جريدة الجرائد

حروب الطاقة في القمة العربية

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

فواز العلمي

الاتفاق المبرم في شهر يوليو 2011 لنقل الغاز الإيراني عبر العراق وسورية، شكل سبباً إضافياً للنزاع في سورية. وهذا ما يفسر بروز الدور الفرنسي ـ الأميركي في المنطقة، لتفادي الخطر المحدق بخط "نابوكو


تبدأ اليوم اجتماعات القمة العربية في دولة الكويت. ولعل انتباه هذه القمة يتركز على أن سبب انزلاق ليبيا ومصر وتونس وسورية بقشرة موز الربيع العربي، لم يأت لشغف شعوب هذه الدول بالديموقراطية واستماتها لتحقيق العدالة الاجتماعية، وإنما جاء نتيجة حتمية للصراع الروسي الأميركي الهادف للسيطرة على منابع الطاقة في الوطن العربي وخطوط نقلها في قريتنا الكونية.


على مستوى العالم، تمتلك منطقة الخليج، المكونة من دول مجلس التعاون وإيران والعراق، 56% من احتياطيات النفط المؤكدة و40% من احتياطيات الغاز المؤكدة. ونظراً لأن إنتاج هذه المنطقة لا يزيد عن 37% من الطلب العالمي على النفط و14% من الطلب العالمي على الغاز، فإن التباين بين الاحتياطيات والإنتاج يمنح دول المنطقة دورا ًفريداً في المستقبل لتلبية الزيادة المتوقعة على الطاقة. هذا في الوقت الذي تفتقر فيه معظم دول العالم لمنابع النفط ومكامن الغاز وتسعى لامتلاك مصادرها بشتى الوسائل ونقلها عبر الأنابيب بمختلف الأساليب.


وفقاً للتقارير الرسمية لعام 2012، تحتل روسيا المرتبة الأولى على صعيد الاحتياطات المؤكدة من الغاز الطبيعي، بواقع 45 تريليون متر مكعب، تليها إيران بواقع 31 تريليون متر مكعب، ثم قطر والسعودية وتركمانستان وأميركا والإمارات. وبلغ حجم الإنتاج العالمي من الغاز الطبيعي 3,6 تريليونات متر مكعب في عام 2012، مسجلاً زيادة قدرها 44% خلال 20 عاما، ليُغطي الغاز الطبيعي في الوقت الراهن 23% من استهلاك العالم من الطاقة. وعلى مستوى الصادرات، شهدت تجارة الغاز الطبيعي نمواً نسبته 11% في عام 2012، مدفوعة بنمو صادرات الغاز السائل، التي ارتفعت بنسبة 23%، وكان لصادرات الشرق الأوسط الدور الأساسي فيها، حيث حققت دولة قطر نمواً في صادراتها بلغ في المتوسط 52%. كما تشير كافة التوقعات إلى زيادة الطلب العالمي على الغاز بوتيرة متصاعدة وبنسبة تفوق 3% سنوياً.


كان من المتوقع اليوم، خلال انعقاد القمة العربية في الكويت، بدء التشغيل التجاري لخط أنابيب الغاز الطبيعي "نابوكو"، الذي تم التوقيع عليه في العاصمة التركية بتاريخ 13 يوليو 2009 خلال قمة جمعت قادة كل من بلغاريا ورومانيا والنمسا والمجر وتركيا. هذا المشروع المدعوم من أميركا يهدف إلى تقليص تبعية أوروبا لروسيا في مجال الطاقة، ونقل 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً من تركمانستان وأذربيجان وإيران والعراق إلى تركيا ورومانيا والمجر ودول أوروبا الغربية، بتكلفة فاقت 12 مليار دولار أميركي وبطول يصل إلى 3900 كيلومتر.


جاء خط أنابيب "نابوكو" نتيجة حتمية لاتفاقية "كيوتو" البيئية التي دخلت حيز التنفيذ عام 2005، حيث لجأت أوروبا لإحلال الغاز بدلاً من وارداتها النفطية لتفادي أخطار التلوث والانبعاثات الحرارية الضارة. وحتى لا تخضع أوروبا لسيطرة الدولار الأميركي كما هو الوضع بالنسبة للنفط، استبدل الاتحاد الأوروبي الدولار باليورو الأوروبي، لتقييم وارداته من الغاز الطبيعي مما أثار حمية أميركا وغيرة روسيا وأدى لاندلاع حروب الغاز بين الدول مع بدء الألفية الثالثة.


هذا الصراع أضرم الثورات والانقلابات التي عمت مختلف دول المنطقة لتحقيق المزيد من السيطرة على الغاز الطبيعي ومسارات خطوط نقله. خلال عام 2004 انطلقت الثوارت في جورجيا وأوكرانيا، وتبعتها في عام 2008 حرب أبخازيا بين روسيا وجورجيا، لتتحقق أخيراً أحلام روسيا باحتكار توريد الغاز الطبيعي لأوروبا عبر خط الأنابيب، الذي يمر بأوكرانيا وبيلوروسيا، بكميات تفوق 30% من الاستهلاك الأوروبي للغاز البالغ 500 مليار متر مكعب سنوياً. ولتعزيز مكانتها وقدراتها الدولية أبرمت روسيا في عام 2009 اتفاقها مع نيجيريا، لنقل الغاز الطبيعي بخط أنابيب "أفريكان ستريم" عبر ليبيا إلى أوروبا، بعد أن سمحت إيطاليا ببيع 50% من شركات الطاقة الإيطالية في ليبيا إلى روسيا، الأمر الذي دفع أميركا إلى التخلص من رئيس وزراء إيطاليا وتشجيع الثورة في ليبيا وتأجيج الصراع الطائفي في نيجيريا، ليصبح إنشاء خط أنابيب الغاز الروسي مستحيلاً.
واليوم جاء خط "نابوكو" المدعوم من أميركا للالتفاف حول الغاز الروسي، بخط جديد يمتد من منطقة الخليج العربي إلى منطقة البوسفور التركي، لتصبح سورية دولةً مفصلية في المعادلة الأميركية بسبب موقعها الجغرافي الذي يحتم على الخط أن يعبر أراضيها. وحيث إن مشروع خط "نابوكو" يحقق عدة مكاسب سياسية واقتصادية لتركيا، ويساعدها على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ظهرت أسباب دعم تركيا للثورة السورية، بينما ظهرت أسباب مساندة روسيا للحكومة السورية لتعويض خسارتها الفادحة بخط "أفريكان ستريم" من خلال استبداله بالمعبر السوري.


أما الاتفاق المبرم في شهر يوليو 2011 لنقل الغاز الإيراني عبر العراق وسورية، فلقد شكل سبباً إضافياً للنزاع في سورية. وهذا ما يفسر بروز الدور الفرنسي الأميركي في المنطقة، لتفادي الخطر المحدق بخط "نابوكو" نتيجة نجاح روسيا في قطع الطريق على أميركا من خلال خط الغاز الإيراني. إلا أنه وفقاً للوكالة الدولية للطاقة، فمن المتوقع أن تنخفض نسبة توريد الغاز الروسي لأوروبا بحوالي 126 مليار متر مكعب في عام 2015، وذلك بسبب تأزم الوضع الأوكراني بعد انفصال شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا قبل أسبوعين، ليحتد الصراع الروسي الأميركي مرة أخرى على منابع ومسارات أنابيب الغاز في دول الربيع العربي.
نأمل أن تجد القمة العربية وقتاً لوضع استراتيجية حماية مصالحنا الاقتصادية والدفاع عن منابعنا الحيوية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف