أهلا بعودة بن علي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
محمد كريشان
&"لم تتبق سوى عودة بن علي&"… هكذا علق عمر صحابو أحد أبرز الصحافيين التونسيين على هذه العودة اللافتة للأنظار لرجال ووزراء الرئيس المطاح به زين العابدين بن علي، ليس فقط إلى الحياة السياسية وقيادة أحزاب بل والترشح للانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. هذا الكلام، وقائله بالمناسبة جرفته هو الآخر سيول العمل الحزبي في البلاد فلم يكسب منها شيئا وخسرته الصحافة، جاء في سياق التعليق على عودة آخر وزير صحة لبن علي من الخارج وترشحه للرئاسية إلى جانب آخر وزير نقل وآخر وزير خارجية.
في انتخابات تشرين الأول/اكتوبر 2011 لم يكن أحد من هؤلاء قد تجرأ على الظهور إلى العلن، فما بالك بالترشح، في ظل قانون مؤقت حال دون ذلك وقتها. أما الآن فقد تضافرت عوامل عديدة جعلتهم يطلون برأسهم رويدا رويدا حتى إذا ما تأكدوا أن &"الطريق سالكة&" خرجوا بكامل طلتهم البهية غير متخلصين، في غالبيتهم، من عجرفة أوصلت البلاد في عهدهم إلى ما أوصلته. لا أحد يطالب في تونس بمحاكمات سياسية مرتجلة أو ملفقة لهؤلاء ناهيك عن نصب المشانق لهم. من كان منهم فاسدا أو ناهبا للمال العام أو مرتشيا من حق القضاء أن يحاسبه حسابا عسيرا إذ ليس من العدل أخذ الكل بجريرة البعض، لكن ذلك لا يعني أن من ليس كذلك بإمكانه ببساطة أن ينفض غبار المرحلة السابقة ويدخل غمار الشأن العام من جديد كأن شيئا لم يكن.
أمران يفرضان نفسيهما في هذا السياق وكانا يفترض أن يكونا حاضرين في ذهن كل من شارك في حكم بن علي لسنوات طويلة خاصة في مناصب وزارية ومسؤوليات حزبية عليا: المسؤولية السياسية والحياء الشخصي… فإذا كان من حق أي كان &"ألا يستحي على دمه&"، كما يقول المصريون، فمن واجب المجموعة الوطنية أن توقفه عند حده من خانة المسؤولية السياسية التي يتحملها رجال بن علي شاؤوا أم أبوا، حتى وإن برأهم القضاء في قضايا أخرى، وإلا نكون قد اختزلنا كامل مصائب التونسيين في العقدين الماضيين في شخص هذا الرئيس وزوجته وأصهاره وانتهى الأمر وهذا غير صحيح طبعا ولا منصف. وطالما أن الحياء انعدم والمسؤولية السياسية لا يمكن أن يفهمها سوى من كان يملك شجاعة النزاهة الشخصية التي تجعله يواجه نفسه وأفعاله، طـُـرح قانون &"العزل السياسي&" الذي سيزيح هؤلاء من الساحة السياسية لفترة معينة على الأقل حتى تستعيد البلاد صحتها بدماء جديدة .
لم يكتب لهذا القانون أن يرى النور بعد أن أثار لغطا كبيرا فتخلت عنه &"حركة النهضة&" وقال رئيسها راشد الغنوشي وقتها إن الشعب رشيد وسيقصي من يستحق الإقصاء عبر صناديق الإقتراع. ربما كان ذلك خيارا سليما جنب البلاد مزيدا من التوتر ولكن لا أحد بإمكانه أن يضمن اليوم أن هؤلاء العائدين من جماعة بن علي لن يتمكنوا من استخدام نفس الماكينة السابقة لحشد الناس والانتصار عبر صناديق الإقتراع مستثمرين ضجر الناس من عدم الاستقرار والإرهاب وغلاء الأسعار وتراجع التنمية. هذا ممكن خاصة إذا تحالفت معهم دوائر المال الفاسد لحمايتهم وإنقاذهم من أية ملاحقات محتملة، علما أن بعض هذا المال فضل الآن الجنوح إلى حركة النهضة نفسها يستظل بظلها كما استظل قبلها بحزب بن علي. المهم دوام المصالح رغم عدم دوام الحال.
يبدو الآن أن استحقاق الانتخابات البرلمانية الشهر المقبل ثم الرئاسية في الشهر الذي يليه قد أخرجت كل العيوب والأمراض التي يعانيها المجتمع التونسي. إن إلقاء نظرة سريعة على قائمة الذين تقدموا إلى حد الآن إلى انتخابات الرئاسة يكشف بلا أدنى التباس عمق الأزمة الأخلاقية التي يعانيها قطاع واسع ممن يوصفون بــــ &"النخبة السياسية&". إلى جانب رجال بن علي هؤلاء الذين لم يمنعهم الحياء من التقدم إلى الرئاسية يوجد أناس آخرون ممن يمكن إحالتهم فورا إلى أقرب عيادة نفسية لمجرد أنهم فكروا في أن التاريخ العاثر والمجنون يمكن أن يقودهم يوما إلى أن يكونوا رؤساء لهذا البلد الرائع الذي لم ينكب في شيء أقوى من نكبته في هؤلاء الذين يتوهمون أنهم قادته الجدد.!!
قلة قليلة من هؤلاء المترشحين يمكن أن يقتنع بهم الرأي العام رؤساء بالفم الملآن فقد تعرضت مؤسسة الرئاسة في السنوات الأخيرة إلى اهتزاز كبير لهيبتها بين الناس ولا بد من إعادة الاعتبار لها، بل إعادة الاعتبار إلى السياسة كلها بعد ظهور 190 حزبا بعضه لا يؤمن حتى بالانتخابات وينادي بمقاطعتها مطالبا بعودة الخلافة!! إن أسوأ سيناريو يواجه تونس أن تفرز الانتخابات المقبلة بقاء نفس المشهد السياسي العام بالبلاد على حاله. عندها قد يكفر الناس بالانتخابات أسلوبا للتغيير الديمقراطي مما يفتح الباب أمام المغامرين… فالمتربصون كثر وهم على الأبواب ينتظرون.