حرب صعبة جديدة في الشرق الأوسط!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
&أندرو باسيفيتش
أستاذ زائر في معهد العلاقات الدولية بجامعة كولومبيا
مع امتداد الضربات الجوية الأميركية التي تهدف إلى إضعاف وتدمير تنظيم &"داعش&" إلى سوريا، يبدو أن حرب العراق الثالثة تطورت عن غير قصد إلى &"الحرب العظمى الرابعة عشرة في الشرق الأوسط&". وذلك لأن سوريا أصبحت هي الدولة رقم 14 في العالم الإسلامي التي تفرض فيها الظروف تدخل القوات الأميركية، والتي يحارب فيها الجنود الأميركيون منذ عام 1980 وحتى الآن.ومع هذه الجبهات الأربع عشرة التي افتتح بعضها على عَجَل ومن دون تخطيط كافٍ، لم تتردد وزارة الدفاع &"البنتاجون&" ولو في واحدة منها على الأقل في الاعتراف بأنها حملات قد تطول لسنين عديدة. ولو كانت لها نهاية منظورة حتى ولو بعد وقت طويل، فإن ما يبدو واضحاً هو أننا لو كسبناها جميعاً فسنكون قد تكلفنا أعباء كبيرة. ويرى المنتقدون في أميركا أن هزيمة ودحر &"داعش&" الذي يضج به العالم الآن، على رغم أهميتها، إلا أن التدخل قد لا يمثّل في حقيقة الأمر أكثر من تورّط آخر للولايات المتحدة في تجارب خضناها بمرارة قبل عقد من الزمن وأثبتت أنها مكلفة وربما غير مجدية وفقاً لكل المقاييس.
وبالعودة الخاطفة إلى أحداث مهمة شهدها عام 1980، سنرى كيف أن الرئيس الأسبق جيمي كارتر قلب المفاهيم الاستراتيجية رأساً على عقب عندما أعلن أن الولايات المتحدة ستستخدم قوتها العسكرية لدرء الخطر الجسيم المتمثل باحتمال وقوع الخليج العربي واستقراره في الأيدي الخطأ إثر سقوط نظام الشاه. وعندما ظهر على نحو بالغ الوضوح أن &"النظام ما بعد العثماني&" الذي ابتدعه المستعمرون الأوروبيون -وخاصة البريطانيين- عقب انتصارهم المؤزّر في الحرب العالمية الأولى، يواجه خطراً جسيماً، اتخذت الولايات المتحدة قرارها الخاص عندما قررت تحمّل مسؤولية منع هذا النظام من التعرّض للمزيد من مظاهر التحلل والانهيار. وكان لانسحاب بريطانيا من شرق قناة السويس واندلاع الثورة الإيرانية والتدخل السوفييتي في أفغانستان، أن تدفع واشنطن إلى حشر أنفها في المنطقة أكثر فأكثر.
وفي ذلك الوقت بالذات، كان النفط، وليس تحقيق الديمقراطية ولا احترام حقوق الإنسان، هو الذي يقرر ما هي المصالح العليا للولايات المتحدة. وكان استقرار مصادر التموين بالطاقة هو الهدف. ورأت الولايات المتحدة أن القوة العسكرية وحدها يمكنها أن تمثل أنجع الوسائل لتحقيق هذا الهدف. وقد تمثل القوة العسكرية مجرّد غطاء للأشياء. وربما يجيش القِدرُ الذي تغطيه بما يحتويه، ولكنه قد لا يغلي أبداً!
وقد أثبتت التجارب أن نشر القوات البرية على الأرض أو الاعتماد على الضربات الصاروخية، في محاولة لتحقيق الاستقرار وتثبيته، قد لا تؤدي في النهاية إلا إلى نتيجة غير ملائمة. ويكمن الجزء المهم من هذه المشكلة في أن صنّاع القرار السياسي في الولايات المتحدة كانوا يشعرون في معظم الأوقات بأن استثارة قَدْرٍ ضئيل من الفوضى، قد تؤدي إلى نتائج حميدة في نهاية المطاف.
حدث ذلك بالفعل في فيتنام عندما رفع العسكريون الأميركيون الذين حاولوا غزوها عام 1955 شعار: &"أحرقوا القرية من أجل إنقاذها&"!. أما في &"الشرق الأوسط الكبير&"، فقد كان هذا الشعار يهدف إلى تفكيك بعض النظم القائمة بهدف إقامة شيء ما أكثر انطواء على الفوائد، وهو ما عُرف بمبدأ &"تغيير النظام&" الذي يعتبر بمثابة الخطوة الاستهلالية لما أطلقوا عليه مصطلح &"بناء الأمم&". ولسوء الحظ، أثبتت الولايات المتحدة أنها أكثر براعة في تحقيق الشعار الأول من الثاني، بشكل كبير.
وفي معظم الحالات إن لم يكن فيها جميعاً، كان التغيير القسري للأنظمة يؤدي إلى فراغ خطير في السلطة. وها هو العراق يقدم الدليل القاطع على ذلك. وعلى رغم تجاهل واشنطن السلبي لما يحدث في ليبيا ما بعد القذافي، فإن هذا البلد الجريح يقدم هو أيضاً المثال والشاهد الآخر على ما نقول. وإذا لم يسعفنا الحظ حتى يتمكن مقاتلونا من الانسحاب بأرواحهم وأجسادهم، فستكون أفغانستان على نحو استثنائي هي الشاهد الثالث. وفي نفس الأماكن التي أصبحت شاغرة بعد اعتراض واشنطن على الحكومات القائمة فيها، وجدت الولايات المتحدة نفسها وهي تتعامل مع بلدان لم تعد لها حكومات فعالة تديرها.
وعندما كانت الولايات المتحدة تخلق هذه الفوضى وعدم الاستقرار في الدول التي تغزوها، فقد استغلت القوى الإسلامية الراديكالية المتطرفة الفرصة لتملأ الفراغ الناتج عن انهيار &"النظام ما بعد العثماني&" بالطريقة التي تريدها هي على حساب الشعوب. وهكذا ظهر إلى حيز الوجود الجيوسياسي ما يسمى &"الخلافة&" التي أقسم بن لادن بأنه سيؤسسها من جديد، وهي التي تُرفع دعاواها في العراق وسوريا اللذين وقعا بالفعل في أيدي المتشددين الإسلاميين.
فهل نريد أن نقف على ما حققته أميركا من خلال حروبها الثلاث عشرة السابقة في الشرق الأوسط؟ لو كان قُدر العراق أن ينشئ قوة أمنية فعالة، لما بقيت لمقاتلي &"داعش&" أية فرصة للبقاء والتمدد والانتشار. ولكن ما حدث هو أن الجيش العراقي الذي أنشأناه بأنفسنا لا يمتلك عزيمة وحميّة القتال، ويعود سبب ذلك بكل بساطة إلى أن الحكومة العراقية التي أوجدناها بأنفسنا أيضاً لا تحكم البلد.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة &"إم. سي. تي. انترناشونال&"
&