«سيلفي» للسعودية أمس واليوم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
جاسر الجاسر
منذ دخول الراحل العظيم المستشفى تعرضت السعودية لموجة جديدة وصاخبة من التكهنات والافتراضات الدائرة عن صراع شائك على السلطة ينذر بأزمة داخلية، ويحيل البلد إلى حال من الشلل والتخبط والتجاذبات الداخلية الحادة، يشابه الصورة اللبنانية في الحرب الأهلية. كثرت الفتاوى عن القوى والأجنحة ومن يمسك بالخيوط ومن هم الخصوم ومن الحلفاء. كل هذه الفتاوى في وسائل الإعلام الرصينة كانت تمضي باتجاه قاتم يصل في بعض أطرافه إلى الإيحاء بانتهاء البلد كلياً وليس مجرد تنافس سياسي.
&
هذه الأطروحات ليست جديدة، وتوشك أن تكون متكررة في كل مرة يخلف فيها ملك أخاه، لكن وتيرتها ارتفعت أخيراً نتيجة سطوة وسائل التواصل الاجتماعي واتساع الفضاء التلفزيوني، مستثمرة الحال الدولية المرتبكة والمعقدة.
&
قبل ظهر الجمعة انهارت هذه المنظومة تماماً، وبعض الوسائل أعادت التفكير في منطقها وصحّحت أخطاءها، بينما واصل بعضهم فتح أبواب وهمية لمرحلة جديدة من الصراع، فما حدث ليس مخيباً لآمالهم فقط، بل ضربة متقنة يعجز كثيرون، حتى الآن، عن استيعابها.
&
لو أن الملك سلمان انشغل بالحزن والعزاء، وانتظر ثلاثة أيام لإعلان أوامره، لكانت فترة العزاء بيئة لكل الإشاعات وساحة زمنية لموجات قاسية من الفتاوى الإعلامية السوداء، لكنه حسم الأمر فكان الجمعة حزناً دافئاً عميقاً على قائد ملهم ورجل فريد، من دون قلق على المستقبل أو استسلام للظنون السيئة التي لم ينقطع سيلها لحظة واحدة.
&
توفي الراحل الساعة الواحدة صباح الجمعة، فلم يستغرق الأمر في بث الخبر ومبايعة سلمان ملكاً سوى الدقائق اللازمة لصياغة البيان وتدقيقه، ثم لم تمض ساعات معدودة حتى أعلن الملك سلمان تشكيلة حكومته الكاملة، واستمر في ترسيخ هيكلية العرش بتعيين الأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد، ناسفاً كل التخرصات السوداء، ومرسخاً تراتبية السلطة في البلد وخطها المستقر.
&
لم تنشب صراعات ولم تظهر الأجنحة الوهمية حين قرر الملك سلمان ترشيح الأمير محمد بن نايف، الذي حظي بموافقة الغالبية، أما المعترضون فموقفهم علامة صحية على الاختلاف، وقبولهم دلالة على احترام الغالبية، ثم انتظم الجميع في البيعة الكاملة.
&
السرعة الفائقة في إصدار هذه الأوامر لم تطمئن السعوديين فقط، بل برهنت على معنى الدولة وصورتها الخارجية، وأن مسؤولياتها لا تتوقف مهما كان حجم الحزن ومبلغ الأسى، لذلك فإن التعامل مع السعودية سيكون وفق هذا الموقف الصلب والسرعة والحسم، وأن لا مجال للتربص والرهان العشوائي على اخــتلال يمكن للآخر استغلاله وتوظيفه لمصالحه، ومن الواضح أن المتـــرقبـــين لهذه اللحظة يأسفون أنهم تأخروا كثيراً في التـــعاطي العملي مع السعودية، وأنهم كانوا يجهلون الواقــع، متعــلقين بأحلام وتنجيمات وتخرصات.
&
داخلياً سقطت كل مقولات الاحتقان والتوتر، فلم تشهد السعودية أي مظهر للنقمة أو التمرد، وذابت كل قوى المعارضة المزعومة مع ذوبان أكاذيب الصراع على السلطة. كانت حالات التظاهر الوحيدة هي التدافع والتسابق للعزاء والبيعة.
&
السعودية دولة ليست خالية من العيوب، لكنها لم تكن أبداً هشة أو ضعيفة، ولم يسبق أن ارتبكت في مواجهة الأزمات، وفي كل مرة تخرج أقوى وأكثر صلابة، وهو ما يتحقق اليوم، الذي قلب المشهد الإعلامي من حال التحذير من الحال السعودية إلى استعراض الانتقال السلس والسهل للحكم، وسرعة حدوثه مع ما تضمنه من خطوات مفاجئة وعاجلة في تنظيم تراتبية العرش وتشكيل الحكومة.
&
أنصح السعوديين بقراءة الصحف والتقارير الغربية قبل أسبوع، ومن ثم قراءة حالها الآن، حينها سيعرفون معنى المهنية والموضوعية، وسيدركون المتحمسين خطأً والمعادين دوماً وفي كل ظرف. حين يثق المرء بنفسه وبلده لن يعنيه كثيراً ما يقال عنه، فالخصومات تكثر ضد الفاعلين والعاملين، أما أهل الظل والخمول فيمرون خفافاً من دون ذكر.
&