أميركا والإسلام السياسي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله بن بجاد العتيبي
موقف الدول الغربية من الإسلام السياسي موقف مضطرب منذ عقود، وقد تراوح بين القبول بهذه الجماعات ودعمها، كما فعلت بريطانيا مع حركة الإخوان المسلمين، عبر شركتها في مدينة السويس، في بدء إنشاء الجماعة، التي شابها بعض الاختلافات، ثم استقبال هذه الجماعات وقياداتها، وتأمين المأوى لها لتسرح وتمرح كيفما شاءت في الهجوم على أنظمة الدول العربية التي جاءت منها، وصولا لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأميركية وأحداث 7/ 7 في بريطانيا، التي شكلت نقطة تحول في التعامل مع هذه الجماعات، أقله في الولايات المتحدة الأميركية.
ثمة مواقف أربعة كاشفة يمكن أن تمنح مؤشرا، ولو رمزيا، لمراحل متعددة من التعامل مع تلك الجماعات، بدءا من نهاية السبعينات، وصولا إلى اليوم؛ أولها، هو تصريح بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأميركي للرئيس الأسبق جيمي كارتر، عندما اجتاح الاتحاد السوفياتي أفغانستان، وقال كلمته الشهيرة: &"جاء الوقت لنرد للروس جميل فيتنام&"، حيث دعمت أميركا ما كان يُعرف حينها بالجهاد الأفغاني، ومن كانوا يُسمون بالمجاهدين، وأصبحت معه أفغانستان بالنسبة للعرب من أكثر المناطق سخونة، إبان الحرب الباردة العالمية حينذاك بين الشرق والغرب، التي انخرط فيها عشرات الآلاف، إن لم يكن مئات الآلاف، من المقاتلين المتطوعين من شتى الدول العربية والإسلامية، وشكل العرب منهم ما كان يُعرف آنذاك بـ(الأفغان العرب) الذين خرج من رحمهم تنظيم القاعدة.
الثاني، تصريح جيمس بيكر 1994 حول الجزائر: &"بشكل عام، عندما تدعم الديمقراطية يجب أن تعلم جيدا ما سوف تقدمه لك الديمقراطية.. لم نفعل ذلك في الجزائر، لأننا أحسسنا بأن آراء تلك الجماعة الإسلامية المتطرفة تتناقض تماما مع ما نؤمن به وما نسانده من مبادئ، وتضر بما نعتبره مصالح وطنية للولايات المتحدة الأميركية&" (السياسة الأميركية حيال الحركات الإسلامية العربية)، ستيفن بروك. وكان هذا تعبيرا عن موقف سياسي واعٍ تجاه الحركات الإرهابية المدعومة والمختلطة بجماعات الإسلام السياسي، التي كانت تعبر عنها بشكل صارخ قبل ذلك التاريخ جبهة الإنقاذ الجزائرية، والتصريحات الشهيرة لزعيمها علي بلحاج، الذي قال بصراحة إن هدفه وهدف جبهته هو الفوز بالانتخابات الديمقراطية، ومن ثم ضرب هذه الديمقراطية المخالفة للدين، وأمثاله من التصريحات المعبرة بصدق عن موقف حركات الإسلام السياسي من الديمقراطية، ولولا استباق الجيش الجزائري نتائج الانتخابات وإلغاؤها، لكان علي بلحاج وجماعته قد نفذوا ما صرحوا به دون مواربة.
الثالث، تصريحات الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بإعلانه الحرب على الإرهاب وتصريحاته وإجراءاته ضد بعض قادة جماعة الإخوان المسلمين، كيوسف ندا، أكبر مدير دولي لاستثمارات جماعات الإخوان المسلمين وتنظيمها الدولي، حيث وصفه بوش بأنه &"مدير بنك القاعدة&"، وقد لاحق المؤسسات التي يديرها، وأغلق كثيرا منها، وجرى حظره، وقد زامنتها تصريحات لمسؤولين وأعضاء في الكونغرس الأميركي تتهم جماعة الإخوان المسلمين بأنها تدعم الإرهاب، وتقف معه، وتؤسس له.
الرابع، هو تصريح الرئيس الأميركي الحالي تجاه ما جرى في مصر مطلع عام 2011، مخاطبا الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، بأنه &"يجب أن يرحل الآن وفورا، وأن الآن وفورا تعني بالأمس&"، التي كانت متزامنة مع انتفاضات واحتجاجات داخل مصر شاركت فيها بشكل أو بآخر جماعة الإخوان المسلمين، وراهنت على اختطافها بعد نجاحها، ونجحت في ذلك الاختطاف، ووصلت لسدة الحكم، بعد إعلانات متكررة بعدم الرغبة في أي دور سياسي، تلتها مناورات ونشر للتخريب والفوضى، وضرب لمؤسسات الدولة من الوزارات إلى مقار الشرطة ورجال الأمن، وليس انتهاء بالمؤسسات القضائية، وصولا لسدة الحكم، منتصف عام 2012.
لقد حكمت رؤية وسياسة أوباما تجاه كل ما جرى عدة مقولات، منها مقولة إن الإسلام السياسي هو المنقذ والواقي من الإسلام المسلح، بمعنى أن هذه الجماعات والحركات، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، حركات معتدلة، في رؤيته، وأنها ستحميه من حركات الإرهاب المعلن كتنظيم القاعدة، وقد أثبت أداء الإخوان المسلمين قبل الوصول للحكم وأثناءه وبعده أنها حركة إرهابية بامتياز، وأن كل الحركات الإرهابية انتعشت واستعادت دورها وطورت طرقها وأساليبها، كما نشأت حركات جديدة في شبه جزيرة سيناء، كما في غيرها من المناطق المصرية. وثبت فشل تلك الرؤية والسياسات.
ومنها مقولة إن دعم الديمقراطية في كل زمان ومكان هو الحل، وإن الديمقراطية بصورتها الحالية في الغرب هي النموذج الأمثل لكل الشعوب والأوطان والدول، مع عدم استحضار أن الديمقراطية بنموذجها الغربي نفسه قد مرت بأطوار متعددة وأشكال مختلفة، حتى وصلت للنماذج الحديثة، مع استمرار بعض الفوارق بينها، وإلغاء الفوارق بين الديمقراطية حين تأتي نتيجة لسياق تاريخي تنويري فلسفي وثقافي واجتماعي، كما جرى في الغرب، والديمقراطية التي يجري تركيبها على بيئة مختلفة وتاريخ مختلف وبشر مختلفين في الثقافة والوعي، كما في العلم والتنمية، وقد فشلت هذه الرؤية حين لعبت بها جماعات الإسلام السياسي، واستخدمتها قناعا لإقناع الغرب بأحقيتهم في الحكم، مع التغافل عن نماذج فاشلة لاستنبات الديمقراطية الغربية في بلدان سابقة، كأفغانستان والصومال، في عهدي بيل كلينتون وبوش الابن.
ومنها مقولة إن ما جرى في العالم العربي هو ثورات هدفها الديمقراطية، قامت بها الشعوب وستحصد نتاجها، ثم اتضح أنها ليست بثورات، بل قصارى أمرها أنها انتفاضات واحتجاجات أسقطت أنظمة، وأن من قام بها هم جماهير تمثل أقلية نشطة من ذلك الشعب، وأن الديمقراطية كانت تمثل هدفا لأقلية من تلك الأقلية من الجماهير، ولكن حصادها وقع بأكمله في سلال الإسلام السياسي والإسلام المسلح.
هذه المقولات والرؤى والسياسات تجاه المنطقة ومصر ثبت خطؤها وخطلها، وقد فشلت على أرض الواقع، وبان اختلالها وعدم إدراكها لتعقيدات المنطقة وشعوبها ومكونتها وسياقها التاريخي، وهي رؤى وسياسات لم تزل تواصل الخطأ والفشل في غالب ملفات المنطقة، إن لم يكن كلها، وقد أخذ الجيش المصري بدعم سعودي - إماراتي صارم إنقاذ مصر من تلك الأخطاء والخطايا، وبقيت تلك الأخطاء والخطايا السياسية تعمل خرابا ودمارا في ليبيا وسوريا والعراق، ولئن كان لكل دولة سياق خاص ينبغي استحضاره، ولكنها جميعا شاهدة على وجوب مراجعة تلك السياسات.
أخيرا، لا تبدو الإدارة الحالية قادرة على إجراء أي تغيير أو مراجعة.