الملك عبد الله بن عبد العزيز.. قائدا.. ورمزا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
شمسان بن عبد الله المناعي
لا يمكن لقلمي في هذه اللحظات التي تمر بها الأمة أن يكتب ما يشاء، فهناك موضوع واحد فقط يفرض عليّ الكتابة، وهو رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي لم يكن مجرد حاكم، إنما كان قائدا حكيما للعرب. إن الراحل الملك عبد الله كان صاحب إرادة حرة، ولم يخضع لأي ضغوط أو إملاءات خارجية، وكان دائم السعي نحو توافق الأمة العربية، ونبذ الفرقة بين الأشقاء العرب، وسوف يذكره التاريخ مواقفه الثابتة والشجاعة ودفاعه عن العرب والمسلمين.
فأول ما يسجل للراحل الملك عبد الله هو مشروع الحوار الذي أطلقه في السعودية بين فئات المجتمع، والذي حقق انفراجا في المجتمع السعودي بين أطيافه، وتمكين الإصلاحيين والتكنوقراطيين لإحداث المهمة البنيوية في المجتمع السعودي. إن مناخ الحرية المسؤولة الذي دشنه الراحل الملك عبد الله كان نقلة نوعية في المجتمع السعودي، لكي يجاري الانفتاح الذي حدث في كل دول العالم، وما مشاركة المرأة السعودية في مجلس الشورى وبفاعلية إلا دليل على ذلك. إن الراحل الملك عبد الله لم يأخذ بالتغيير السريع في المجتمع السعودي، إنما كان يسير بالتغيير المتدرج حتى يستوعب المجتمع هذا التغيير، وبذلك نجح في هذا الجانب الاجتماعي بشكل لافت للنظر.
ومن أهم التغييرات التي تمت في عهده إصلاح التعليم.. فالراحل الملك عبد الله دفع بالشباب السعودي للبعثات الخارجية في أرقى الجامعات في أميركا وأوروبا، فأصبح من حق كل شاب، أو شابة، أن يكمل تعليمه العالي في الخارج، وتم فتح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، متوقعا أنها ستكون جامعة العلوم الرائدة في المنطقة للعقود المقبلة. وكذلك حقق التعليم العالي في عهده إنجازا كبيرا وذلك عندما دخلت جامعة الملك سعود في التصنيف السنوي لمعهد التعليم العالي التابع لجامعة شنغهاي جياو تونغ الصينية لأفضل 500 جامعة على مستوى العالم لعام 2009.
كذلك تم إنشاء مؤسسة الملك عبد الله للموهبة وهي مؤسسة فريدة من نوعها في العالم العربي، حيث تعتني بالموهوبين والمتفوقين، ويديرها أساتذة سعوديون متخصصون في هذا المجال، وذلك لأن هذه الفئة من الطلبة هم ثروة مهمة في المجتمع. كل هذه الخطوات تدل على إدراك الملك الراحل عبد الله لأهمية التعليم كأهم مجال للاستثمار البشري الذي لا يقل عن الاستثمار الاقتصادي.
لقد تميزت شخصية هذا القائد بالتسامح والاعتدال مع الجميع، مما انعكس على سياسته الداخلية والخارجية. على الصعيد الداخلي اهتم بالفئات الفقيرة، فلقد كانت الزيارات التي قام بها لمناطقهم تدل على ذلك، مما رفع من المستوى المعيشي لكثير من هذه الفئات المحتاجة.
وعلى الصعيد الخارجي، كانت لديه الجرأة في معالجة الأحداث.. ففي قمة بيروت 2002 عرض الراحل الملك عبد الله مبادرة السلام العربية. وكان يصلح ذات البين خاصة في خلافات الدول العربية، ولعل أهم هذه الخلافات ما حدث بين بعض دول الخليج العربي وقطر، فلقد تمكن من رأب الصدع بين دول الخليج وتكملة المسيرة.
وكان للراحل الملك عبد الله موقف من الأحداث التي مر بها العالم العربي أثناء ما سمي بالربيع العربي، فلقد طالب النظام السوري بوقف حربه على شعبه، وعندما رفض كان للدبلوماسية السعودية دور كبير على الصعيدين العربي والعالمي في عزل النظام ومطالبة الأمم المتحدة بالتدخل في القضية ورفع الظلم عن الشعب السوري ومطالبة بشار بالتنحي عن الحكم. وكانت له مساهمات في مساعدة اللاجئين السوريين والمشردين في الأردن ولبنان وتركيا، حيث بذلت السعودية المليارات للقيام بهذه المهمة الإنسانية.
ولعل أهم الأدوار التي قام بها الراحل الملك عبد الله محاربة الإرهاب الذي أصبح ظاهرة عالمية، كما اقترح (رحمه الله) إقامة مركز دولي لمكافحة الإرهاب، وذلك خلال المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي عقد في مدينة الرياض في شهر فبراير (شباط) 2005، بمشاركة أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية وأجنبية، إلى جانب عدد من المنظمات الدولية والإقليمية والعربية.
ومن الأقوال المؤثرة التي سجلها الكاتب الأميركي روب سبهاني في كتابه &"الملك عبد الله.. القائد المؤثر&" قبل رحيله، إن سخاء الراحل الملك عبد الله (رحمه الله) لم يتوقف عند الدول الفقيرة، بل إن سخاءه وصل إلى قلب الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن مؤسسة &"التحالف الحضري&" التي تقدم المساعدات والغوث للمحتاجين من الأطفال الأميركيين تحصل من الملك عبد الله على مساعدات للأطفال الأميركيين. وقال سبهاني إن التاريخ سيسجل للملك عبد الله (عليه رحمة الله) أنه رجل سعى إلى المساواة ومعاملة الناس كما الآخرين دون تمييز. وللبحرينيين وقفة مع الراحل الملك عبد الله، طيب الله ثراه، ستبقى خالدة في سجل التاريخ إبان أزمة فبراير 2011، حين اعتبر البحرين ابنته الصغرى، ووقف معها في مواجهة الإرهاب قلبا وقالبا.
نم قرير العين يا أبا متعب، فالراية السعودية ستبقى خفاقة مع ملوك جبلوا على الشجاعة والجرأة بإيمان راسخ وثوابت شرعية. ونسأل الله التوفيق والسداد لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في تكملة مسيرة الخير.