قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
آمال موسى&هيمنت ظاهرة عزوف التونسيين عن التسجيل في الانتخابات المزمع إجراؤها قبل نهاية هذا العام، على اهتمامات وسائل الإعلام التونسية وأيضا الطبقة السياسية التي أربكها هذا العزوف المبهم، خصوصا أن مثل هذا السلوك السياسي السلبي من شأنه أن يؤثر على معادلات سياسية كثيرة، على رأسها التأثير السلبي على نمو الديمقراطية الناشئة وأيضا ضرب المفهوم الأساسي الذي تقوم عليه أي حكم الأغلبية. ذلك أنه كلما انخفض مستوى المشاركة الشعبية في الانتخابات أنتجت صناديق الاقتراع أغلبية أخرى غير الأغلبية السياسية المكونة للمجتمع. ويمكن في هذه الحالة أن تصبح &"الأقلية&" في المجتمع هي &"الأغلبية&" في صناديق الاقتراع.&ومثل هذه اللخبطة المتمثلة في إمكانية تشكل خارطة سياسية غير معبرة عن توجهات المجتمع الحقيقية هي في حد ذاتها تعد مؤشرا مسبقا على أن علاقة الشعب مع النخبة الحاكمة الجديدة ستكون متوترة وسيشعر الشعب الذي تنازلت أغلبيته عن ممارسة حقها الانتخابي، بأن الطبقة السياسية الحاكمة لم يخترها ولا تمثله أي أن الاغتراب السياسي سيكون سيناريو متوقعا أكثر من السيناريوهات الأخرى الإيجابية التي تفتقد إلى مقدمات تقوي من حظوظها.&طبعا لا شك في أن الأحداث الإرهابية الأخيرة التي ذهب ضحيتها 14 شهيدا من الجيش التونسي قد انعكست إيجابيا على نسبة التسجيل للانتخابات القادمة، حيث انتقل عدد المسجلين الجدد من 280 ألف شخص إلى 389 ألفا ولكن يظل هذا العدد وعدد المسجلين سابقا في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بعيدين عن العدد الإجمالي للتونسيين الذي يحق لهم الانتخاب والبالغ قرابة الثمانية ملايين.&فكيف يمكن تفسير ظاهرة عزوف التونسيين عن التسجيل في الانتخابات وهم الذين افتتحوا ما يسمى الربيع العربي بثورة ذات مضامين اقتصادية وسياسية في الوقت نفسه؟&فهل نحن أمام سلوك سياسي يعبر عن احتجاج مقنع باعتبار أن عدم المشاركة الانتخابية هي احتجاج بصورة غير تقليدية أم أن التونسي اليوم محبط وفقد ثقته مبكرا في الطبقة السياسية الجديدة؟&في الحقيقة من المهم التذكير وأننا نحاول فهم ظاهرة العزوف عن التسجيل في الانتخابات أن مشاركة التونسيين في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي انعقدت يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2014 (أي بعد نحو تسعة أشهر من تاريخ اندلاع الثورة التونسية) كانت دون المأمول والمتوقع والمنتظر حيث كانت أقل من النصف رغم أن التونسيين آنذاك كانوا في أوج الحماسة السياسية والابتهاج بحدث الثورة.&والمخاوف التي أبدتها الهيئة الوطنية للانتخابات والطبقة السياسية تشير إلى أن ظاهرة العزوف عن الانتخابات لا تزال قائمة الذات وهو في حد ذاته رسالة خطيرة إلى المجتمع الدولي وخصوصا البلدان التي تحاول الوقوف إلى جانب تونس ودعمها في أزمتها الاقتصادية.&ذلك أن ضعف الإقبال على الانتخابات لا يؤشر إلى مستقبل سياسي مستقر، وهو ما يجعل الأيادي المترددة في تمكين تونس من بعض القروض تنكمش وقد تعدل عن ذلك أو تثقل كاهل المالية التونسية بالشروط المجحفة.&إذن مسألة العزوف هي لا تعني فقط أن عدد الناخبين سيكون ضعيفا مقارنة بعدد التونسيين الذين تتوفر فيهم شروط الانتخابات، بل إن الأمر يتجاوز ذلك على أهميته إلى انعكاسات اقتصادية ستزيد في تعميق مشكلات المواطن التونسي. ذلك أن الجهات الدولية الداعمة والمانحة لن تدعم طبقة سياسية ضعيفة التمثيلية أفرزتها انتخابات تميزت بعزوف شعبي. بمعنى آخر هناك علاقة وارتباط وثيقان بين الإقبال على الانتخابات وحجم ضمان النخبة الفائزة في الانتخابات لمصادر دعم ودفع ومساندة داخلية ودولية. وذلك لأن الإقبال على الانتخابات عندما يكون قويا وكبيرا سيمثل بدوره ضمانة للاستقرار السياسي.&إذن الواضح أن التونسي لم يغير كما يجب من سلوكه وثقافته السياسية وما زال يتعاطى مع الشأن السياسي بآليات تعود إلى مرحلة ما قبل الثورة حيث كان التونسي يشك في نتائج الانتخابات وينظر بعين غير راضية إلى ضعف المشاركة السياسية للأحزاب السياسية. فاليوم ليس كالأمس ولكن السلوك السياسي ظل متأخرا مقارنة بالنقلة الكمية النوعية للحياة السياسية في تونس ونقصد بذلك اكتساب حق المشاركة السياسية وتنوع الأحزاب السياسية وتكاثرها ووجود ضمانات تكفل إجراء انتخابات ديمقراطية.&نعتقد أن وعي التونسي بصندوق الانتخاب وكيف ألا شيء يعبر من خلاله عن صوته السياسي ما زال محدودا. بدليل أنه لو قرأنا سلوكه على أنه يمثل احتجاجا وإحباطا من غلاء المعيشة المتزايد ومن فشل الترويكا والحكومة الراهنة في تغيير واقعه الاقتصادي والأمني ولو جزئيا، فإن المنطق يقول إن الانتخابات هي آلية للتغيير. في حين أن تبني سلوك سلبي سيحرمه من حقه في توظيف آلية التغيير الديمقراطية أي الانتخابات وعملية التصويت.&لقد جربت تونس الحكم بالأغلبية النسبية ورأينا كيف أن العزوف عن الانتخابات يجعل من شرعية التوافق فوق شرعية صندوق الانتخاب. ومثل هذه الخيارات الاضطرارية على عقلانيتها ورصانتها السياسية، إلا أنها تبقى مرحلية وفيها مس اضطراري بقانون اللعبة الديمقراطية.&لذلك، فإن الإقبال المكثف على الانتخابات هو الذي سيولد الأغلبية الحقيقية التي يقوم عليها الحكم الديمقراطي وهو الذي سيجعل من المشروعية السياسية لأي نخبة سياسية فائزة في الانتخابات قوية في الداخل والخارج.