أصالة النقل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
&سمير عطا الله
&يقال إن الأمير فخر الدين المعني (القرن السابع عشر) هو مؤسس لبنان الحديث وأهم شخصية في تاريخه. وقد كان رجل بأس وشجاعة ودهاء، امتدت إمارته إلى يافا وبانياس وحلب وأنطاكية. أقلق الإمبراطورية العثمانية بقدر ما أقلقها إبراهيم باشا، نجل محمد علي. عاش فخر الدين في المنفى الأوروبي 7 سنوات ما بين فلورنسا وصقلية. وكان أهم ما في حكمه، في اعتقادي، تلك الموهبة في استعارة علامات التقدم.. فلما عاد إلى لبنان حمل معه جمالات الهندسة وعلوم الاقتصاد والزراعة والملاحة، وأرسل أبناء الطوائف جميعا في بعثات تعليمية، حتى أثار الشكوك حول أصله الدرزي، فقام من يقول إنه سنّي ومن يقول إنه مسيحي.. ولكن ثمّة حقيقة واحدة وهي أن فخر الدين المعني كان أميرا لكل الناس.
أقرأ في كتاب حديث عنوانه &"الرحلة الكبرى: الأميركيون في باريس&" لديفيد ماكلو، يروي حكايات الأميركيين الذين هاجروا إلى باريس وعادوا منها بنسخ وتقليد كل شيء جميل. هل التقليد حسن؟ لِمَ لا؟ كل خير منقول هو خير أصيل. كل سقف قرميدي جميل في لبنان حمله معه فخر الدين من توسكانا قبل نحو 4 قرون. لم يُذهلنا هذا الرجل وحدنا، نحن مواطنيه، بل أذهل أيضا مؤرخي إيطاليا الذين عاش في بلادهم أميرا بين أمراء، رأسه أعلى من منفاه.
الاستعارة إنجاز.. نقلت فيينا عن روما، ونقلت باريس عن فيينا، ونقلت أميركا الحديثة عن الجميع.. قبل أن ينقل لنا فخر الدين توسكانا، كان لبنان المعاصر مجموعة أكواخ وبقايا حجرية رائعة من أيام فينيقيا وروما. بنى فخر الدين قلعة جميلة في كل مكان، من حلب إلى تدمر إلى دير القمر في لبنان. خلال منفاه دمّر أعداؤه، آل سيفا، قصره في دير القمر، فلما عاد دمر قصورهم وأعاد بناء قصره بحجارتها.
ليس هناك كتاب تاريخ رسمي موحد في لبنان لأن اللبنانيين مختلفون، متقاتلون على الماضي والحاضر والمستقبل. المحاولة الجدّية والموضوعية الجديرة بالذكر كانت يوم تسلّم وزارة التربية رجلان فوق الخوف والعِقد، هما غسان تويني وجان عبيد، كلاهما جاء من وطن وأمّة لا من منطقة أو جهة.
ربما كان هناك شيء من الادعاء في القول إن الصحافة توسّع آفاق الرجال عندما يتركونها إلى مهنة أخرى.. لكن بعض الصحافيين في لبنان حوّلوا الحقائب الوزارية إلى نجاحات لا تُنسى: غسان تويني في التربية والإعلام، وجان عبيد في التربية والخارجية، والآن، نهاد المشنوق في أصعب أيام وزارة الداخلية.
وعندما أصبح الصحافي السابق شارل حلو رئيسا للجمهورية، حمل معه ثقافته وأفقا واسعا، جعل الناس تعتقد أنه كان يتردد في خياراته.. الحقيقة أن التردد كان سببه سعة المعرفة.