جريدة الجرائد

من جديد.. السعودية والمحرضون

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

فهد الدغيثر

أرجو ألا يفهم أحد أنني منحاز لأي طرف من الأطراف التي سأتناولها في هذا الموضوع أو أنني أطرح مقترحات تغريبية كما يردد بعضهم. انحيازي الصريح الذي لا غبار عليه هو نحو أمن وسلامة مملكتنا الغالية والمحافظة على مكتسباتها. المملكة التي أصبحت عضواً مركزياً في الائتلاف الدولي الجديد ضد الإرهاب قبل أسبوعين تواجه من جديد مشكلتين رئيستين سبق وأن خضنا حماهما وتبعاتهما من قَبل، لكن ظروف هذه المرة تختلف عن سابقتها.

&

خضناهما من دون أن نعي الدرس ونتدبر أمورنا ونسعى إلى تجنب مواجهتهما مستقبلاً. المشكلة الأولى ضغوطات عالمية كما عهدنا من قَبل بعضها يظهر وبعضها ربما لا نسمع عنه، جميعها تصب في مطالبة الحكومة السعودية بتجفيف منابع التشدد الذي يؤدي أحياناً إلى العنف عندما يعتنقه بعض الشباب الجهلة. الغرب إلى جانب التعليم المؤدلج، يتحدث عن استمرار التحريض المشبع بالعاطفة والحماسة من &"بعض&" الدعاة إلى &"الجهاد&" في مناطق الفتن كما سورية وغيرها.

&

المشكلة الأخرى والأهم ضغوطات من الداخل من بعض أولئك المتذبذبون ممن يتعاطف مع بعض الأحزاب الإسلامية المسيّسة. هؤلاء وإن أخفوا تأييدهم لجماعات التطرف والعنف إلا أنهم سرعان ما يتم اكتشافهم بمجرد تحرك الدولة أو العالم لمحاصرة الإرهاب. اليوم بدأنا نسمع نسخة محدثة تتناول مشاركة المملكة في التحالف مع &"الغرب الكافر&" وأن هذا لا يجوز.

&

في ظني أن الحديث عن المشكلة الثانية المتعلقة بشأننا الداخلي هو الهم الذي يجب أن ننشغل به. مجرد وجود مثل هؤلاء المتربصون بين ظهرانينا وهم في الغالب الأعم سعوديون يشكل أزمة لا يمكن السكوت عنها.

&

وليتهم في بيوتهم بلا عمل ولا حضور عام. الخطورة أن عدداً كبيراً منهم يعمل داخل الوطن وفي أجهزة رسمية، وبعضهم يعتلي منابر الجوامع كل أسبوع. لعل أهم هذه المحاضن التعليم الذي ومع بالغ الأسف أوكلنا مهمته لهم، وهناك من يقول إنهم اختطفوه في غفلة من الجميع لعقود عدة حتى تمكنوا منه وسيطروا عليه بقوة وإحكام. هاهو الأمير خالد الفيصل ومنذ أن تولى مهمته وزيراً للتعليم يكتشف كل يوم موقفاً جديداً ونمطاً سائداً يحتاج إلى قرار يلغي ما كان معمول به من قَبل.

&

هناك وزارة التعليم العالي ومديرو الجامعات. فعلى رغم الفوائد الواضحة لبرنامج الابتعاث إلا أننا لا نزال نسمع أصوات تنادي بإيقافه من منطلق سخيف وباهت وهو الخوف من &"التغريب&". وحتى عندما بدأ الدكتور سليمان أبا الخيل مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بتنظيف الجامعة من المتعاطفين مع بعض الأحزاب المشبوهة توالت عليه الانتقادات من كل صوب، وبان ذلك واضحاً وصريحاً عندما أقدم على نقد أردوغان الذي أصبح يُشكل للإخوان المسلمين اليوم ملاذاً آمناً ومثلاً أعلى على رغم علمانيته الفاضحة في ممارسة شؤون بلاده.

&

وزارة الشؤون الإسلامية هي الأخرى تعاني من بعض الخطباء المنفلتين. إذ على رغم إيقاف الآلاف منهم إلا أن المعين ينبض بالإنتاج الجديد.

&

حتى هيئة الأمر بالمعروف والنهي المنكر لم تسلم من هذا الفكر. بعضنا يعلم ذلك من قَبل والبعض الآخر لم يصدق إلا عندما تناول ذلك رئيسها الدكتور عبداللطيف آل الشيخ بكل شجاعة في تصريح لوسائل الإعلام.

&

اليوم ينضم الدكتور إلى قوائمهم الذهبية التي تضم الأمير خالد الفيصل، والوزير عادل فقيه، ووزير التعليم العالي، ورئيس الديوان الملكي، ورؤساء تحرير الصحف، وملاك قناة العربية وإم بي سي، والكتّاب الوطنيون إلى آخر القائمة. كيف لدولة أصبح يشار إليها بالبنان في دحر &"القاعدة&"، وتعدد ضرباتها الاستباقية التي أفشلت عشرات &"المشاريع&" التخريبية قبيل وقوعها وهذا يتطلب عملاً دؤوباً وخبرة واسعة وصبراً وإرادة وعزيمة وتصميماً، أقول كيف لها أن تسمح بوجود كل هذا التحريض الفاضح؟ سؤال مشروع وعلى ألسنة الكثير من المراقبين. في ظني أن لهذا الانتشار وهذه الجرأة أسباب. في مقدمها تراخي الدولة عن تطبيق النظام في حق المخالفين. هذه الحالة بالمناسبة لا تختلف كثيراً عن أية حالة أخرى نتراخى عندها في فرض النظام ومعاقبة المخالف. الواقع وكما أشاهده بعيني، وأرجو ألا تتفاجأوا أنني لا أرى فرقاً بينها وبين فوضى تطبيق معايير الجودة في الأماكن العامة أو انتشار محطات الوقود المتهالكة في العاصمة وغيرها، ولا هناك فرق بين فوضى التحريض وفوضى قيادة السيارات، ولنبقى في الأخيرة قليلاً، فعلى رغم وجود أنظمة وتعاميم لدى رجال المرور فأنهم بالكاد يطبقونها على المخالف، بل إن رجل المرور نفسه يرتكب الأخطاء ولم يعد يرى أية مشكلة في ذلك. النتيجة هي هذه الفوضى الهائلة في الطرقات وعدد الضحايا الهائل، والمصابين الذين يملؤون مستشفياتنا ويكلفون خزانة الدولة بليونات الريالات. في مواضيع التشدد ومناهضة الحرب على الإرهاب نجد الصورة نفسها. الحكومة ممثلة بخادم الحرمين الشريفين أصدرت الأنظمة وحددت الجماعات الإرهابية ووضعت ذلك كنظام يستند إليه القضاء، توقعنا مع صدور هذه الأنظمة تسارع وتيرة مطاردة المحرضين ومن ينتمون إلى جماعات التطرف، توقعنا من المدعي العام رفع القضايا بالعشرات وجرجرة هؤلاء المنفلتين إلى أروقة القضاء، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، فلا تم إيقاف أحد ولا مساءلة أحد وبالتالي لم يعاقب أحد، ها هي وسائل التواصل الاجتماعي تزخر بكل التغريدات المبطنة التي تحمل مواقف مناهضة لسياسة المملكة وتوجهاتها وتحالفها أخيراً لقتال من شوّه المسلمين ودينهم بإراقة الدم والقتل على الهوية، ولا يخفي استهدافه لوحدتنا وأمننا في المملكة.

&

الغريب، وهذا يبعث على التفاؤل، أننا تجاوزنا مرحلة الإنكار والاستكبار ودخلنا مرحلة الاعتراف في بعض القصور، فمثلاً لجأنا إلى &"أرامكو&" لإنقاذ بعض المشاريع والقيام بمهمة الإشراف والتنفيذ لمشاريع أخرى، ونجحت &"أرامكو&" بهذه المهمة، قوات الأمن الخاصة نجحت هي الأخرى في ضرباتها الموجعة ضد الإرهاب كما أشرت. ما يتحقق على أيدي قوات الأمن الخاصة والمباحث و&"أرامكو&" من منجزات تستحق الإشادة بالفعل، ونفخر بها كمواطنين. إذاً فالمطلوب هنا أن يتحول مستوى أداء الإدعاء العام والتقاضي والأحكام والمرور ومراقبة الجودة والتخطيط لمشاريع الإسكان والسياحة والتنمية بشكل عام إلى مستويات أداء &"أرامكو&" وقوات الأمن الخاصة. لو خططنا للوصول إلى هذه الأهداف فسننجح نجاحاً باهراً عطفاً على ما نملكه من مقومات وعوامل قلما تتوافر في دولة أخرى من دول الجوار ممن تمكن من الوصول إلى تلك المعايير وتجاوز كل التحديات التي عصفت وتعصف بالمنطقة من وقت لآخر. أختتم بالتذكير وللمرة الألف مع الملل من تكرار المطالبة، ضرورة البدء بالعمل بدولة القانون والتطبيق الصارم للنظام، وقلناها مراراً وتكراراً بأن هذا هو مصدر الأمان للمستقبل بعد الله.

&

ابحث في أية دولة مستقرة عن أسباب ذلك الاستقرار ستجده في أنظمتها ومراقبتها وعدلها. لو نفعل ذلك لاكتشفنا كم هو الهدر المالي والمعنوي والأمني الذي نتكبده في خضم الفوضى والارتجال. فهل نعترف اليوم بقصورنا في التصدي للمحرضين ممن يكن لهذا الوطن كل أنواع العداء كما اعترفنا بقصورنا في تنفيذ بعض المشاريع؟ هل نضع دولة القانون محل التنفيذ وندع خلفنا التراخي والتسامح في مثل هذه القضايا؟ ولو فعلنا ذلك فهل نبدأ من الغد بتطوير قدرات الادعاء العام ونبادر بمحاكمة من يتربص بنا وبأمننا؟ ما أتحدث عنه ليس أمنية أو ديكوراً أو كماليات ولا هو تشفٍ أو ثأر، بل موضوع مصيري نجاحنا به سيكرس بقاء هذه الوحدة ويعزز من قوتها، وعكس ذلك صحيح مع الأسف.
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف