جريدة الجرائد

الطائرة الماليزية.. وإعادة استكشاف المحيطات

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ديفيد هيلفارج

المدير التنفيذي لجماعة بلو فرونتيير للحفاظ على الحياة البحرية

لا شك أن طائرات النقل المدني كبيرة ولكن لا مقارنة بينها وبين المحيط. فإذا نظرنا إلى نسب التكوين الطبيعي لكوكبنا فلن نتعجب كثيراً من خيبة الأمل من عدم تحقيق نتيجة بعد أسابيع عدة من البحث عن أي علامة مادية تقود إلى موقع اختفاء الرحلة 370 للطائرة الماليزية المختفية. فاليابسة في كوكبنا تمثل 29 في المئة فقط، ويسكنها سبعة مليارات نسمة من البشر، وقلة منهم فقط هم من كان من المحتمل أن يرصدوا شيئاً عن تحطم أو خطف طائرة لو أنها اختفت فوق اليابسة. وفي المقابل فإن المياه تغطي من وجه الأرض 71 في المئة، منها 97 في المئة هي بيئات نادراً ما يوجد فيها سوى عدد قليل من الناس. وهؤلاء بينهم البحارة والتجار والصيادون والمسافرون على متن سفن التنزه والبحارة على متن الأساطيل العسكرية في العالم، وعمال منشآت الغاز والنفط قبالة السواحل وعلماء الأبحاث وغيرهم ممن ينشطون أو يتواجدون عادة فوق مياه البحار.

ومن بين الأسباب التي لا تجعلنا نحن البشر نستعمر البحر - كما تخيل ذات يوم بعض كتاب قصص الخيال العلمي وكذلك أيضاً عضو شهير سابق من مجلس الشيوخ الأميركي هو الراحل كلايبورن بيل النائب عن ولاية رود آيلاند- هو أن استكشاف واستيطان المحيط أكثر مشقة ووعورة مما يواجهه المستكشفون على الأرض أو حتى رواد الفضاء الذين يسافرون في فراغ متناغم في الفضاء وليس عليهم إلا أن يتجنبوا النيازك من حين إلى آخر. فالبحر يغمرنا بوسيط سائل لا يمكننا التنفس فيه، وخصائص سمعية وبصرية متغيرة، وتغير في درجات الحرارة، والأعماق، والضغط وتقلب الأمواج، والمد والتيارات والدوامات والطبقات البحرية المشوشة والعواصف المفاجئة والأمواج العملاقة وأشكال من الحيوانات البحرية تستطيع أن تلدغ وتسمم وتعض من يأتي في طريقها.

وحتى بحساب أكثر من 70 عاماً من عمليات المسح العسكرية السرية للبحار فإننا لم نرسم خريطة إلا لعشرة في المئة فقط من البحار بدرجة الوضوح التي استخدمناها في رسم خريطة لكل من القمر والمريخ، أو حتى في رسم خرائط لعدد من الأقمار حول كوكب المشتري.

ومن الواضح أن قدرتنا على البحث عن طائرة مفقودة في البحر قطعت شوطاً طويلاً وحدث فيها تقدم تقني كبير مقارنة بحالها عندما اختفت الملاحة الأميركية الشهيرة إيمليا إيرهارت وهي تحاول عبور المحيط الهادي جواً عام 1937. ولكن ليس لدينا الآن أيضاً أكثر من بيانات الأقمار الصناعية ومعالجة الإشارات الإلكترونية وهو ما وجه البحث حتى الآن عن الرحلة 370 إلى منطقة تبعد 1800 ميل من منطقة بيرث في أستراليا. ولنتأمل التالي: هب أن مهرب مخدرات دخل المياه الإقليمية الأميركية في قارب سريع ليلاً ثم اختفى نهاراً في المياه، حيث إن قاربه مغطى بغطاء أزرق، فهناك احتمالات أنه سينجح في توصيل بضاعته المحظورة.

وعلى سبيل المثال، يبلغ عمر استثماراتنا في استكشاف المحيطات وتطوير جهود تطبيق القانون والمراقبة أقل من عشرين عاماً في الولايات المتحدة وهي ليست أفضل حالاً بكثير في مناطق أخرى من العالم. ولذا فإن فرصنا في العثور سريعاً على الطائرة الماليزية المفقودة لربما كانت أفضل، لو أننا استثمرنا المزيد من المال والجهود في آخر منطقة مجهولة كبيرة في كوكبنا في صورة وسائل مراقبة، مثل إقامة معامل في المواقع الطبيعية، ومراصد سلكية في الأعماق ومركبات تحت المياه وطائرات يجري التحكم فيها عن بعد أو ذات تحكم ذاتي وكاميرات للأشعة تحت الحمراء، وسفن، وأنظمة محمولة جواً منتشرة في الفضاء للمسح وتكنولوجيات أخرى ذكية ولكن توسيع وجودها يفتقر إلى التمويل بشكل محزن.

وتظل الحقيقة هي أنه بينما هناك المئات من الناس ذهبوا إلى الفضاء فلم يغامر من البشر إلا ثلاثة فقط ليصلوا إلى أعمق نقطة بحرية في كوكبا التي تبعد سبعة أميال عن خندق ماريانا، غرب المحيط الهادي، وكان أحدث هؤلاء المخرج السينمائي والمستكشف جيمس كاميرون الذي تعين عليه أن يمول رحلته بنفسه في عام 2012. ولكن عندما يتعلق الأمر باستكشاف الفضاء، نجد أن وكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) حتى مع تقلص نشاطها في الوقت الحالي تزيد إنفاقها بنسبة ألف إلى واحد تقريباً عند المقارنة ببرنامج استكشاف المحيطات في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الأميركية.

وعندما نصل إلى المريخ فإن أول شيء نسعى إليه كدليل على الحياة هو البحث عن أية آثار لوجود المياه، بينما لدينا كوكب من المياه ما زال يمثل تحدياً، وقد اكتشفنا مجدداً أنه أكبر بكثير مما كنا نعتقد. ومهما يكن من أمر النهاية التي ستتكشف عنها مأساة الرحلة 370 فإن هذا التحدي سيكون أكبر مع تزايد المخاطر التي تهدد أمننا الغذائي والساحلي وأنظمتنا في النقل البحري، وحتى مهددات عمليات الأنظمة البيئية الأساسية مثل الأوكسجين المتولد عن نباتات البحر من خلال الصيد الجائر والتلوث وفقدان البيئات الطبيعية للكائنات البحرية عند السواحل، وتأثر المحيطات من تغير المناخ.

ولذا يجب علينا أن نوفر الاستثمار في استكشاف وفهم أكبر بيئة طبيعية في كوكبنا، وربما سيكون هذا هو الدرس الذي نتعلمه من أحدث كارثة طيران. ولكن للأسف فعلى رغم أن البحر ما زال بلا حدود في اتساعه فإن قدرتنا على العمل بحكمة من أجل مصالحنا في استكشافه ما زالت محدودة في الغالب.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

"إم. سي. تي. إنترناشيونال"

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف