جريدة الجرائد

الإرهاب ليس حزمة أفكار

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

علي سالم

فكرة رائجة في سوق الأفكار سابقة التجهيز، أن الإرهاب فكرة، والفكرة يرد عليها وتجابه بالفكرة، صحيح أن الحل الأمني ضروري وحتمي، غير أنه لن يخلصنا من جذور الإرهاب إلا سلاح الأفكار المضادة لأفكارهم. يعني هم يطلقون علينا فكرة، فنرد عليهم بأن نطلق عليهم فكرة مضادة كفيلة بالقضاء عليهم وسحقهم سحقا. الخطأ الذي يقع فيه أصحاب هذه الفكرة هو أنهم يتصورون أن الفعل الإرهابي سبقته عملية تفكير، ويخرجون من ذلك مباشرة ليقعوا في حفرة المنطق الصوري الأرسطي. على طريقة بما أن كل إنسان حيوان وبما أن سقراط حيوان والقطة حيوان.. إذن سقراط قطة.


الخطأ الجسيم الذي وقع فيه أصحاب هذه الفكرة هو تصورهم أن أفعال الإرهاب سبقتها في العقل عمليات تفكيرية يمكن هزيمتها بأفعال تفكيرية مضادة. الحقيقة والواقع أن فعل الإرهاب ليس ناتجا عن اعتناق فكرة أو نتيجة للانشغال بفكرة، بل هو استجابة لرغبة قوية غريزية وأقواها غريزة العدوان. لا صلة للفكر والتفكير بالفعل الإرهابي. الوقوع في هذا الخطأ ناتج عن تصورنا أن كل فعل يقوم به الإنسان هو نتيجة لعملية تفكير سبقته.


من حقك أن تستوقفني هنا وتسألني: من فضلك.. لا تسرح بي بعيدا.. اشرح لي ماذا تقصد بكلمة فكرة وتفكير..؟ أليس كل ما يقوم به العقل من جهد هو ما نسميه &"تفكيرا&"..؟
- ما أصعب شرح معنى أبسط الأشياء.. تعال نبحث عن المعنى عند آخرين تثق بهم البشرية.. اسمح لي أن أحيل أسئلتك إلى الأخ المبجل ديكارت، سيجيب.. أنا أفكر إذن فأنا موجود.


والإرهابيون موجودون أيضا.. هم يفكرون.. أليس كذلك؟
كلا.. ليس كذلك.. راجع مفهوم التفكير عنده، هو مرتبط بالشك، الدليل على وجود عملية تفكير داخل عقله هو &"الشك&" أي أن التفكير بطبيعته مرتبط دائما بالنظرة النقدية للأمور، هو لا يقبل الأمور على علاتها بل يبدأ بالشك فيها ليتمكن من فرزها ومعرفة الصحيح منها.. هو موجود لأنه قادر على استخلاص ما هو صحيح بعد أن أخفته الأخطاء عن أعين البشر.. باستخدام هذا المقياس الديكارتي من المستحيل على الإرهابي أن تكون لديه القدرة على التفكير، هو عاجز عن الشك فيما يؤمن به. هو إنسان سعيد بكونه عضوا في جماعة أفلتت من قيود الحضارة، هو يستطيع أن يغتصب من تقع في يده من النساء وأن يذبح من يوقعه سوء حظه من البشر بين يديه وأن يستمتع بتفعيل غريزة عدوانه إلى درجة خارجة عن أي قيمة وأي قاعدة أخلاقية.. هو حزمة غرائز عدوانية منطلقة بغير قيود.. أين هي عملية التفكير في كل ذلك..؟ العمليات التي تدور داخل العقل والضرورية لارتكاب جريمة من المستحيل تسميتها تفكيرا يرد عليه بتفكير. ولكني سأطلب منك أن تسمح لي بأن أصارحك ما اكتشفته، وهو بغير التفكير يستحيل وجود البشر، نحن موجودون فقط عندما نفكر. نفكر في كل أمورنا مسلحين بالقدرة على الشك. إذا عجزنا عن ذلك فسيكون وجودنا باهتا أقرب إلى الغياب.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف