقتين من وقوع الاعتداء في 14 فبراير 2005 (وهنا نشر أرقام هواتف الشبكة الحمراء وأسماؤها المختصرة ممحوة).
ب - الشبكة الخضراء: مجموعة مؤلفة من هواتف شكّلت شبكة سرية من 13 أكتوبر 2004 حتى توقف استعمالها كليا في 14 فبراير 2005، قبل نحو ساعة واحدة من وقوع الاعتداء. وقد استعملت هواتف الشبكة الخضراء للاشراف على الاعتداء وتنسيقه. وكانت هواتف الشبكة الخضراء تشكّل في السابق جزءًا من مجموعة مكونة من (...) هاتفًا.
ج - الهواتف الزرقاء: شبكة مفتوحة مؤلفة من (...) هاتفًا استعملت بين شهر سبتمبر 2004 وشهر سبتمبر 2005. والهواتف الزرقاء استعملتها مجموعة الاغتيال لأغراض منها التحضير للاعتداء ومراقبة الحريري.
د - الهواتف الصفراء: شبكة مفتوحة مؤلفة من (...) هاتفًا شغلت للمرة الأولى ما بين العام 1999 والعام 2003، واستعملت حتى 7 من 2005. ثم استعيض بمرور الوقت عن معظم الهواتف الصفراء باستعمال الهواتف الزرقاء.
هـ - الهواتف الأرجوانية: شبكة مفتوحة مؤلفة من (...) هواتف استعملت استعمالاً عاديا، وقد شغلت للمرة الأولى قبل العام 2003 واستعملت حتى 15 أو 16 فبراير 2005. واستعملت الهواتف الأرجوانية لتنسيق (...) عملية الاعلان زورا عن المسؤولية عن الاعتداء".
تابع: "وكان بعض مستعملي هواتف الشبكات يحملون ويستعملون عدة هواتف من مختلف الشبكات. ويظهر تحليل سجلات الاتصالات وجود حالات عديدة كان فيها هاتف من هواتف الشبكة الحمراء عاملاً كما هواتف أخرى، منها هاتف من الشبكة الخضراء وهواتف زرقاء، وذلك في المكان ذاته،والتاريخ ذاته، والفترة ذاتها. ومن المعقول الاستنتاج من تلك الحالات أن شخصا واحدا يستعمل عدة هواتف معا عندما يلاحظ، على مدى فترة طويلة، أن أنماط الاستعمال لكل هاتف لا تتغير أبدا تغيرا لا يمكن تعليله، وأن هذه الهواتف مسجلة في أبراج الاتصالات الخلوية تسجيلاً يشير الى وجودها معا على مساحات جغرافية شاسعة، وأن هذه الهواتف لا تتصل ببعضها البعض. وهذا يسمى "اقتران مكاني".
واردف: "اضافةً الى ذلك، أظهر تحليل سجلات الاتصالات وجود اقتران مكاني بين هواتف من هواتف الشبكات وبين هواتف خلوية شخصية (...) وعندما يتبين أن هواتف الشبكات، المسجل الاشتراك فيها بأسماء مستعارة، مقترنة مكانيا بهواتف خلوية شخصية، يمكن عندئذ، من خلال نسبة الهاتف الخلوي الشخصي الى مستخدمه، التعرف في نهاية المطاف بواسطة الاقتران المكاني على هوية شخص بوصفه مستخدم هاتف من هواتف الشبكات".
وقال: "كشف التحقيق عن أدلة تثبت أن عياش وأعضاء آخرين من مجموعة الاغتيال قد راقبوا رفيق الحريري في عدة أيام قبل وقوع الاعتداء. ومن المعقول الاستنتاج، بناءً على مقارنة تحركات رفيق الحريري بالتحركات المتلازمة للهواتف الزرقاء وهواتف الشبكة الحمراء، أن المراقبة في تلك الفترات كانت تحضيرا للاغتيال. وبإيجاز، فان هذا التوازي بين تحركات الحريري وبين تحركات الهواتف الزرقاء وهواتف الشبكة الحمراء لا يمكن تفسيرها على أنها مجرد صدفة". واضاف: "في20 يوما على الأقل من 11 نوفمبر 2004 حتى 14 فبراير 2005، قام عياش وأعضاء آخرون من مجموعة الاغتيال، عبر اتصالات بواسطة هواتفهم الزرقاء وهواتفهم من الشبكة الحمراء، بأعمال تحضيرية للاعتداء، بما فيها الرصد والمراقبة، وذلك لمعرفة الطرق التي يسلكها موكب الحريري وتحركات هذا الموكب وموضع سيارته فيه. وجرت المراقبة في فترة لا تقل عن 15 يوما، وخاصةً في 11 نوفمبر 2004، وحتى فبراير 2005، وبذلك، تمكّن عياش ومجموعة الاغتيال من تحديد أنسب يوم، وموقع، وطريقة لتنفيذ الاعتداء الذي قاموا به في 14 فبراير 2005".
اضاف: "تظهر الوقائع الموجزة أعلاه أنّ مؤامرة قد نشأت في وقت ما في فترة تمتد على الأقل من 11 نوفمبر 2004 حتى 16 يناير 2005. وفي هذه المؤامرة، اتفق على ارتكاب عمل ارهابي وسيلته أداة متفجرة بهدف اغتيال الحريري، والذين اتفقوا على ذلك هم بدر الدين، وعياش، وعنيسي، وصبرا، وآخرون لا يزالون مجهولي الهوية، بمن فيهم مجموعة الاغتيال وحامل الهاتف الأرجواني.
أ- بدأت المؤامرة في وقت ما في فترة تمتد على الأقل من 11 نوفمبر 2004 حتى 16 يناير 2005، ونفذت في 14فبراير 2005، وذلك للأسباب التالية: في 11 نوفمبر 2004، نفّذ متآمران مجهولا الهوية يستخدمان هواتف زرقاء أول عملية مراقبة للحريري يتم اكتشافها، وبحلول 16 يناير 2005، كانت الشبكة الحمراء قد أُنشئت واختفى أبو عدس، ونفذت المؤامرة في 14 فبراير 2005 بالاعتداء على الحريري. وكان من أوائل المتآمرين بدر الدين، بصفته المشرف، وعياش بصفته منسق مجموعة الاغتيال، وآخرون من أعضاء مجموعة الاغتيال.وانضم عنيسي وصبرا والشخص مجهول الهوية حامل الهاتف الأرجواني الى المؤامرة وذلك، كحد أقصى في الفترة من 22 ديسمبر 2004 حتى 16 كانون يناير 2005 وُأنيطت بهم مهمة التحضير للاعلان عن المسؤولية زوراً. ويبدأ هذا الاطار الزمني في 22 ديسمبر 2004، لأسباب عدة منها أنّ الهاتفين الأرجوانيين العائدين الى عنيسي وصبرا كانا عاملين في هذه الفترة في محيط مسجد جامعة بيروت العربية حيث كان أبو عدس يؤدي الصلاة. وقد اتفق هؤلاء على العمل كمتدخلين يؤدون مهام دعم لعملية الاغتيال هي: البحث عن شخص ملائم، تبين في ما بعد أنه أبو عدس، لاستخدامه في اعلان المسؤولية زورا عن الاعتداء على الحريري في شريط فيديو، وتسليم شريط الفيديو، مرفقًا برسالة، للبثّ بعد عملية الاغتيال".
وتابع: "المتهمون الأربعة مناصرون لحزب الله وهو منظّمة سياسية وعسكرية في لبنان.
ماجد فياض لـ "الراي": المحاكمات لن تكون بطيئة... وسترافقنا لسنوات
بيروت - من آمنة منصور
مع انطلاق المحاكمات في قضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري اليوم توقّع الخبير في القانون الدولي والمحكمة الخاصة بلبنان المحامي ماجد فياض "ألا تكون المحاكمة بطيئة".
وشدد فياض في حديث الى "الراي" على أن "المحاكمة الفعلية عندما يصبح المتهَم ممثَّلاً أمام المحكمة بغرفتها الابتدائية ومن ثم غرفة الاستئناف إذا تم الاستئناف، يفترض بها أن تكون محاكمة عادلة بأقصى حدود العدالة ولكن في الوقت نفسه غير متباطئة أو بطيئة".
gt; ماذا يعني بدء المحاكمات الغيابية بالنسبة لمسار قضية الرئيس رفيق الحريري؟
- هذه المحاكمة كانت منتظرة للمتهمين الاربعة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وانضم اليهم متهم خامس هو حسن حبيب مرعي بعد أن تم تصديق قرار الاتهام بحقه وأُحيل إلى المحاكمة أمام المحكمة الخاصة بلبنان الغرفة الابتدائية.
المحاكمة الغيابية تعني أن المتهَمين لم يسلّموا أنفسهم إلى المحكمة، ولم يجعلوا أنفسهم في تصرفها وعهدتها وأن الدولة اللبنانية أو أي دولة أخرى معنية بهذا الأمر لم تستطع القاء القبض عليهم، وأنه لهذا السبب مُثّلوا بمحامين للدفاع عنهم معينين من قبل مكتب الدفاع للمحكمة كي تتأمن مستلزمات المحكمة العادلة وفق معايير الأمم المتحدة والقانون الدولي في هذا الصدد.
ما سنشهده في السادس عشر من الجاري هو المحاكمة التي تُبتدأ بها الجلسات الفعلية، حيث يقدم الادعاء الدولي مضبطة اتهامه بحق المتهمين وما لديه من وقائع وأدلة ومستندات وأسماء شهود سيستجوبهم أو سيعتمد على شهاداتهم الخطية إذا لم يعد بالإمكان سماع شهاداتهم الشفوية أو إذا كانت المقتضيات الأمنية تقتضي ألا تُكشف هويتهم أو ألا يُستجوبوا شفوياً أمام المحكمة وبصورة مباشرة، ومن ثم يدلي المتضررون من هذه الجريمة بأقوالهم. وللمتضررين ممثلٌ وفريق تمثيل قانوني في المحاكمة.
gt; انطلاقة المحكمة الدولية البطيئة حدت بالبعض الى التشكيك بتوصلها فعلا إلى الحقيقة، هل نحن على موعد مع رحلة ألف ميل أخرى مع انطلاقة المحاكمات أم أن قطار العدالة سيكون سريعاً هذه المرة؟
- هناك تمييز بين أمرين، الأول هو المحاكمة الجزائية الدولية برمّتها بما يعني إجراءاتها ووسائل الدفاع المتاحة وكيفية توفيرها، وهناك المحاكمة الفعلية بحدّ ذاتها عندما يُشرَع بها بحق المتهَمين. جميع المحاكمات الجزائية الدولية من دون استثناء سواء امام محكمة يوغوسلافيا السابقة او محكمة سيراليون او محكمة تيمور الشرقية وغيرها من المحاكم، جميعها مرت بمراحل بطيئة من أجل الإعداد للمحاكمات وتوفير أقصى ضمانات المحاكمة العادلة وفق معايير الأمم المتحدة والقانون الدولي. ولكن المحاكمة الفعلية عندما يصبح المتهَم ممثَّلاً أمام المحكمة بغرفتها الابتدائية ومن ثم غرفة الاستئناف إذا تم الاستئناف، يفترض بها أن تكون محاكمة عادلة بأقصى حدود العدالة ولكن في الوقت نفسه غير متباطئة أو بطيئة وإنما تبذل أقصى الهمّة للتعجيل في إصدار حكم عادل، لأنه كما يقول المثل القانوني إن العدالة المستأخرة هي عدالة أُنكرت على أصحابها. فنتوقع ألا تكون المحاكمة بطيئة بعد أن شُرع بها في ما خص هؤلاء المتهمين الخمسة، لكن يجب ألا ننسى أن المحكمة الخاصة بلبنان سترافقنا لسنوات لأنها معنية بمحاكمة سائر المتهمين وهم كثر ممن شاركوا بهذه الجريمة - المؤامرة ولم يُكشف عن أسمائهم بعد بكاملها. فلا بد أن المحاكمة سائرة والمحكمة قائمة وستتم محاكمة جميع المجرمين الذين ساهموا في هذه الجريمة أو ارتكبوها. أما محاكمة هؤلاء الخمسة فيفترض بعد استمهال وكيل الدفاع عن المتهَم الخامس حسن حبيب مرعي أن تسير بسرعة واجبة لتحقيق العدالة.
حسن مرعي المتهَم الخامس من "حزب الله" و"أبو عدس" أساس مضبطة الاتهام بحقه
بعد نحو سنتين وشهرين على المصادقة على القرار الذي اتّهم اربعة من "حزب الله" باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وجّهت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في اغسطس الماضي الى شخص خامس منتمٍ الى الحزب بجرم "المؤامرة بهدف ارتكاب عمل إرهابي".
وفي 9 اكتوبر الماضي كشفت المحكمة الدولية ان قاضي الإجراءات التمهيدية لديها دانيال فرانسين صدّق في اغسطس قرار اتّهام بحقّ حسن حبيب مرعي بالتورط في اعتداء 14 فبراير 2005 في بيروت، وهو المتهَم الذي يُنتظر ان يفضي طلب الدفاع عنه ضمّ ملفه للملف الاساسي الى إرجاء المحاكمات في قضية الحريري (بعد تلاوة القرار الاتهامي امام المحكمة ابتداء من اليوم) لنحو اربعة أشهر وذلك بهدف الإتاحة لوكلائه إعداد ملفهم.
وكانت المحكمة اعلنت قبل ثلاثة اشهر انها أُرسلت إلى السلطات اللبنانية قرار الاتهام المصدّق ومذكرة توقيف بصفة سريّة في 6 اغسطس الماضي لتتمكّن هذه السلطات من البحث عن المتّهم، وتوقيفه، ونقله إلى عهدة المحكمة. وقد أُعطيت السلطات اللبنانية مهلة 30 يوما تقييمياً لتنفيذ هذا الالتزام والإبلاغ عن جهودها في موعد أقصاه 5 سبتمبر 2013.
الا انه في 6 سبتمبر، قدّم النائب العام لدى محكمة التمييز اللبنانية تقريره السريّ إلى رئيس المحكمة، القاضي سير دايفيد باراغوانث، وذكر فيه أنّه لم يُعثر على المتّهم. ثمّ طلب رئيس المحكمة إلى السلطات اللبنانية اتّخاذ تدابير إضافية. وظلّت جميع هذه الخطوات سريّة لمنح السلطات اللبنانية الفرصة الفضلى لاعتقال المتّهم قبل ان يُعلن عن الاتهام لتسهيل تبليغ المعني.
واستناداً الى القرار الاتهامي الذي تم نشر أجزاء منه، فقد تولى مرعي (مولود في 19 ديسمبر 1965 واقام في منطقة برج البراجنة) قبل التفجير القيام بتنسيق أنشطة مع حسين حسن عنيسي وأسد حسن صبرا من أجل إيجاد شخص مناسب، عرف في ما بعد باسم أحمد أبو عدس، استخدم في تسجيل شريط فيديو يعلن فيه زورا المسؤولية عن اعتداء 14 فبراير 2005. وبعد وقوع الاعتداء مباشرة، نسّق مرعي أنشطة عنيسي وصبرا اللذين شاركا في نشر تصريحات تعزو زورا إلى آخرين المسؤولية عن الاعتداء، والتأكد من تسليم قناة "الجزيرة" الشريط الذي اعلنت فيه المسؤولية زورا، مرفقا برسالة، والتأكد من بث شريط الفيديو". وتناول قرار الاتهام تفاصيل الاتصالات الهاتفية بين المتهمين ومرعي. وذكر انه تبين أن لعنيسي وصبرا ومرعي تاريخا من الاتصال في ما بينهم، وتحديدا كان عنيسي وصبرا على اتصال احداهما بالآخر على هاتفيهما 84 مرة بين 12 يناير 2003 و 16 فبراير 2005. وكان صبرا على اتصال 212 مرة بمرعي في الفترة بين 7 يناير 2003 و 14 فبراير 2005، وكان عنيسي على اتصال 195 مرة بمرعي على الهاتف بين 25 يونيو 2003 و 26 يناير 2005. وجاء في الاتهام ان مصطفى بدر الدين "استعمل الشبكة (الاتصالات الخليوية) الخضراء (وفق تقسيمات قرار الاتهام بحق الاربعة من حزب الله) لرصد الإعداد لعملية الإعلان عن المسؤولية زورا وتنسيقها مع مرعي، وكذلك في اطار الاعداد للاعتداء". وبحسب القرار، فان "ابو عدس" في الثانية والعشرين من عمره، وهو فلسطيني وجده المتهَمون في مسجد جامعة بيروت العربية والمعروف ايضا بـ"مسجد الحوري"، وقد التقى عنيسي به.
مصطفى أمين
بدر الدين
ولد مصطفى أمين بدر الدين (المعروف أيضا بالأسماء مصطفى يوسف بدر الدين، وسامي عيسى، والياس فؤاد صعب) بتاريخ 6 أبريل 1961، في الغبيري، في بيروت، بلبنان. وهو ابن أمين بدر الدين (الأب) وفاطمة جزيني (الأم). ومحل اقامته غير معروف بالتحديد، ولكن اسمه ربط ببناية خليل الراعي، الكائنة في شارع عبد الله الحاج في الغبيري، بجنوب بيروت، وببناية الجنان، الكائنة في شارع العضيمي، في حارة حريك، ببيروت. وهو لبناني، رقم سجله 341 /الغبيري.
وأدين بدر الدين، الملقب بـ "الياس فؤاد صعب"، في الكويت، بتهمة ارتكاب سلسلة من الأعمال الارهابية في 12 ديسمبر 1983، من بينها قيام انتحاريين باقتحام السفارتين الفرنسية والأميركية بشاحنات محملة بالمواد المتفجرة. وحكم عليه بالاعدام الا أنه فر من السجن عند غزو العراق للكويت في العام 1990.
سليم جميل عياش
ولد سليم جميل عياش 4 بتاريخ 10 نوفمبر 1963، في حاروف، بلبنان. وهو ابن جميل دخيل عياش (الأب) ومحاسن عيسى سلامة (الأم). وسبق له أن أقام في أماكن منها: بناية طباجة، الكائنة في شارع الجاموس، بالحدث، في جنوب بيروت، وفي مجمع آل عياش في حاروف، بالنبطية، في جنوب لبنان. وهو لبناني، رقم سجله 197 /حاروف، ورقم وثيقة سفره لأداء فريضة الحج 059386، ورقمه في الضمان الاجتماعي 690790 / 63.
أسد حسن صبرا
ولد أسد حسن صبرا 6 بتاريخ 15 أكتوبر 1976، في بيروت، بلبنان. وهو ابن حسن طحان صبرا (الأب) وليلى صالح (الأم). وقد أقام في الشقة 2، الطابق الرابع، بناية رقم 28، شارع 58، في الحدث 3، بجنوب بيروت، ويسمى الشارع أيضا شارع سانت تيريز، في الحدث، بجنوب بيروت. وهو لبناني، رقم سجله 1339 /زقاق البلاط".
حسين حسن عنيسي
ولد حسين حسن عنيسي (المعروف أيضا باسم حسين حسن عيسى) بتاريخ11 فبراير 1974، في بيروت، بلبنان. وهو ابن حسن عنيسي (المعروف أيضا باسم حسن عيسى) وفاطمة درويش. وقد أقام في بناية أحمد عباس، الكائنة في شارع في الحدث، بجنوب بيروت. وهو لبناني، رقم، (Lyceacute;e des Arts) الجاموس، قرب ليسيه دي زار سجله 7/ شحور.
التحقيق الدولي "تدرّج"
وصولاً الى اتهام "حزب الله"
بين بدء التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في يونيو 2005 والتصديق على القرار الاتهامي الذي طال اربعة من "حزب الله" في يونيو 2011، ست سنوات من عمل اللجنة التي ترأسها 3 قضاة قدّموا 11 تقريراً أوّلها وضعه الالماني ديتليف ميليس في 20 اكتوبر 2005 وآخرها الكندي دانيال بلمار قبل ان يتحوّل المدعي العام للمحكمة الدولية مع انطلاق عملها رسمياً في الاول من مارس 2009.
منذ بدء عملها بعد نحو شهرين من إنشائها بموجب القرار 1595 الصادر عن مجلس الامن الدولي في 7 ابريل 2005، حتى تقريرها الأخير، لم تفصح لجنة التحقيق الدولية واي من رؤسائها الثلاثة وبينهم البلجيكي سيرج براميرتس صراحةً عن الجهة المتورطة في اغتيال الحريري وإن كانت لمّحت اليها عبر رسمها "البيئة السياسية" للجريمة في خطٍ بياني وضع النظام الأمني اللبناني - السوري في دائرة الشبهة انطلاقاً من "القنبلة الاولى" التي كان فجّرها مَن وُصف بـ "الثعلب الالماني" (ميليس) حين تحدّث في تقريره الذي رفعه الى الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي انان العشرين من أكتوبر 2005 عن "تورط اكيد لمسؤولين امنيين كبار في سورية ولبنان في جريمة اغتيال الرئيس الحريري"، علماً ان هذا التقرير جاء بعد أقل من شهرين على توصية القاضي الالماني الى القضاء اللبناني بتوقيف الجنرالات الأربعة: اللواءان جميل السيد وعلي الحاج والعميدان ريمون عازار ومصطفى حمدان الذين شكلوا ركيزة ما وُصف حينها بأنه "الجهاز الامني اللبناني".
وحتى التقرير التاسع للجنة الدولية مع المحقق براميرتس (وضع سبعة تقارير) كانت الشبهة "العلنية" متمحورة حول "الرسم التشبيهي" نفسه للقاتل، وإن كان القاضي البلجيكي اعلن في هذا التقرير "ان اللجنة واصلت النظر في "فرضيات بديلة"، منها أن تكون مجموعة متطرفة استهدفت الحريري لأنه كان يعتبر شخصية قيادية في طائفته"، موضحاً أنه "نظراً إلى احتمال ان يكون الدافع للاغتيال ينطوي على مجموعة من العوامل المتداخلة، فإنَّ اللجنة تدرس إمكان ان يكون فريقان أو أكثر من المنفذين قد شاركوا في عملية الاغتيال".
ومع تولي بلمار رئاسة لجنة التحقيق الدولية في يناير 2008، زادت الاشارات الى "شيء ما" جديد في سياق التحقيقات. وجاء التقرير العاشر للجنة الذي وضعه القاضي الكندي ليستوقف دوائر قضائية رأت انه "يعتمد أسلوباً جديداً غير متناسق مع الوجهة الجنائية العامة، التي كانت قد طبقتها اللجنة في ظل رئاسة ميليس وبراميرتس ويستعمل عبارات جديدة غير دقيقة قد تنم عن تعديل خفي ما في سير التحقيق الدولي أو على الأقل عن تريث وتردد لدى الأمم المتحدة في اتخاذ القرار بإحالة ملف التحقيق على مكتب المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة للبنان" التي كان قرار إنشائها صدر في 30 مايو 2007 عن مجلس الامن.
اما التقرير الأخير للجنة فأكد "أن اللجنة كشفت عناصر إضافية ذات علاقة بالصلة بين هجوم الحريري وقضايا أخرى كانت عثرت على صلات بينها"، متحدثاً عن مؤشرات أولية تفيد أنه "ربما كانت هناك صلة بين واحدة من هذه القضايا الإضافية وقضية الحريري" ومنبهاً إلى "أن لا تفاصيل إضافية يمكن توفيرها لأسباب تتصل بسرية التحقيق وحماية مصادر المعلومات"، ومؤكداً "أن إطلاق عمل المحكمة الدولية لا يعني أن التحقيق قد استكمل، ورغم أن عملاً مكثفاً قد أنجز في التحقيق، فإن اللجنة ومكتب المدعي العام يجب أن يواصلا جمع الأدلة التي تدعم قراراً اتهامياً قبل المحكمة".
هذا في العلن. اما وراء الكواليس، فشكّل اغتيال الضابط في جهاز استخبارات الأمن اللبناني (فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي) وسام عيد في 25 يناير 2008 اول اشارة الى ان التحقيق في جريمة الحريري كان "انعطف" الى مسار "تنفيذي" آخر، ولا سيما بعدما كُشف ان عيد هو "العقل المعلوماتي" الذي أدى دوراً حاسماً في تفكيك "شيفرة" الاتصالات التي ادت الى الامساك بأكثر من "طرف الخيط" في تفجير 14 فبراير 2005 وصولاً الى ربط المتهَمين من "حزب الله" بالجريمة.
وبعد اغتيال عيد ثم تسريب مجلة ديرشبيغل الالمانية في مايو 2009 ان "حزب الله" متورط في اغتيال الحريري، نُقل عن مصدر أمني قريب من الرئيس سعد الحريري انه "في عام 2006، وقبل حرب يوليو، توصل فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي إلى معطيات وأدلة على تورّط أفراد من حزب الله في عملية التنفيذ، حيث زار العقيد وسام الحسن (اغتيل في 19 اكتوبر 2012) رئيس الحكومة سعد الحريري وأبلغه بالمعطيات، ثم طلب الحريري من السيد حسن نصر الله موعداً للحسن، الذي زاره سريعاً، وأبلغه بهذه المعطيات التي لم يوافق عليها نصر الله، لكن لم يقدّم نفياً لها. ثم حصلت ثلاث جلسات مع مسؤولين أمنيين في الحزب لمناقشة هذه الأدلة".
اضاف المرجع الأمني نفسه (نشرت كلامه صحيفة "الأخبار" اللبنانية القريبة من "حزب الله" في اكتوبر 2010) في معرض شرح ما حصل بين فريق الحريري وحزب الله من مراسلات ولقاءات، أو بين قوى الأمن الداخلي (ضمناً فرع المعلومات) وحزب الله: "طرحنا مخرجاً على حزب الله حينها، هو أن يقول الحزب إنه مستعد لمحاكمة أي عنصر من أفراده توجد أدلة تدين تورُّطه باغتيال الحريري، وهو تماماً مثل خريطة الطريق التي قدمها وزير الخارجية السوري وليد المعلّم، الذي ردد مرات عدة أن سورية ستحاكم أي مواطن سوري يثبت تورّطه في عملية الاغتيال بتهمة الخيانة العظمى. وقد طرحنا على الحزب إخفاء هؤلاء الأشخاص أو تصفيتهم وإدانتهم معنوياً، وبذلك لا يصل التحقيق إلى أعلى من دائرة التنفيذ، لكن فوجئنا يوم أقفل السيد نصر الله الباب، وقال إنه مسؤول عن أي عمل يقوم به أي عنصر من عناصر حزب الله، وكأن جسم الحزب غير مخترق، ونحن نعرف تماماً أنه اختُرق وأعطيناه الأدلة على ذلك، وجرت تصفية المسؤولين الثلاثة في الحزب الذين أبلغنا الحزب عن تعاملهم مع إسرائيل".
وكان تقرير ديرشبيغل الذي مهّد لعملية "تهشيم" ممنهجة للمحكمة الدولية وصدقيتها اعتمدها "حزب الله" وبلغت اوجها بعد التصديق على القرار الاتهامي في يونيو 2011، نُشر في 24 مايو 2009 واعتبره الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله "بوابة الفتنة الشيعية ـ السنية". وبحسب التقرير الذي كتبه أريك فولاث (1949) مراسل الشؤون الديبلوماسية في المجلة المذكورة، فإن المحكمة الخاصة بلبنان توصلت الى أن "حزب الله" اغتال رفيق الحريري، والى خلاصة أطاحت بكل التوقعات السابقة: "ليست سورية من قتلت الحريري بل قوات خاصة من "حزب الله" الذي خطط للاعتداء ونفذه".
هذه المعلومات قال فولاث إنه استقاها "من مصادر قريبة من لجنة التحقيق الدولية، وان المدعي العام دانيال بلمار لم يرد اعلان ما توصل اليه".
وأشار معد التقرير الى "أن وحدة خاصة في قوى الأمن اللبناني كانت تعمل في شكل سري برئاسة رئيس الفرع الفني في شعبة المعلومات وسام عيد الذي تمّ اغتياله يوم 25 يناير 2008، توصلت الى فرز أرقام الهواتف الجوالة التي يشتبه باستعمالها في محيط اغتيال الحريري لحظة تحديد مسار العد العكسي للتفجير وقبله بأيام. هذا الامر وضع في خانة "الحلقة الأولى من الجحيم"، وفق فولاث الذي أضاف أن الرائد عيد تمكن من تحديد ثمانية هواتف جوالة تمّ شراؤها من طرابلس (الشمال) في اليوم نفسه، واستعملت قبل ستة أسابيع من تنفيذ الاغتيال.
"الحلقة الثانية من الجحيم" تألفت من 20 هاتفاً جوالاً ارتبطت كما يورد فولاث بالشبكة الهاتفية الاولى التي كشفها عيد، كاشفا انها تعود الى "الذراع التنفيذية" التابعة لـ "حزب الله". والسؤال: كيف كشفت " حلقتا الجحيم" الأولى والثانية؟ يذكر التقرير أن أحد الاشخاص المشتبه بهم، أي عبد الحميد غملوش، وهو عنصر في "حزب الله" وشارك في دورة تدريبية في إيران، اتصل بصديقته ما ساعد المحققين الدوليين في التعرف الى أصحاب بقية الهواتف. لكن هذا الشخص كما يلفت فولاث تمت تصفيته.
الخطأ أوصل الى الاشتباه بالرأس المدبر لعملية الاغتيال، كما يذكر التقرير، وهو عماد مغنية، "من بلدة النبطية في جنوب لبنان، الذي يعتبر قائد الجناح العسكري لـ "حزب الله. وأضاف التقرير "أن مغنية (او الحاج رضوان) الذي اغتيل في سورية يوم 12 فبراير 2008، هو الذي ترأس الوحدة التي شاركت في التنفيذ، فيما حصل عنصر آخر في الحزب على شاحنة "الميتسوبيشي" التي استعملت في ساحة الجريمة". وبحسب فولاث فإن اغتيال الرائد وسام عيد كان هدفه تعطيل وتيرة التحقيق الدولي، وأن تصفيته مع ثلاثة أشخاص تؤكد تورط "حزب الله".
"ليست المرة الأولى التي تذكر فيها صحفٌ اتهاماتٍ، وتلفق فبركاتٍ من نوع دير شبيغل وسنتعاطى مع التقرير على أنه اتهام إسرائيلي"، بهذه العبارة ردّ السيد نصر الله على التقرير الشهير في 25 مايو 2009 معتبراً أن كل هذه التقارير تهدف الى إدخال لبنان في فتنة شيعية ـ سنيّة وهي معلومات ملفقة. لكن آريك فولاث كاتب التقرير أكد في حديث أدلى به في 27 مايو 2009 أن "الوثائق التي اطلع عليها أثناء إعداد التقرير كانت أصلية وليست نسخاً وأنها كانت حزماً أصلية من الوثائق" وأنه " تحقق من كل كلمة قبل النشر". وأضاف انه زار سورية قبل بضعة أشهر وأجرى حواراً مع الرئيس بشار الأسد، ولم يكن لذلك أي علاقة بالتقرير الذي نشر في 24 مايو 2009. ولم تقف تداعيات تقرير "دير شبيغل" عند هذا الحد، فقد نشرت بعض المصادر أن السوريين و"حزب الله" عمدوا الى تسريب المعلومات حول الجريمة عن طريق اريك فولاث، وان للوزير السابق ميشال سماحة ( الموقوف حالياً بقضية مخطط تفجيرات في شمال لبنان اتُهم فيه ايضاً اللواء السوري علي مملوك) دوراً أساسياً في ذلك.