مأزق جيل.. وأزمة أمة..
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
&يوسف الكويليت
لا أحد يدري كيف سنواجه في المستقبل الجيل العربي الذي يعيش الحروب والتشرد والمجاعات، وهو يرى أمامه أشلاء عائلته وجيرانه، ويشهد حالات اغتصاب للأطفال والنساء والبنات، ودماراً هائلاً، وتهجيراً قسرياً، وسجوناً ومجندين للإرهاب، ووسطهم أطفال يصعب إعادة تأهيلهم كأناس أسوياء، بمعنى أننا سنرى جيلاً عدمياً لا يرى أي جدوى للحياة، وهي سيرة عاشتها دول الحروب الكبرى والأهلية، هذا عدا معاناة الفقر وظواهر العنف، ثم عمليات غرس روح الطائفية والقومية والقبلية، وفقدان الوطن الذي شكّل الهوية العامة لمن يسعون لتمزيقه بما في ذلك مرتكزات الفكر الناشئ بقتل كل تراث قديم وآثار للدين وروابط المجتمع والأسرة، ومآسٍ ستطرأ لتخلق قوانينها بنفسها وعدم التزامها بأي شرعية أخرى؟
ثم كيف تستطيع تلك الدول تحمل أعباء المرضى والجرحى والأسرى والسجناء وغيرهم، وبناء المدينة والقرية وحياة اجتماعية جديدة تقوم على أسس تربوية سوية إذا كانت سورية وحدها هجّرت ثلث سكانها أو أكثر، وكذلك العراق عدا من قتلوا، ونفس الأمر مع ليبيا واليمن والصومال، حيث حروب العرب ليست موجهة لعدو غازٍ أو محتل لتبرز الروح الوطنية والقومية وتخلق البطولات وقادة الجيش والمجتمع، وتفرز جيلاً يعتز بأمته ونضاله لتكون دوافع لبناء أمة متماسكة تريد إعادة حياتها وفق تطور العصر، وهو ما شهدته فيتنام كنموذج يصلح لأن نقرأ تجربتها وتاريخها وحاضرها الجديد من خلاله..
الوطن العربي خاض حروب التحرير فكانت أمجاداً في تاريخها، ولكنها خاضت أخرى أهلية وطائفية، وحاضرنا هو أكبر مأساة ترسم مستقبلاً مجهولاً؛ حيث لا أحد يفهم شكل بناء الدولة والمجتمع القادمين، وهل ستصبح الدولة الوطنية مجموعة دويلات تتقاتل لأي سبب على الموارد والثروات والحدود بمبررات دينية أو غيرها، وستُمسخ أي هوية للإنسان في تحقيق ذاته من خلال مكون وطني مفتوح معترف به دولياً؟
والخطر أن تقنيات العصر وأهمها وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت منابر لدعوات إسقاط تاريخ هذه الأمة ومقوماتها لصالح نموذج مشوّه، حتى إن دارسي وقارئي الحالة العربية الراهنة لا يتنبأون بمستقبل واضح بل بمزيد من حالات التجزئة وتنامي العداوات ونمو ظواهر أخرى سوف تعيد تركيب أناس غير واضحي الانتماء والمعالم، بل هجرة داخل بلدانهم، أي أن كل طرف يريد إزاحة الآخر وفق قناعاته وموروث انتماءاته الحديثة، وليس لديه إيمان بمقدساته أو ثقة بذاته، وهي العوامل التي أنهت شعوباً، وجزأت امبراطوريات..
عقيدة الموت العبثي لا ندري كيف حولتنا إلى مجتمعات عنف وليس أمامها أي هدف واضح ومخلفات ذلك كله سيكون أمراً خطيراً على الماضي والحاضر والمستقبل أي أن الجحيم الذي نعيشه لن يوجد له أي تفسير حتى إن دولاً خرجت من الاحتلال بهوية وطنية، أصبحت دعوات حكوماتها وفصائل من مجتمعاتها أن حولت انتماءاتها إلى دول إقليمية ظلت على حرب معها وهي مأساة وجود للعربي التائه في الصراعات الحديثة والتي ستجعل الطرق أمامه معقدة ووعرة ومعها حالات نفسية مريضة..
&