جريدة الجرائد

احتمالات الوضع العراقي

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

بدر العامر

الحكومة العراقية رأت بوادر ثورة كبيرة في العراق، وتحرص على أن "تعسكر" الثورة كما حدث في سورية حين أجبر الثوار على حمل السلاح، ومن ثم إبراز الثورة بصورة "داعش" الإرهابية

&


تكاد تكون الأنظار مشدوهة إلى ما جرى في العراق في الأيام الماضية، حيث تهاوت مدن كثيرة، خاصة في وسط العراق ومحافظة الموصل ونينوى وما صاحب ذلك هو انهيار الجيش العراقي أمام هذه الهجمات، التي استحكمت على عدد كبير من المدن العراقية، التي تساوي قريبا من ثلث الأراضي العراقية، وكل التحليلات التي قيلت في الأيام الماضية لفهم المشهد مرتبكة وغير جازمة في منحى التحليل، وذلك لطبيعة الحدث وضخامته وأهميته على المنطقة كلها ومفاجآته الكبيرة.


ومن خلال النظر في وضع المنطقة العام من خلال المخططات التي تراد فيها، من خلال استراتيجيات القوى الكبرى، ومن خلال النظر في تراتبية الأحداث، يمكن أن نضع احتمالات لما يجري في العراق، لا تخرج عن الاحتمالات التالية غالبا:
الاحتمال الأول: أن الوقت قد حان عند القوى الكبرى لتقسيم العراق، الذي هو الاستراتيجية العامة التي بدأها "بن غوريون" سنة 1953، بالتعاون مع الأميركان والبريطانيين، ثم عزز هذه الخطة راف بيترز وبرنارد لويس وغيرهم، وكان تصورهم للعراق أن يكون ثلاث دول، دولة كردية في الشمال، ودولة سنية في الوسط، ودولة شيعية في الجنوب. وبالنظر إلى المناطق المحررة الآن، نجد أنها تمثل الإطار السني في العراق والمتطابق مع خطة التقسيم، وهذه الخطوة تأتي بعد تأزم الحل السياسي العراقي وصعوبة التشكيل الطائفي فيه، بعد أن استحكم المالكي على المشهد الذي يؤدي في نهايته إلى إقناع الشعور الاجتماعي بأن التقسيم هو الحل في وضع العراق، وهذا الأمر غالبا ما يسبق التقسيم في أي دولة تستهدف الدول الاستعمارية، تقسيمها كما حصل في صربيا والبوسنة والهرسك والسودان وغيرها.


الاحتمال الثاني: أن العشائر العراقية التي شكلت الصحوات في مقابل تنظيم القاعدة في المثلث السني، ومن ثم طرده من أراضيها ودخولها في العملية السياسية، توصلت إلى يقينية في عدم جدوى التعامل مع حكومة المالكي الطائفية والمتطرفة والمرتمية في أحضان إيران، وأنه لا يمكن أن يتم تحقيق المكاسب للطرف السني داخل العراق إلا بإعلان القتال، وفرض المطالب بقوة السلاح، ولذلك تعاطت مع كل المجموعات المسلحة والمناهضة للحكومة الطائفية في المنطقة الخضراء، سواء فلول النظام السابق بقيادة عزة الدوري، أو حتى مع "داعش" التي تقاطعت مصالح هذه العشائر معها في تحقيق طرد الشيعية وإسقاط المالكي، وإنما برزت "داعش" في الصورة؛ لمكانتها الإعلامية وأنها سبيل لإفزاع الجنود الحكوميين، والمقصد من هذا إجبار الحكومة المركزة في ترك التحيز لطائفية معينة، وإدخال السنة في العملية السياسية رغما عن أنف المالكي، وهذا السيناريو هو نافع جدا لعدة دول تحتاج إلى إحداث توازن داخل العراق، وتقييد سلطة إيران وتقوية السنة داخل العراق، وهو بحد ذاته إسهام في تقليم أظافر إيران في العراق، ويمنع تمددها إلى دول الخليج، وإيقاف مشروعها التوسعي.


الاحتمال الثالث: أن الحكومة العراقية رأت بوادر ثورة كبيرة في العراق، وتحرص على أن "تعسكر" الثورة كما حدث في سورية حين أجبر الثوار على حمل السلاح، ومن ثم إبراز الثورة بصورة "داعش" الإرهابية، التي من خلالها تتم استباحة المدن المحررة، وهذا يقوي وضع الحكومة المركزية في مواجهة الإرهاب الذي يتخذ شماعة تبيح للمالكي وحكومته استخدام كل الأسلحة، وربما تدخلت إيران مباشرة بحجة محاربة الإرهاب وحماية المراقد المقدسة، وهذا السيناريو كذلك لا يقلق الأميركان، بل ربما يشاركون فيه بطائراتهم حتى تدك المدن العراقية، وتسلمها بالكامل لإيران وحكومة المالكي العميلة، وهذا يحتاج من أهل السنة في العراق توطيد علاقتهم بدول الجوار من العرب السنة، واعتبارهم هم البعد الاستراتيجي لهم، في مواجهة المشروع الصفوي والصهيوني في المنطقة، الذي يستهدف من وراء العراق.


الاحتمال الرابع: هو فك الحصار عن النظام السوري، بإغراء المقاتلين في سورية بالانكفاء في العراق، بناء على تحقيق المكاسب على الأرض أكبر منها في سورية، وهي مركزية الدولة الداعشية، وحينئذ يمكن توجيه ضربة قوية للمجاميع التي فتح أمامها الطريق للتجمع في مناطق محدودة، وهي استراتيجية ليست غريبة على الأميركان الذين يخلقون بؤرا للإرهاب، وتجميع خصومهم فيه، ومن ثم توجيه الضربات المتتالية لهم، كما حدث في العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين.


هذه الاحتمالات هي التي رأيتها من خلال متابعتي للأحداث من بدايتها. الذي سوف يرجح واحدا منها على الآخر ويقويه هو سياق الأحداث في الأيام القادمة، وأيا كان الاحتمال الأكبر، فإن الوضع في العراق هو بالخطورة بمكان؛ لأنها أصبحت منفذا استراتيجيا لمشروعات عولمية وكبيرة سواء مشروع أميركا، التي ربما تستخدم من العراق منطلقا للانتقام من إبطال مشروعها القادم من الغرب، أو إيران التي ترى أنها استحكمت على العراق بجدارة بعد سقوط نظام صدام، وهذا كله سيفتح بابا كبيرا للصراع الدولي والإقليمي في المنطقة، وسوف ينعكس حتما على استقرار المنطقة برمتها.


كما أن هناك مشكلة أخرى كامنة في الأحداث، وهي أن المقاصد من مقاتلة حكومة المالكي مختلفة، فحين ينطلق ثوار العشائر وفلول النظام السابق لتحرير العراق من حكومة المالكي العميلة لإيران، والطائفية حتى النخاع، فإن جنود ما يسمى بـ"الدولة الإسلامية في العراق والشام" "داعش" ينطلقون من فكرة "الخلافة" التي يرسمون حدودا لها خارج إطار المصالح القطرية العراقية أو السورية، وفي حال استحكم لهم الواقع في العراق أو سورية، ولن يتنازلوا عن هذا لا للعراقيين ولا للسوريين، بل سيعملون على إجبار الآخرين للقبول بمشروعهم أو قتالهم، وهذه هي عقليتهم التي يتعاملون فيها مع خصومهم، وهذا يعني توجه الأحداث إلى الاقتتال بين فصائل المقاومة العراقية، التي سيكون وقعها على المنطقة أشد من مقاتلة حكومة المالكي في بغداد، إضافة إلى تهديدات "داعش" المستمرة لدول الخليج.
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف