جريدة الجرائد

بين الدكتور ديفيد وبوكو حرام

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبير العلي

أن يخرج أحدهم ويقول أنا أمثل الإسلام، وهو في تصرفه ينتهك قيم وحياة الإنسان التي رعتها الأديان السماوية، وتوجها الدين الإسلامي بسماحته وتعاليمه، فهذا هو السوء بعينه والنقص الذي يمس كل من يدين بالدين الإسلامي

&


الرهان الشهير الذي كان خلال الأسبوع الماضي بين الطالب الأميركي "ويل" ودكتور "ديفيد"، والذي اقتضى أن يعفيه الأخير من الاختبار النهائي في أحد المقررات مقابل أن يعاد تغريد صورة تجمعهما لخمسين ألف مرة، كان حدثًا ساخناً شارك فيه عدد كبير من السعوديين.
مشاركتهم في إعادة التغريد أو كما أسموها "بالفزعة" في الوسم الخاص الذي طرحوه باسم "تورطت يا دكتور ديفيد"، كانت فارقة وأسهمت في رفع الرقم إلى المستوى المطلوب خلال ساعات قليلة. شكر بعدها الطالب الأميركي ويل السعوديين بشكل خاص و قال: "أود أن أشكر جميع السعوديين، أنتم رائعون يا رفاق!".
هذا الموقف كالكثير غيره يُثبت حجم التفاعل والنشاط الذي يقوم به السعوديون على شبكة الإنترنت بشكل عام، وعلى موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بشكل خاص. وكيف أن القضايا والأحداث التي تُعرض من خلال هذه الموقع قد تسهم في انتشاره بشكل كبير بين شريحة الشباب المستخدمين الأكبر لـ"تويتر"، وقد تحولها لقضايا رأي عام. ولهذا السبب سمعنا في كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - حفظه الله - التي ألقاها نيابة عنه وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة خلال افتتاح القمة الآسيوية للإعلام بجدة، الثلاثاء الماضي، وبثتها وكالة الأنباء السعودية، سمعنا تأكيده: "على أن الحكومة السعودية لم تكن بعيدة عن وسائل التواصل الاجتماعي أو خائفة منها، بل وفرت لها بنية قوية ساعدت على ارتفاع نسبة مستخدميها". ومستخدموها هؤلاء هم بلا شك الشريك الفاعل في الإعلام ونشر الخبر والتفاعل معه سلباً أو إيجاباً.
كان التفاعل مع قصة الدكتور ديفيد وتلميذه الذي يريد الإعفاء من الاختبار أمرا استهوى عددا كبيرا من الشباب وأسهموا فيه، بل ونشأت صداقات بين "ويل" وعدد من المغردين السعوديين، وامتدت إلى أصدقاء ويل الآخرين.
من ناحية اجتماعية، فإن مثل هذا التعارف العفوي والتواصل بين ثقافتين مختلفتين له مزايا كثيرة إن كانت في إطار إنساني وأخلاقي فاعل، ومنه يمكن نقل صورة حقيقية للمجتمع السعودي وشبابه، قد تُزيل أي غموض أو ارتياب في ذهنية الشاب الأميركي بالمقابل.
وبما أن السعودية هي منطلق الرسالة الإسلامية السمحة، ومهبط وحيها ومنطلق التعريف بالإسلام وأهله فإن مثل هذا الأمر يسهم كثيرًا في تحسين الصورة المشوهة للإسلام، التي ظهرت في واجهة الإعلام الغربي ومُتلقيه بسبب الجماعات الإرهابية، التي تصدّر نفسها للعالم بوصفها جماعات إسلامية كتنظيم القاعدة وداعش والإخوان المسلمين وجبهة النصرة وغيرها.
إن التضامن الإنساني مع القضايا المعاصرة قيمة عالية قد لا يتبناها الجميع أو يلتفت لها، ومن أبرز هذه القضايا اليوم قضية اختطاف أكثر من 200 طالبة نيجيرية من مدرستهن في شيبوك في ولاية بورنو في 14 أبريل الماضي على يد جماعة مسلحة تنتمي لمنظمة بوكو حرام، التي قال زعيمها في شريط فيديو مسجل: "قمنا بخطف الفتيات، وسأبيعهن في السوق، وفق شرع الله".
وبعيداً عن التفاعل الأممي والسياسي مع هذا الحدث، يبقى التفاعل الإلكتروني هو الأبرز وقد خصص له المهتمون وسماً بعنوان أعيدوا بناتنا #bringourgirlsback، شارك فيه كثير من الأشخاص من دول مختلفة حول العالم، ولم ألحظ مشاركة سعودية فاعلة كالتي كانت مع قصة ويل والدكتور ديفيد.
أن يخرج أحدهم ويقول أنا أمثل الإسلام، وفي تصرفه ينتهك قيم وحياة الإنسان التي رعتها الأديان السماوية وكفلتها له، وتوجها الدين الإسلامي بسماحته وتعاليمه، فهذا هو السوء بعينه والنقص الذي يمس كل من يدين بالدين الإسلامي.
وبشمولية أهم وأكبر، ينتقص من إنسانية كل إنسان على هذه الأرض، ويحتم عليه أن يقف في وجهه معارضاً ولو كان بأضعف الإيمان.
قد يكتب أحد الشباب المسلمين من السعودية أو غيرها عبارة تُصحح المفاهيم المغلوطة في أذهان كثير عن إنسانية الإسلام ونُبل الأخلاق التي تربى عليها المسلم منذ آلاف السنين، والتي لا تمثلها جماعات خارجة عن عُرف الإسلام من خلالها لدى الغرب أو الشرق البعيد. المشاركة البسيطة والفاعلة مسؤولية إنسانية ودينية ووطنية نحن قادرون عليها؛ لأننا نملك الأدوات التي نستطيع بها تمرير أفكارنا في فضاء مفتوح لا حدّ له. والوسم قائم يضج بالنداءات واللوم المبطن للإسلام ومن يمثله. ومثلما استطاع الآلاف من الشباب أن يحققوا حلم "ويل" في الخلاص من اختباره النهائي بضغطة زر بسيط، يستطيع أيضاً أن يقول للعالم كله: أنا هنا رسول إنسانية وسلام.
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف