جريدة الجرائد

الحرب العالمية الثالثة

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

علي إبراهيم

يتذكر العالم هذه الأيام الحرب العالمية الأولى التي ذهب ضحيتها الملايين، لاستخلاص العبر والدروس منها، والأسباب التي دفعت الإمبراطوريات الأوروبية إلى الذهاب إلى الحرب بشكل احتفالي، مع تصور أن المقاتلين الذين دفعوا إلى ساحات المعارك سيعودون بعد أشهر قصيرة ليكتشفوا بعد ذلك أن الحرب وقعت في مستنقع قتال الخنادق والكيماويات وطالت أربع سنوات حفلت بقصص من الرعب والأهوال.


كان العالم في بداية القرن العشرين يعيش حالة قلقة، حالة صراع على المستعمرات والثروات، واشتداد عود القوميات مع استقلال ونشوء دول جديدة كانت بينها وبين جيرانها خلافات على الحدود، بخلاف التيارات السياسية العنيفة فوضوية ويسارية، أي برميل بارود بانتظار من يشعله، وكانت نقطة الاشتعال هي اغتيال ولي عهد الإمبراطورية النمساوية المجرية على يد صربي متطرف في البوسنة.


المفارقة أن العالم بعد مائة عام من الحرب الأولى يعيش ظروفا مضطربة تشبه حالة القلق والاضطراب التي كانت سائدة في بداية القرن العشرين، وكأن بداية كل قرن يجب أن تكون صعبة، فليست منطقة الشرق الأوسط وحدها هي التي في حالة اضطراب وقلق، فهناك الأزمة الأوكرانية &- الروسية التي تحولت إلى أخطر أزمة تواجهها أوروبا منذ انهيار يوغوسلافيا السابقة وتفككها مع تداعيات قد تكون أخطر لأن خط المواجهة فيها مع قوة عسكرية عظمى هي روسيا، وهناك توتر بين العملاقين الآسيويين اليابان والصين بخلاف الأزمة الكورية، وأصبحت كل مناطق الصراع بما فيها بؤر الاشتعال في الشرق الأوسط ساحة للصراع الدولي الجديد الذي بدأ يأخذ شكل الحرب الباردة السابقة أو حروب الوكالة. يضاف إلى ذلك موجة الأفكار المتطرفة التي تنشر الإرهاب والصراعات التي تهدد كيانات دول وتخلق ظاهرة جديدة هي الجماعات المسلحة خارج الأطر التقليدية للجيوش والتنظيمات التابعة للدول.


هل هي مقدمات حرب عالمية ثالثة وكأن العالم لم يتعظ من حربين كونيتين؟ الإجابة الافتراضية والتي يجمع عليها الجميع هي أنه لا أحد حتى لديه ترف التفكير في مثل هذا السيناريو على اعتبار أن حربا مثل هذه لن تبقي شيئا وقد تدمر الإنسانية كلها مع دخول الأسلحة النووية ترسانات الدول الكبرى، لكن حقيقة الأمر أن هذا يمكن أن يكون بأشكال أخرى تحدث الآن وتسبب توترا غير مسبوق عالميا في شكل حروب واضطرابات صغيرة، وكذلك حرب المعلومات والفضاء الإلكتروني التي تجري من وراء شاشات الكومبيوتر منذ سنوات، وتتسرب أسرارها كل فترة.


لقد نتج عن الحرب العالمية الأولى سلاما كان هشا في اتفاقية فرساي التي جاءت بعد مفاوضات مؤتمر باريس، كما نشأ نظام دولي جديد كان قوامه عصبة الأمم، ولم يصمد هذا السلام الهش وكان هذا النظام الذي فرض على ألمانيا غرامات مالية باهظة سببا في نشوب حرب عالمية ثانية أكثر دمارا بعد أقل من عشرين عاما، لكن يجب أيضا التسجيل بأن الحربين كانتا سببا في ظواهر إيجابية مثل المكاسب التي حققتها المرأة بعد أن دخلت سوق العمل والمصانع لتعويض نقص الرجال الذين ذهبوا إلى ساحات المعارك، وكذلك نشوء أفكار اجتماعية جديدة.


ونتج عن الحرب الثانية مثل الأولى نظام دولي جديد أساسه الأمم المتحدة واتفاقيات بريتون وودز التي أسست مؤسسات دولية مثل البنك والصندوقين الدوليين، وكذلك نظام تشرف عليه القوى النووية الخمس الكبرى المعترف بها التي تشكل العضوية الدائمة في مجلس الأمن.


ويبدو أن هذا النظام يحتاج إلى تجديد، أو أنه وصل إلى نهايته، وما نراه من توترات وبؤر اشتعال هي مظاهر حاجة إلى ترتيبات جديدة تلائم احتياجات العالم في القرن الواحد والعشرين، وتستوعب القوى الجديدة وبينها دول أصبحت بين العمالقة الاقتصاديين على خريطة المصالح العالمية. العالم لا يحتاج لحرب جديدة لكنه يحتاج إلى تفاهمات، وتوقف عن استغلال النزاعات الإقليمية في تسوية حسابات بين القوى الكبرى أو إمبراطوريات القرن الواحد والعشرين على حساب الآخرين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف