جريدة الجرائد

في أسرار «الإخوان».. قيادات وأتباع

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عمّار علي حسن

طالما قلت إن غموض جماعة "الإخوان" وسريتها يجعلان الظنون التي تحيط بها أكبر بكثير من أي معلومات يقينية أو حقائق جلية، تعرضها أقلام من يتناولونها مدحاً أو قدحاً محاولين استكناه أفكارها الحقيقية، ومعرفة مسلكها المقصود. وظللت مخلصاً لهذا التصور، لاسيما أني أعرف أن قيادات "الإخوان" يظهرون عكس ما يبطنون، وكنت شاهداً في محطات كثيرة، أو بمعنى أدق لقاءات عامة في ندوات ومؤتمرات وورش عمل واجتماعات سياسية، على أن الواحد من قياداتهم يتكلم في كل جمع بما يجاريه، فينكر ما سبق أن أكده، ويكذب ما سبق أن صدّقه، ولا يعبأ بالتناقض الفادح والفاضح الذي يقع فيه، لأنه يفكر في لحظة جديدة بعقلية قديمة، لا تعرف أن التقدم التقني في وسائل التواصل والاتصال يسجل كل شيء، صوتاً وصورة، ولا يجعل هناك مجالاً لما ألفه "الإخوان" في سابق الأيام من أن "بكثرة الكلام ينسى بعضه بعضاً" أو "إنما سمي الإنسان إنساناً لأنه كثير النسيان".

في الأيام الماضية سمعت جملة مبصرة قوية عميقة كشفت لي كل شيء، وبرهنت على كل ما سبق. فقد نطق الرجل الذي يكرهه "الإخوان" الآن كراهية التحريم مع أنه كان ممن هم في صدارتهم قائلاً: "لا يعرف جماعة الإخوان المسلمين جيداً إلا من كان قيادياً فيها لمدة طويلة".. هذا ما قاله بطريقة قاطعة، مفعمة بالثقة والاقتدار، الدكتور كمال الهلباوي القيادي الكبير السابق بالجماعة، ليساعدني بمقولته المهمة تلك على أن أستعيد ما سبق أن قلته ذات يوم لبعض أعضاء الجماعة ممن كانوا يأتون إلى ميدان التحرير في الجُمع المتلاحقة، التي سبقت الانتخابات البرلمانية السابقة وكذلك انتخابات الرئاسة.

في إحدى الجمع، وأمام مبنى مجلس الوزراء سألني رجل يرتدي جلباباً ذا لون رمادي، ينتمي إلى جماعة "الإخوان"، وهو قادم من إحدى قرى محافظة المنوفية: لماذا تنتقد "الإخوان" بشدة وهم أناس طيبون؟ فأجبته بسؤال: هل تتذكر أنني كنت أرفض تحويل المدنيين منهم إلى محاكم عسكرية، وأطلب لهم شرعية قانونية طالما أن نظام مبارك يتيح لهم دخول الانتخابات المتعاقبة؟ فرد الرجل: نعم، وإلا لما عاتبتك. فقلت له: كنت أدافع عن مبدأ وهو حق الجميع في الممارسة السياسية العلنية والمحاكمة العادلة، وليس عن فكر الجماعة، بل كنت أعتقد، ولا أزال، أن الحلول الأمنية البحتة للتعامل مع "الإخوان" أكسبتهم تعاطف الناس، والسماح لهم بممارسة السياسة في السر أتاح لهم فرصة التمدد غير المرئي في الحياة الاجتماعية نحو مشروع تمكينهم، وهو ما حذرت منه في مقال نشرته في 13 يونيو 2007 بعنوان "هل يعمل مبارك لصالح الإخوان؟". وكان مضمون المقال كله يجيب: نعم.. نعم.

وعاد الرجل يسأل: لماذا تهاجم الطيبين؟ فضحكت وقلت له: "أنا أعذرك لأن هذه هي الصورة التي تصدرها قيادات الإخوان عن أنفسهم لقواعد الجماعة من أمثال حضرتك، ولو تعلم عنهم ما أعلمه، واستيقظ ضميرك، لقلت عنهم ما أقوله، من دون تردد ولا مواربة. فهؤلاء لهم مصالح مادية كبرى نعرف بعضها ولا تعرفه، وليسوا بالإخلاص للدين كما تتصور بقدر إخلاصهم لطريق الوصول إلى السلطة بأي ثمن، وبعضهم يكذب ويخادع ويهادن ويناور ويدعو للعنف بطريقة مكبوتة أو متوارية، ولو تمكن أو امتلك قراره ستجد تصرفات أخرى، كما أن هؤلاء ليسوا بالكفاءة التي يزعمونها، وليس بينهم رجال دولة، ولا تغرنك ثرثرتهم تحت قبة البرلمان منذ أن دخلوه في 1984 وحتى الآن، فالكلام سهل، لكن السلطة التنفيذية شأن آخر".

لا أتذكر اسم هذا الإخواني الذي صدق قيادته أو تربى في صفوف الجماعة على أن "أعضاء مكتب الإرشاد ربانيون وأن اختيارهم للمرشد إلهام من الله"، هكذا قال لي، لكنني أتذكر ملامحه، وكيف كنا نتبادل النقاش، على رغم الاختلاف الكامل، دون أن نفقد الابتسامة، التي للأسف فقدها أغلب "الإخوان" عقب ثورة 30 يونيو وذهبوا في اتجاه آخر، وتحالفوا مع الجماعات التكفيرية والإرهابية، مع أن ما كانوا يطرحونه قبل ثورة يناير على ألسنة بعض المتصلين منهم بالإعلام ورجال المعارضة كان يوحي بأنهم سيتحالفون مع التيار المدني وليس مع أتراب "القاعدة" وأندادها، فهم طالما رفعوا شعار "مشاركة لا مغالبة" و"نحمل الخير لكل الناس" و"نحن على صواب يحتمل الخطأ وغيرنا على خطأ يحتمل الصواب"، ولكنهم ما إن تقدموا في الحياة السياسية خطوات نحو السلطة حتى كانوا يظهرون مع كل خطوة عورة كانت مخبوءة تحت ركام من التحايل، ومطمورة تحت تلال من المسكنة، ومتوارية وراء جبال من الاستعطاف. وبينوا، بما لا مجال لشك فيه الآن، أن للجماعة خطابين، واحد في مرحلة "التمسكن" وآخر مناقض تماماً في مرحلة "التمكن"، وأن ما سبق أن قيل عن "تسلف الإخوان" أو سيطرة الفكر السلفي "الجهادي" عليهم بعد أن أمسك "القطبيون" بتلابيب الجماعة ومفاصلها الرئيسة، لم يكن فيه أي قدر من التجني أو المغالاة أو الافتراء، إنما كان وصفاً لواقع مخبوء خلف ستار من الأكاذيب المعتقة، التي يبررونها بتأويلات فاسدة واستعارات فقهية مغلوطة وشعور خاطئ أو مغرض بأن علاقتهم مع الآخرين ينطبق عليها دوماً ما يجب فعله في زمن القتال وقرره الفقهاء من أن "الحرب خدعة"، فقادة الجماعة يعتبرون أنهم في حرب دائمة ويتعاملون بهذا المنطق وتلك الروح مع كل من ينافسونهم في الساحة الاجتماعية والسياسية.

لله درك أيها د. كمال الهلباوي، فقد أوضحت عبارتك البليغة لي الكثير، ورسخت ما كان يدور في ذهني، وأكدت لي أنها فعلًا "جماعة مغلقة" لا يعرف أسرارها إلا قياداتها القديمة، أما بقية الأعضاء المساكين فالصورة التي تصل إليهم عن تلك القيادات لا علاقة لها بالحقيقة ولا الواقع، ونتمنى من الله تعالى، أن تشرق في رؤوسهم شمس الحقيقة ويدركوا أمر ما كانوا فيه ويمتلكوا زمام أنفسهم وحرية إرادتهم ويفعلوا ما تمليه ضمائرهم عليهم. فيراجعون أفكارهم ويعودون إلى وطنهم ولا يتمادون في الانتقام من أناس، ربما يكون من بينهم من هو أعلى منزلة وأعظم قدراً عند الله من كل قيادات "الإخوان" وأتباعهم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف