جريدة الجرائد

بلد عربي آخر يضيع

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عثمان ميرغني&بتاريخ 25 سبتمبر (أيلول) 2014، نشرت في صحيفتنا &"الشرق الأوسط&" مقالا تحت عنوان &"سندفع ثمن تجاهل ليبيا&"، تناولت فيه الأوضاع المتدهورة في هذا البلد العربي، وغياب أي تحرك عربي ودولي منسق وفاعل يوقف الاقتتال وينتشل البلد من محنته. اليوم وبعد أكثر من ثلاثة أشهر لا يبدو أن شيئا قد تغير سوى ازدياد الأمور سوءا على سوء، بحيث بات كثيرون يرون أن انهيار ليبيا قد اكتمل، وأنه حتى لو لم تعلن نسخة جديدة من دولة &"داعش&" فإن هناك عدة دواعش يسيطرون على مناطق واسعة ويتحكمون في منشآت وموارد أساسية من ثروات البلد، مستغلين مناخ الفوضى الضاربة، واتساع مساحة ليبيا وبيئتها الصعبة، ووجود كميات كبيرة من السلاح المتطور المنهوب من مخازن الجيش الليبي وكتائب القذافي إبان مرحلة سقوط نظام العقيد الراحل.&ليبيا اليوم ليست دولة متنازعا عليها بين طرفين، ممثلين في جهة بالبرلمان المنتخب والحكومة &"اللاجئين&" إلى طبرق، وفي جهة أخرى بالمجلس الوطني وحكومته المدعومين بالإسلاميين وميليشياتهم وحلفائهم الذين فرضوا سيطرتهم على العاصمة طرابلس، بل هي دولة تتصارع على جسدها المنهك ميليشياتٌ متعددة الوجوه والولاءات، وأطرافٌ تتنازعها الميول القبلية والجهوية، وجهاتٌ مدفوعة بحسابات داخلية أو خارجية. وكلما طالت الأزمة ازدادت تعقيداتها، وصعب حلها، مما سيجعل ليبيا دولة فاشلة على غرار الصومال الذي غرق في مستنقع الحروب والتفكيك منذ سقوط نظام سياد بري عام 1991.&في مقابل هذا الوضع المتدهور، يبقى العجز هو عنوان التعامل العربي والدولي مع الأزمة. فقبل أيام أرجأت الأمم المتحدة إلى أجل غير مسمى جلسة الحوار بين أطراف النزاع التي كانت مقررة الأسبوع الحالي، وقالت إن رئيس بعثتها في ليبيا سيواصل المشاورات للتوصل إلى اتفاق على مكان وزمان الاجتماع، علما بأن مثل هذا الاتفاق سيكون مهمة عسيرة بالنظر إلى تعدد الأطراف والهوة الواسعة التي تفصل بين مواقفها ومطالبها. الأمم المتحدة تعرف أنها لا تملك في الواقع ما تضغط به على الأطراف الليبية التي لا يخفى عليها أن المجتمع الدولي غير راغب أو قادر على التدخل عسكريا لفرض حل. فليبيا منذ التدخل الدولي لإطاحة نظام العقيد القذافي تركت لتغرق في الفوضى ولتنضم إلى قائمة الدول العربية التي تتفتت بحروب داخلية تثير أسئلة أكثر مما تقدم أجوبة أو حلولا.&على أي حال فإن تدخلا عسكريا دوليا في ليبيا يبقى خيارا غير مرغوب لسببين؛ الأول أنه قد يصب المزيد من الزيت على النار المشتعلة ويتيح أرضية خصبة للمنظمات &"الجهادية&" التي تبحث عن بيئات تقاتل وتنمو فيها. أما السبب الثاني فهو أن مثل هذه التدخلات في المنطقة قادت في معظم الحالات إلى كوارث حقيقية ولم تحل الأزمات بل عقدتها، وهناك شواهد عديدة ماثلة أمام الأعين.&مع تأجيل الحوار الذي دعت إليه الأمم المتحدة، عقدت الجامعة العربية اجتماعا طارئا على مستوى المندوبين لبحث الوضع المتردي في ليبيا. إلا أن الاجتماع لم يقدم أكثر من البيانات المعتادة، التي تعرب عن القلق، وتشجب العنف، وتؤكد التضامن مع الشعب، لكن من دون خطوات عملية واضحة لإخراج البلد من محنته. وتدليلا على حال العجز العربي فإن مجلس الجامعة بدلا من أن يتوافق على مشروع للحل، فإنه اكتفى بإعلان تقديره للجهود المبذولة من دول الجوار ومن مبعوث الأمين العام، ومساندته لمساعي الأمم المتحدة.المحير أن الجامعة العربية المكبلة بميثاق عتيق، تكرر في كل الأزمات المستفحلة جملة باتت محفوظة تؤكد فيها على استقلال وسيادة الدول المأزومة، ووحدة أراضيها، ورفض التدخل في شؤونها الداخلية، لكنها في المقابل تدعم جهود الأمم المتحدة في التدخل والتوسط وعقد جلسات الحوار. كيف يستقيم أن نرفض التدخل لإنقاذ بلد عربي بحجة عدم التدخل في الشؤون الداخلية، بينما ندعم ونساند ونؤيد الأمم المتحدة إذا تدخلت؟&الجواب معروف، وهو أن الخلافات العربية تكبل حركة الجامعة وتجعل اجتماعاتها مسرحا للخطابات أو التراشق، وبياناتها جملا إنشائية لا تعني الكثير على أرض الواقع. وما لم يتغير الحال العربي فإنه لا يمكن لوم الجامعة، لأنها ليست سوى مرآة لهذا الحال. ومن هنا فإن الاجتماع الطارئ لبحث الوضع الليبي المتدهور لم يقدم خريطة طريق للحل، ولم يستطع أن يتفق حول مطلب حكومة طبرق وبرلمانها &"المنتخب&" بتدخل عاجل من الجامعة لحماية المؤسسات والمنشآت في مواجهة الميليشيات المسلحة. فالموافقة على مثل هذا الطلب تعني إرسال قوات، وهو أمر شبه مستحيل في ظل الأوضاع الراهنة، علما بأن ميثاق الجامعة لم يمنع في الماضي إرسال قوات عربية لحفظ السلام في دول أعضاء، ولم يقف حائلا أمام تدخلها لإلزام أطراف بالحوار. اليوم لا تملك الجامعة سوى البيانات، بينما بلد عربي آخر يضيع.&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف