جريدة الجرائد

من أيّ باب سيدخل أوباما التاريخ؟

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خير الله خير الله&غريب أمر الإدارة الأميركية التي على رأسها باراك أوباما. يريد الرجل دخول التاريخ. سيدخل التاريخ حتما بصفة كونه أوّل رئيس أسود للولايات المتحدة. هل يدخل التاريخ بفضل انجاز تحقّق في عهده في المجال السياسي؟ الواضح أنّه يبحث عن إنجاز. فالسنة 2014 تنتهي والإدارة الأميركية تتطلع في ثلاثة اتجاهات، في حين يبدو مطلوبا التركيز أيضا على إتجاه رابع وآخر خامس.&يساعد الإتجاهان الرابع والخامس في معالجة ما يمكن تسميته الاستثناء الفلسطيني والظلم اللاحق بالشعب السوري وبسورية عموما.&في الموضوعين الفلسطيني والسوري، تستطيع الإدارة إثبات جدّيتها بدل الاكتفاء بانتصارات أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها سهلة. في الواقع، تكشف مواقف الإدارة من فلسطين وسورية تهرّبا من تحمّل مسؤولياتها التاريخية تجاه شعبين مظلومين. الفلسطينيون يعانون من الاحتلال، والسوريون يعانون من نظام مصمّم على جعلهم عبيدا لديه من جهة وعلى وضعهم تحت الاحتلال الإيراني من جهة أخرى!&بالنسبة إلى باراك اوباما، لا يزال الملف النووي الإيراني يختزل كلّ أزمات الشرق الأوسط. بالنسبة إليه، هناك مكان وحيد يمكن تحقيق اختراق في الشرق الأوسط. هذا المكان هو إيران. ايران بلد مهمّ. لا يختلف اثنان في هذا الشأن. ولكن ما لا يسأله الرئيس الأميركي الباحث عن إنجاز يجعل التاريخ يتذكّره، كيف يمكن شنّ حرب ناجحة على &"داعش&" بدل الشكوى من &"داعش&"؟&هل ذلك ممكن من دون السعي إلى معالجة ما تتسبب به السياسة الإيرانية في المنطقة من كوارث؟ هل هذا ممكن من دون الاعتراف أوّلا بأن الحرب الأميركية على العراق أمنت لإيران موطئ قدم في هذا البلد الذي كان إلى ما قبل فترة قصيرة أحد أعمدة التوازن الإقليمي؟&يرفض أوباما أن يسأل نفسه أيضا كيف يمكن الاكتفاء بالتركيز على &"داعش&" السنّية وتجاهل الدواعش الشيعية التي هي في أساس انتعاش &"داعش&" وتمدّدها؟ لا يجوز في أيّ شكل تجاهل المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة، في حال كان مطلوبا القضاء على الإرهاب الذي بات مرتبطا أساسا بإثارة الغرائز المذهبية التي هي في صلب المشروع الإيراني في الشرق الأوسط. يبدأ المشروع بأفغانستان وصولا إلى اليمن والسودان ودول الخليج العربي وشمال افريقيا، مرورا بالعراق والبحرين وسورية ولبنان طبعا.&لا يمكن إلّا استغراب هذا التوجه الأميركي إلى ايران على الرغم من أنّه لا يمكن في أيّ لحظة تجاهل أهمّية هذا البلد ذي الحضارة العريقة. ولكن يبقى السؤال ما الذي لدى ايران، بنظامها الحالي، ما تقدمّه للمنطقة في مجال المحافظة على الاستقرار فيها وتكريسه بدل العمل على تفكيك البلدان العربية، كلّ بلد تلو الآخر من منطلق مذهبي؟ هل تعتبر ايران في الوقت الحاضر أنّه آن أوان قبض ثمن مشاركتها في الحرب الأميركية على العراق؟ في النهاية ليس لدى ايران ما تقدّمه سوى الإستثمار في المذهبية بدل السعي إلى نشر الأفكار التي تدعو إلى التسامح والإعتراف بالآخر والإنفتاح على العالم المتحضّر.&في غياب مردود سريع لعملية استرضاء إيران، اتجه باراك أوباما نحو كوبا. ما أعلن عنه الرئيس الأميركي قبل أيّام كان خطوة تاريخية تعكس أوّل ما تعكس الانتهاء من مقاطعة استمرّت ما يزيد على نصف قرن للجزيرة التي حكمها فيديل كاسترو طويلا. كان كاسترو يظنّ أنّه سيكون شريكا في تغيير العالم. كلّ ما في الأمر أنّ كوبا تغيّرت واكتشفت أنّ ليس في استطاعتها الاستمرار من دون العودة إلى الفلك الأميركي.&المضحك ـ المبكي في الموضوع أنّ كوبا المفلسة وجدت نفسها مضطرّة، في غياب الاتحاد السوفياتي والحرب الباردة، إلى الاعتماد على بلد يسير نحو الإفلاس هو فنزويلا.&كانت فنزويلا بين أكثر الدول تأثّرا بانهيار أسعار النفط. انكشفت فنزويلا التي اعتمدت في عهد الراحل هوغو شافيز سياسة لم تجلب لها سوى الخراب. كانت النتيجة أن انتصرت عليها الولايات المتحدة بالنقاط. ما حصل أن أوباما الذي هرب إلى كوبا إنّما قطف الثمرة بعد نضوجها وبعدما لم يعد أمام هافانا خيارات أخرى.&هناك مكان ثالث يسعى باراك أوباما إلى إظهار وجوده فيه. إنّه اوكرانيا. نعم، تعاني روسيا من العقوبات التي فُرضت عليها بسبب سياستها الهجومية في أوكرانيا. لكنّ العامل الحاسم في المواجهة مع الرئيس فلاديمير بوتين كان هبوط أسعار النفط التي جعلت الاقتصاد الروسي في الحضيض. من وراء هبوط أسعار النفط؟ وحده الوقت سيكشف من وراء هذا التطور التاريخي الذي فضح دولا مثل فنزويلا وروسيا وإيران...&لماذا لا يمتلك أوباما الشجاعة نفسها في مواجهة اسرائيل والانتهاء من الإحتلال؟ هل كثير الطلب من الرئيس الأميركي ذلك؟ لماذا هذا االتراجع أمام اسرائيل، في حين أنّ كل المطلوب هو إنهاء الاحتلال استنادا إلى قرارات واضحة لمجلس الأمن؟ هذه القرارات تمثّل الشرعية الدولية التي تعتبر الولايات المتحدة نفسها حريصة عليها، أقلّه نظريا.&لكنّ الفضيحة الأميركية الأكبر تظل الموقف من النظام السوري. هناك رعب أميركي من إسرائيل ومن بنيامين نتنياهو الذي يعترض على أي عمل يمكن أن يسيء إلى النظام السوري . كذلك، هناك مسايرة إلى أبعد حدود لإيران في مجال التعاطي مع النظام السوري.&هل هذا ما يبرّر كلّ هذا التخاذل حيال سورية حيث يوجد شعب عانى ما يزيد على نصف قرن من تخلّف حزب البعث، فإذا به يبحث منذ نحو أربع سنوات عن أبسط حقوقه؟&فشل أوباما في إيجاد سياسة واضحة أميركية في الشرق الأوسط. هناك جهل حتّى في البديهيات. في الإمكان تحقيق اختراق مع ايران وفي الإمكان التوصل إلى مصالحة تاريخية مع كوبا. كذلك، في الإمكان تركيع روسيا بفضل اسعار النفط. ولكن حيث كان في استطاعة الإدارة لعب دور بناء يخدم شعبين يبحثان عن شيء من كرامتهما، لا مجال لتحقيق أي تقدّم. هل إلى هذا الحدّ تخشى ادارة باراك أوباما إسرائيل التي لا هدف لديها، إلى إشعار آخر، سوى تفتيت سورية والقضاء على أي أمل بقيام دولة فلسطينية مستقلة؟ يبدو أن الإدارة التي تضع مسايرة إيران في طليعة أولوياتها، مستعدة لكلّ شيء باستثناء المواجهة مع اسرائيل.&في ظلّ هذه المعطيات، يصحّ السؤال من أي باب سيدخل باراك أوباما التاريخ؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف