طموحات كلينتون الرئاسية قد تصطدم بـ "عقدة" إيران
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عمر عدس وصباح كنعان
يبدو منذ الآن أن هيلاري كلينتون ستترشح قطعاً للرئاسة الأمريكية عام 2016 . وهذا سيفرض عليها أن تعلن موقفاً من المسألة المركزية حالياً في السياسة الخارجية الأمريكية: تسوية تفاوضية أم حرب مع إيران؟ وهذا بدوره ينطوي على مضامين كبيرة بالنسبة لكسب أو خسارة قواعد انتخابية وتبرعات مالية . وقد ناقش هذه المعضلة الصحفي والكاتب الأمريكي ستيفن كينزر في مقال نشره موقع "كومون دريمس" وجاء فيه:
في أواخر يناير/ كانون الثاني، سئلت هيلاري كلينتون بشأن طموحاتها الرئاسية، فأعطت جواباً يشكل صياحاً حتى حسب معاييرها: "أنا . . لا أفكر في الأمر" .
وتعتبر كلينتون على نطاق واسع المرشحة المفترضة للحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة عام 2016 . ونظراً إلى الفوضى السائدة في صفوف الجمهوريين حالياً، ينظر إليها كثيرون منذ الآن على أنها رئيسة منتخبة فعلياً . واختارت مجلة "تايم" موضوع غلاف في يناير/ كانون الثاني تحت عنوان كبير يقول: "هل يستطيع أحد وقف هيلاري؟" . وبدورها، اختارت مجلة "نيويورك تايمز" موضوع غلاف مخصص لكلينتون، ما يشير إلى أن وسائل الإعلام تتعامل منذ الآن مع حملة رئاسية غير معلنة لكلينتون .
وإحدى العلامات المؤكدة على أن كلينتون مرشحة للرئاسة هو رفضها اتخاذ موقف حول أكبر مسألة جيوسياسية تواجه الولايات المتحدة الآن . إذ إن الرئيس أوباما ووزير الخارجية جون كيري يخوضان مجهوداً ينطوي على رهانات كبيرة لإنهاء 35 سنة من العداء بين الولايات المتحدة وإيران . وهذه المبادرة هي الآن موضوع نقاش مكثف في واشنطن . غير أن أحداً لا يعرف رأي المرأة التي كانت السلف المباشر لكيري، والتي تسعى بوضوح إلى أن تحكم الولايات المتحدة اعتباراً من بداية 2017 .
وسبق أن أكد كيري أن المفاوضات مع إيران هي "أحد المفاصل في التاريخ"، وجادل بأن هذه المفاوضات توفر للولايات المتحدة "فرصة لكي تعالج سلمياً أحد أكثر شواغل الأمن القومي إلحاحاً التي يواجهها العالم" . ومن جهتها، حذرت السيناتور ديان فينشتاين رئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، من أن أولئك الذين يسعون لعرقلة الوفاق إنما هم "على مسار حرب" .
وعلى الجانب "الإسرائيلي" أيضاً هناك مواقف حادة فقد ندد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالمفاوضات مع إيران، واعتبرها "خطأ تاريخياً" يجعل العالم "مكاناً أكثر خطورة" . وأنصاره في واشنطن يرددون بقوة أصداء موقفه هذا، ومن ضمنهم السيناتور مارك كيرك الذي اتهم أوباما بالتصرف "مثل نيفل تشامبرلين" (المتهم بمهادنة هتلر)، واتهم الرئيس بأنه يهيئ المسرح ل "نزاع كبير ودموي في الشرق الأوسط يشمل استخدام أسلحة نووية إيرانية" .
وهذا النقاش هو الأكثر حدة في مجال السياسة الخارجية في واشنطن حالياً . وهناك رهانات هائلة بالنسبة للولايات المتحدة، وإيران، والشرق الأوسط، والعالم . والسياسيون الأمريكيون يندفعون للتعبير عن مواقفهم . ولكن كلينتون هي الاستثناء الصارخ .
طوال حياتها السياسية، بقيت كلينتون ضمن إطار المؤسسة السياسية في واشنطن في مجال السياسة الخارجية . ومثل كثيرين من السياسيين الأمريكيين الذين نشأوا خلال الحرب الباردة، ترى كلينتون إلى العالم من منظور "نحن ضدهم" . وهي لم تخالف أبداً جوقة واشنطن التي تصور إيران على أنها مصدر شر يتعذر إصلاحه . ولو بقيت وزيرة للخارجية بدلاً من أن تستقيل وتمهد الطريق لكيري، لما كانت الولايات المتحدة قد سعت إلى محاورة إيران .
والآن وقد تم إبرام اتفاق مرحلي وأخذ المفتشون الدوليون يراقبون تقليص البرنامج النووي الإيراني، فإن الأمريكيين يتوقعون من قادتهم أن يعلنوا ما إذا كانوا يؤيدون أو يعارضون هذه العملية . وهذا ينطبق بصورة خاصة على كلينتون، التي كانت حتى سنة مضت الوجه العالمي للسياسة الخارجية الأمريكية . غير أن صمتها كان مدوياً .
وكلينتون تعودت على ألا تتخذ أي موقف إلى أن يتضح الموقف الذي سيكون الأكثر نفعاً سياسياً . وكتب ستيفن والت على مدونته في موقع "فورين بوليسي" يقول: "لا شك في أننا سنتثبت من القناعات الحقيقية لهيلاري رودهام كلينتون فور أن يبلغها فريق مستشاريها أو كبار المتبرعين لحملتها كيف يجب أن تفكر" .
وهنا تكمن المعضلة . فإذا ما أصدرت كلينتون بياناً تؤيد فيه تسوية تفاوضية، تكون قد تبنت موقفاً وسطياً، وصادقت على أهم مبادرة لرئيسها السابق في مجال السياسة الخارجية . وهذا سيوفر غطاء سياسياً للديمقراطيين المعتدلين الذين ترعبهم إمكانية استعداء حكومة نتنياهو ولجنة الشؤون العامة الأمريكية "الإسرائيلية" (آيباك) التي تقود الحملة ضد التسوية التفاوضية .
غير أن مثل هذا البيان سينطوي على خطر إثارة سخط المجموعات الموالية لنتنياهو، وأولئك الذين كانوا من بين أنصار كلينتون الأساسيين منذ أيامها كسيناتور عن ولاية نيويورك . وبعد أن عملت بشكل دؤوب لوضع الأسس لحملة انتخابات رئاسية، فإنها لن ترغب في المخاطرة بالقيام بخطوة قد تجعلها تخسر متبرعين كبار لحملتها .
والخيار واضح أمام كلينتون، فإن هي عارضت سياسة الانفراج إزاء إيران، فسوف تبدو كداعية حرب تفضل المجابهة على الدبلوماسية . وإن أيدتها، فسوف تخسر قسماً أساسياً من القاعدة التي تعتمد عليها من أجل تمويل حملتها الرئاسية . وهي إذ تعي ذلك، فقد اختارت أن تلتزم الصمت بشأن المسألة المركزية حالياً في السياسة الخارجية . وهذا مثال كلاسيكي على جبن سياسي من النوع الذي كثيراً ما يؤدي إلى الانتصار في الانتخابات .