وزراء التعليم . . والتطرف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله السويجي
قال الدكتور خالد الرشيد، وكيل وزارة التربية والتعليم الكويتي، في لقاء مع صحيفة "الاقتصادية" السعودية، نشر الأربعاء الماضي، إن أبرز ما طرح في افتتاح مؤتمر وزراء التربية لدول مجلس التعاون الخليجي الذي عقد في الكويت الأسبوع الماضي، كان الاهتمام بالنشء وتعزيز روح المواطنة الداعية للوسطية، وقال إن السياسات التي تم بحثها بين الوزراء ستترجم إلى معايير تطبق في خطة المناهج الخليجية . وأوضح وكيل وزارة التربية الكويتي أن المعايير الجديدة ستؤخذ على شكل مناهج أو أنشطة طلابية تعزز المفاهيم الوسطية، وأنها "ستكون منهجية جديدة تنقل المناهج الدراسية التي ستتطور لمواكبة المستجدات بما في ذلك نبذ ظواهر العنف والتشدد التي تنعكس على النشء الحالي" . وتابع: "لزم علينا كوزارات تربية أن ندرس الأوضاع ونتدارك تلك السلوكيات التي لا نود أن تكون في مجتمعاتنا وهذا سينعكس على المناهج" .
&
وقال د . الرشيد في تصريحه إن بعض دول المنطقة وليست جميعها، تمارس فيها خلال الأنشطة الطلابية عمليات لجمع التبرعات أو عقد ندوات لجمعيات نفع عام، وحلقات تطلق فيها محاضرات، لكن تلك الأنشطة ستكون مقننة وممنوعة، مضيفاً: "يجب أن تكون تلك الأنشطة مرخصة من جهات تأذن لها بتنفيذها من قبل الجهات الرسمية في الدولة" .
انتهى بعض ما قاله د . الرشيد، ولا بد لنا من وقفة تأملية عند هذا الطرح المثير للجدل من خلال النقاط التالية:
* أولاً: يشير تصريح الوكيل، ولو ضمناً، إلى أن العملية التعليمية لعبت دوراً في نشوء التطرف، وأن المناهج الحالية أو بعضها كان سبباً في انتشار هذه الظاهرة، من دون أن يتناول العناصر الأخرى للعملية التعليمية وأساليب التدريس، إذ لم يأت على ذكر دور المعلم الذي هو جزء رئيس من محور العملية التعليمية، ولم يتناول أساليب التدريس التي كانت ولا تزال تركز على التلقين دون تطوير وتنمية العقل الناقد والتفكير الحر لدى الطلاب، ولم يتطرق إلى دور الأسرة التي تغرس في أذهان أبنائها الأفكار، ولا إلى أسلوب الحياة الاستهلاكي الذي خلق خواء روحانياً وفكرياً لدى الكثير من الطلاب، وجعلهم على استعداد لتقبل أي فكر آخر، أو أي صوت آخر يلح عليهم ويدخل إلى عقولهم من باب الدين .
* ثانياً: نفهم من كلام الوكيل أن هناك نية لتغيير المناهج الدراسية، وأعتقد أنه يقصد مناهج مادة التربية الإسلامية، وهنا لا بد من القول إن عملية تغيير المناهج ككل عملية صعبة ومعقدة وتتطلب وقتاً طويلاً، أما إذا كان المقصود بالطرح هو مادة التربية الإسلامية، فإن ما يتعلمه الأطفال أو الطلاب لا يزيد على حفظ بعض سور القرآن الكريم وآياته، إضافة إلى الأحاديث النبوية الشريفة، التي تحض على الالتزام بالصلاة والشعائر الدينية الأخرى، وتعزيز القيم والأخلاق بين الطلاب، والمشكلة ليست في هذا المنهاج وإنما في الوسيط الذي ينقل هذه المادة ويقدم لها تفسيراً قد يكون متطرفاً، وفي الإضافات التي يطرحها على الطلاب ويستقبلونها كمسلمات وبديهيات، فإذا كان الوسيط-المدرس- متطرفاً- فإنه سيقدم للطلاب ما يجعلهم متطرفين، وأشبه بالآلات التي تردد صدى الأصوات، وبالتالي، فإن تغيير المنهج أو تعديله لن ينجحا في نشر الفكر الوسطي، إذا كان المدرس غير وسطي .
* ثالثاً: لم يتطرق الوكيل إلى أثر وسائل الإعلام التي تبث البرامج الغريبة العجيبة، خاصة الدينية منها، التي تناقش أموراً تتعلق بالقشور الدينية وليس بجوهر الإيمان، ناهيك عن أفلام العنف والسحر ومصاصي الدماء والقتل التي تزدهر على الشاشات العربية، حتى حولت البعض إلى وحوش كاسرة، وآخرين إلى عدوانيين لا مبالين، والبعض يطبق ما يرى على أرض الواقع . ومن جهة ثانية، لم يتطرق الوكيل، أو المجتمعون كما يبدو، إلى أثر وسائل التواصل الاجتماعي في النشء، وفقدان السيطرة على ما يتابعه الأبناء، لاسيّما أن الإنترنت أصبح منتشراً في الهواتف المحمولة، ولم يعد بالإمكان الحديث عن الرقابة الأسرية أو الأمن الإلكتروني داخل البيوت .
* رابعاً: إن حديث الوكيل يشير إلى احتمال توحيد المنهاج التعليمي، وهو أمر أشبه بالمستحيل، نظراً لاختلاف المجتمعات وتباين مرجعياتها، وعند أول اجتماع للاتفاق على المعايير ستنشب خلافات لا حصر لها، وبالتالي، سيعود كل مسؤول إلى بلده ليطرح فكرة الاجتهاد، وكل دولة تضع ما يناسبها من مناهج، وبهذا الموقف تكون الكرة عادت إلى المربع الأول .
* خامساً: لا تزال وزارات التربية العربية تنظر إلى الطالب على أنه عجينة يمكن للمدرسة تشكيلها بالشكل الذي تريد، دون منح الطالب مساحة ليكون ما يريد، أو على الأقل، لمناقشته بشأن ما يريد، إذ لا تزال التربية تعتمد على الحسم والجزم بعيداً عن النقاش وتداول الأفكار ومحاولة الإقناع، وتدور في فلك الممنوع دون تبرير، والحرام دون تفسير، بينما هنالك نظريات أكدت أن الطالب وإن تعرض (لغسيل دماغ)، فإنه سيكون وفق ما يريد، والقصص التي يتناقلها الأهالي الذين أرسلوا أبناءهم وبناتهم للدراسة خارج أوطانهم، وتحديداً إلى المجتمعات المتقدمة، كثيرة جداً، كأن يكون الطالب ملتزماً متديناً وهو بين أهله، إلا أنه انقلب إلى الضد حين وطأت قدماه بلداً آخر وأصبح سيد نفسه، أو يحدث العكس تماماً، يتحول الطالب اللامبالي إلى طالب متدين خلال فترة زمنية قصيرة، والسبب هنا لا يعود إلى المجتمعات التي وصلها الطلاب، وإنما إلى مستوى الكبت الذي كان مفروضاً على الطالب في بيئته الصغيرة، وهنا تظهر أهمية انفتاح عناصر العملية التعليمية والأسرة على الطالب، خاصة أنه منفتح على العالم دون دراية الأهل،
التعليم يشكل الأساس في بناء الأفراد والمجتمعات، ولكن ليس من منطلق (خلق) شخصيات الطلاب، وإنما من خلال الانفتاح عليهم، بعيداً عن وسائل الضغط والتلقين ومصادرة أفكارهم وهواجسهم، وقد آن الأوان كي نتخلى عن مفاهيم الوصاية، فهذا الجيل الصاعد يحتاج إلى من يفهم تطلعاته وأفكاره وهواجسه، ومجرد مصادرة ما يؤمن به بشكل تعسفي، سيكون بداية للصدام والمواجهة، ونخشى أن تكون المواجهة ليست في صالح المربين .