جريدة الجرائد

إذا يخسر العالم بسقوط أميركا؟

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
صالح سليمان عبدالعظيم&تناول العديد من المقالات خلال العقد الماضي، ضعف الولايات المتحدة الأميركية واحتمال سقوطها. واللافت هنا أن معظم الكتابات الرصينة التي تعاملت مع هذا الموضوع، جاءت من مراكز البحوث الغربية. وبشكل عام تركز هذه الكتابات على احتمالية انهيار أميركا في ضوء الصعود الهائل للصين والهند، والصعوبات الاقتصادية الأميركية الهائلة.&وعلينا أن نفرق هنا بين نوعين من الكتابات: أولها كتابات رصينة مرتكزة على مناهج العلوم الاجتماعية والتحليلات السياسية العميقة، وثانيها يتمثل في الكتابات الأيديولوجية التي ترتبط بتوجهات الكاتب وأمنياته.&والنوع الثاني هو الأكثر انتشاراً في عالمنا العربي، الذي يمتزج فيه التحليل بالأيديولوجيا وما يصاحبها من نوايا سيئة تجاه أميركا.&ورغم تلك الرغبات والأمنيات المصاحبة للكثير من الكتابات المستشرفة لمستقبل أميركا، فإن التحليل الهادئ يثبت أن سقوط أميركا سيمثل خسارة هائلة للعالم ككل، وربما ينذر بحروب كونية أشد فتكاً من الحربين العالميتين الأولى والثانية.&وأولى هذه الخسائر ضعف وانهيار القوة العسكرية الأميركية، التي تمثل عنصر ضبط كوني. فالولايات المتحدة تمثل قوة عسكرية يمكن أن تلعب دوراً حيوياً، إذا ما أُحسن استخدامها، في ضمان الاستقرار الكوني، شريطة ألا يتركها الآخرون تتصرف بشكل منفرد..&وإذا كانت القوة العسكرية تبدو آلية أميركا المباشرة التي تواجه بها العالم في كثير من المناسبات، يمكن الحديث عن جوانب أخرى سوف نخسرها بشكل كبير، حال سقوط الولايات المتحدة أو تراجعها كونياً. ويمثل التعليم، الجامعي منه خصوصا، الخسارة الثانية التي سنواجهها كونياً.&فالولايات المتحدة تمتلك بنية تعليمية جامعية هائلة كماً وكيفاً، وهو أمر يفيد الكثير من البشر، سواء من خلال السفر والتعلم هناك، أو من خلال ما نجنيه من اختراعات علمية عديدة تخرج من رحاب الجامعات والمراكز البحثية الأميركية.&فقد استطاعت الولايات المتحدة خلال القرن المنصرم، أن تؤسس لطرق تعليمية حديثة وهامة لم تعد قصراً عليها فقط، بل شملت كافة أرجاء العالم، سواء من خلال طرائق التعليم الحديثة والمتجددة، أو من خلال الذين تعلموا في رحابها.&ويتمثل ثالث الجوانب التي سيخسرها العالم بسقوط أميركا، في انهيار الصناعات الترفيهية التي لن تستطع أي دولة أخرى تعويضها أو حتى المنافسة عليها. فصناعة الترفيه صناعة أميركية بامتياز، لها ما لها وعليها ما عليها.&تستطيع أن تنتقد المنتج الترفيهي الأميركي، لكنك لن تستطيع التخلي عنه، ولن تستطيع أن تستبدله بغيره من المنتجات الكونية الأخرى. فالولايات المتحدة استطاعت دمج العالم من خلال صناعة الترفيه، بشكل لم تستطع تحقيقه من خلال تدخلاتها العسكرية العديدة.&وأخيراً، سوف يفقد العالم تلك الصيغة التوافقية للتعايش، التي قدمتها الولايات المتحدة للعالم من خلال الجمع بين أجناس وأديان ولغات شتى. فالذين يتمنون انهياراً عاجلاً لأميركا، يغيب عنهم أن البديل سيكون في الغالب الأعم صعوداً سريعاً للصين.&وعلينا هنا أن نقارن بين التعامل المنفتح مع البنية العقلية لأميركا، وبين التعامل المنغلق مع البنية العقلية الصينية. فالواضح حتى الآن، أن الصين لم تستطع أن تقدم نموذجاً كونياً يمكن الالتفاف حوله والتعامل معه والاستفادة منه.&كما أن الصين لا يهمها شيء سوى الاقتصاد وجني الأرباح، إضافة إلى ذلك فإن الشخصية الصينية شخصية منغلقة بشكل كبير، تؤمن بالعمل العائلي والسرية التامة، وعدم القبول بمبدأ الجدارة المؤسس للحضارة الأميركية المعاصرة.&الواقع أننا، بديلاً عن تمني انهيار الولايات المتحدة، يجب أن نعمل معاً من أجل الحفاظ عليها وتوجيهها الوجهة الصحيحة. ربما يبدو هذا الكلام ساذجاً، لكنه ينطلق من أساس يتعلق بأن الكثير من الممارسات الأميركية السلبية حول العالم، يرجع في الأساس إلى مسؤولية القوى الأخرى، سواء أكانت غربية أو شرقية. فالوقوف بشكل سلبي أمام التهور الأميركي، أدى إلى نتائج وخيمة على العالم وعلى الولايات المتحدة ذاتها، وهو ما يجب العمل على تصحيحه وتجاوزه في الألفية الثالثة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف