خطأ الأكراد وخطايا الآخرين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
&صالح القلاب
&&
غير معروف لماذا اختار الـ"كُرد" التحالف مع حزب "الدعوة" ومع الجعفري ثم المالكي، مع أن المؤكد أنه من الأفضل ألا يكون هذا التحالف وأي تحالف مع طرف "يسْند" ظهره إلى جهة غدت متوغلة في العراق، بل محتلة له منذ إسقاط نظام صدام حسين وحزب البعث في عام 2003، فمثل هذه الحالة جعلت الطرف الثالث، الذي هو المجموعة الكردية الممثلة في الحزبين الرئيسيين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني، ضعيفاً باستمرار ومضطراً إلى مجاراة الطرف الأقوى الذي هو الأحزاب التي تعتبر نفسها، وهي كذلك، امتداداً لنفوذ المرجعية الإيرانية.
كان المفترض أن يكون تحالف الأكراد ومنذ البداية، بعد إسقاط النظام السابق في عام 2003، مع الجهة التي تضم بصورة عامة كل مكونات الشعب العراقي، السنة والشيعة والعرب والكرد والتركمان والمسيحيين والعلمانيين والأشوريين، والمقصود هنا هو الكتلة التي يقودها الدكتور إياد علاوي التي توفرت لها أكثر من فرصة للعبور بالعراق من مرحلة "بريمر"، التي وللأسف لاتزال مستمرة حتى الآن، إلى المرحلة المنشودة البعيدة عن أمراض الطائفية البغيضة وعن التعصب العِرْقي والقومي البدائي الذي إنْ كان محتملاً في القرن الماضي فإنه لم يعد مقبولاً في هذا القرن وفي الألفية الثالثة.
إن منطقتنا الآن تمر بمرحلة التفتت والاقتتال الديني والعرقي "القومي"، التي مرت بها أوروبا في القرن الماضي وفي مراحل سابقة، والتي أدَّت إلى الحرب العالمية الثانية والحروب التي سبقتها بين ألمانيا وفرنسا وبين الإمبراطوريات المتصارعة القديمة التي أدت صراعاتها وحروبها إلى الحرب العالمية الأولى التي بدأت بحادث شكلي هو مقتل ولي عهد الإمبراطورية النمساوية في عام 1914، والواضح أنها، أي منطقتنا، ستستهلك نفسها في صراعات كالصراعات الآنفة الذكر التي عاشتها الأمم الأوروبية إنْ لم نستفد من تجارب التاريخ ونتدارك أوضاعنا قبل أنْ تصل إلى نقطة اللاعودة.
والمشكلة أننا قبل الانتقال إلى المرحلة "القومية"، التي كان مثلنا الأعلى فيها قوميات أوروبا وأحزابها العنصرية، كالحزب الهتلري النازي في ألمانيا، والحزب الفاشي الموسيليني في إيطاليا، لم نستطع إنضاج مرحلة الدول الوطنية التي وصفها المتطرفون والمتشددون قومياً بالإقليمية وبأنها الـ"كوزموبوليتية" المرتبطة بالاستعمار وبـ"البرجوازية" الغربية، وهنا فإن مما زاد الطين "بلَّة" أن الذين "تشوْعنوا"، أي أصبحوا شيوعيين تماشياً مع "الموضة" التي سادت بعد ثورة "أكتوبر"، التي أنجبت الاتحاد السوفياتي السابق غير المأسوف لا على شيخوخته ولا على شبابه، قالوا في التجربة الوطنية الكسيحة وفي التجربة القومية الرديئة أكثر مما قاله مالك في الخمر.
وهكذا وبدل أن نرتقي درجة على سُلَّم التطور السياسي والاجتماعي وجدنا أنفسنا في لحظة انهيار شامل عنوانه هذا الذي نراه الآن وفي وضعية تجاوزتها معظم أمم العالم، ووجدنا أنفسنا نتقاتل على ما جرى في صفين قبل نحو أربعة عشر قرناً وعلى ما إذا كانت حادثة التحكيم التي مثل فيها أبو موسى الأشعري علياً بن أبي طالب، وعمرو بن العاص معاوية بن أبي سفيان صحيحة أم غير صحيحة.
إن ما أعادنا إلى أحداث تاريخية كانت بلاءً على أجيال مراحل سابقة، ولا يجوز أن تتحكم بنا وبأي شكل من الأشكال، وقد قطعنا العشرة الأولى من الألفية الثالثة، هو أننا استنجدنا بالتاريخ ضد الحاضر، وهو أن ثارات الماضي المخجلة لم تنم في صدورنا، وهو أننا حرقنا المراحل وبدل أن نتقدم إلى الأمام تراجعنا إلى الخلف، ولذلك فإننا نرى كل هذه الويلات التي حلَّت بنا وتعصف ببلداننا... ولذلك فإننا نقيم تحالفات غير صحيحة، وعلى سبيل المثال نرفض الاعتراف لأشقائنا الأكراد بحقوقهم الوطنية والقومية، وكل هذا رغم أننا لا نزال نتغنى ببطولات الناصر صلاح الدين، وبإقْدام أبو مسلم الخراساني وشجاعته، وبابن تيمية الذي اضطهد في ذلك الزمان البعيد، كما يسعى نوري المالكي الآن إلى اضطهاد أحفاده الذين لا شك في أنهم اقترفوا إثماً سياسياً كبيراً بالتحالف معه، مع أنه يشكل امتداداً لدولة مجاورة تتعامل مع الحاضر انطلاقاً من ثارات قديمة من المفترض أنه قد تجاوزتها أحداث التاريخ القديمة والجديدة!
&