شكسبير ينافس "دولة القانون"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
علي حسين
أهم القواعد التي تقوم عليها الدولة الديمقراطية - لا دولة القانون - هي قاعدة المساءلة للحاكم ، إذا تدهورت حالة الخدمات ، أتمنى ان تنتبه معي ، اقصد الخدمات وليس الأمن ، فان الحكومة تقدم اعتذارا مكتوبا ومصورا ثم يذهب اعضاؤها الى بيوتهم ، اما اذا اختفت طفلة في ظروف غامضة فان على وزير الداخلية ، وأتمنى ان لا تعتقد إنني اقصد الحاج عدنان الأسدي ، فان الوزير يتلقى سيلا جارفا من الاتهامات بالتقصير تقضي على مستقبله السياسي .. اما في دولة التسعة آلاف مرشح ومرشحة ، فان القتل على الهوية والتهجير لا تعني شيئا ، فهي مجرد خبر عادي سيصر المستشار الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء على الموسوي على منعه من الظهور في قناته الخاصة " العراقية " .. في الأنظمة الديمقراطية تقوم البلاد ولا تقعد لان رئيس وزراء بريطانيا قال إننا بلد مسيحي ،ليجد مجموعة من العلماء والأكاديميين والكتاب البارزين في بريطانيا تتهمه بإذكاء الانقسامات الطائفية .
أتمنى عليك ايضا ان لا تعتبر رئيس الوزراء البريطاني ساذجا لأنه لم يخرج عليهم ويصفهم بانهم مجموعة " فقاعات " لان الرجل ببساطه اصدر بيانا قال فيه :" أنه فخور للغاية بأن بريطانيا " بلد شكسبير " فيها الكثير من الطوائف الدينية المختلفة، وهو ما يجعل المملكة المتحدة دولة أقوى"، وأتمنى عليك ان لا تغفل عبارة بلد شكسبير لأننا في بلد لا يعترف ساسته باحقية الجواهري في النشيد الوطني.
وبمناسبة الحديث عن عمنا " الشيخ زبير " ، فقد حظي الرجل الذي توفي قبل 450 عاما بمكانة تفوق منزلة الملكة اليزابيت . ففي استطلاع أجراه المجلس الثقافي البريطاني ، كان صاحب " التراجيديات الكبرى " على رأس قائمة الرموز في الملكة المتحدة، لا بعده ولا قبله، احد حتى نجوم كرة القدم .
في بلدان القائد الأوحد ، المكانة الأولى فقط لسلطان العصر ، الذي تتحرك حياة الشعوب وهوياتها ومستقبلها، بإشارة من إصبعه ، وفي دولة الرجل الواحد والحزب الواحد، لا يهم ان تصبح مثل ريتشارد الثالث ترمي السهم أينما تشاء، فحيث يصيب السهم هناك الأعداء، الكل أعداء، اشهر سيفك واضرب كما تشاء، لا تصغ لمن يقول لك احذر ان أمامك أوهاما، الكل أعداء مادام البعض يريد من الجميع ان "ينبطحوا" تحت صولجان الظلم والطغيان.
يقدم لنا شكسبير في "تراجيدياته" ، صورة الحاكم المصاب بمرض جنون الكرسي. وكيف تختصر البلاد والبشر بكلمة من أربعة حروف "كرسي" والباقي مجرد كومبارس مهمتهم الهتاف لمن يجلس على عرش السلطة.. أو في أسوأ الحالات ينطبق عليهم قول مكبث: "كلكم فقاعات.. وهذا سيفي كفيل باختفائكم".
لماذا أصبح الخوف واقعا يريدون منا ان نعيش في ظله؟ مطلوب منا ان نخاف.. مواطن خائف بامتياز تتلفت حولك ، تتوجس من جارك وصديقك.. وتخشى مصافحة الآخرين لأنهم لا ينتمون إلى طائفتك.. ألم يقل ريتشارد الثالث: احذر ان تمد يديك لغريب لئلا تتلوث، لذلك عليك أن تتخندق في مواجهة الجميع، عليك أن تخاف من العلماني والشيوعي لأنه كافر، ومن الشيعي لأنه ميليشيا، ومن السُني لأنه قاعدة، وعندما يكتمل خوفك وتوجسك، سيدفعك مكبث إلى الخوف من أقرب الناس إليك. ويصبح مصير البلاد معلقا برضا رجل واحد وكأننا لا نريد أن نغادر عصر "القائد الأوحد" ، عصر الهبات والمنح والعطايا وأيضا العفو الخاص!
كان المهرج في "لير" يضحك كلما سمع ملكه العجوز يتحدث: "هذا الرجل مصرّ على أن يقنع الناس بأن تصدق ما يقوله.. بينما هو في قرارة نفسه يضحك من جهل الآخرين وحماستهم"، هكذا يقدم لنا شكسبير صورة الحاكم الذي لا يسمع غير صوته.
تتوالد وتتكاثر الأحقاد والضغائن في المناخات الملوّثة بوباء الطائفية والاستبداد. راجعوا معي مسرحيات شكسبير، كيف تُخدع الناس بخطابات وشعارات أكثر فتكا بالبلاد من وباء الطاعون .
منذ أن اعلن خطيب الثورة الفرنسية " ميرابو" جملته الشهيرة: نحن هنا بإرادة الشعب ولن نخرج إلا على أسنَّة الحراب.. وائتلاف دولة القانون مصر انه الاول ولن يتراجع الى الصفوف الخلفية حتى لو اضطر لمنافسة "المستر شكسبير".