جريدة الجرائد

الخطاب الديني... بروح العصر

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

&عبدالعزيز الكندري

ذهبت إلى المسجد يوم الجمعة الماضية، فإذا بخطيب المسجد يتحدث عن الكفار وضرورة محاربتهم حتى يعطوا الجزية وهم صاغرون، وأن الحضارة الغربية هي حضارة زائلة، وأن الكفار هم مصدر الخراب والحضارة الغربية حضارة سيئة . فقلت ماذا لو أن الحضارة الغربية تركتنا ومنعت عنا السيارات والصناعات المختلفة من ملبس وغيرها من أمور كيف سيكون حالنا ؟ وهل نستطيع أن نستغني عن الحضارة الغربية ؟ وهل يستطيع الخطاب الديني هذا أن يعلمنا كيف نزرع لنستغني عن الغرب ولا نقلده ؟

ماذا لو أن هذا الخطيب كان يتحدث عن أهمية بناء الإنسان والتعليم وتشييد المصانع، بدلا من جلد الذات، وأن نستفيد من طاقاتنا بدل هذا الشحن العاطفي الذي لا يغني ولا يسمن من جوع، فتخيل معي لو أن الخطاب الديني كان يبذل في إصلاح المجتمع والدعوة إلى المجتمع المدني والعدالة الاجتماعية، والدفاع عن حقوق المظلومين والمضطهدين، والاهتمام بوسائل التكنولوجيا وأهمية الاهتمام بالنوابغ، وإنتاج الأفلام السينمائية والمسلسلات الدرامية التى تحتوى على قيم ديننا الإسلامي الحنيف، بقدر ما بذل في الدعوة إلى الالتزام بالسنن وصيام النوافل والحديث عن الآخر بكل سوء، ماذا سيكون عليه حال المجتمع، بلا شك سيكون هناك تأثير كبير ومؤثر في نفس الوقت، فهذا هو الذي يجب أن ينادي به المثقف الديني، أعتقد أن من الحكمة والعقل محاربة الوسيلة الدونية الهابطة بوسيلة راقية، والآن بدأ الإعلام يشكل القيم الاجتماعية للمجتمع، وخصوصاً لدى الأطفال، يجب أن نعي ذلك جيداً.

أعتقد أن قصور الخطاب الديني، بعدم وجود مجسات تتحسّس أماكن الخلل في المجتمع هو الذي أدى إلى هذه الفجوة، وهو الذي أوجد بعض القيم السلبية في مجتمعنا، فتجد من يتمارض ويأخذ إجازة طبية بقصد الذهاب إلى الحج والعمرة ، ونقرأ الأحاديث التي تدعو إلى الرفق في التعامل والإحسان إلى الجار والاهتمام بالنظافة ومع الأسف يدخل إلى المنزل مكفهر الوجه، ويتعامل مع الناس بتعامل غليظ، ويسيء إلى الجار إساءات ممجوجة ، ويجب علينا الا نظلم الدين الإسلامي الحنيف بشخصية المتدين المحافظ، ولنقرأ جيدا في سلفية الصحابة رضوان الله عليهم، عندما كان الإنسان المتدين تمازج وتقارب الدين بالحياة المدنية.

إننا بحاجة اليوم لخطاب ديني يمتزج بروح العصر، ويكف عن الشحن العاطفي، ويأمر ببناء المصانع ويحض على العمل الجاد، وأن يحاكي الواقع الحالي، وينظر إلى مشاكل المجتمع بروح العصر، ويطرحها بكل صراحة وجرأة، من تفكك أسري وطلاق ومخدرات وجرائم ونقص القيم وغيرها من مشاكل تنخر بالمجتمع نخرا وأصبحت تهدد الشباب، ويجب أن يتحسس الخطاب الديني آهات وهموم الناس ويكون قريبا منهم، وبمعنى آخر ان يخرج من المساجد ويرى ما يدور في الأسواق والدواوين وغيرها من أماكن.

إننا بحاجة لخطاب ديني متزن ومتوازن، ويتوقف عن الصدمة الحضارية ويتحول إلى فكر البناء والعمل، وأن يعيد الفهم الصحيح من خلال الشريعة الإسلامية السمحة، وأن القيم المدنية يجب أن تكون من الأولويات، وأن الفجوة بين الدول المتقدمة والدول الإسلامية جدا كبيرة، ويجب تقليل هذه الفجوة بالفهم الصحيح والاعتراف أولا، وهناك دول يحسن أن نقتدي بها وخصوصا ماليزيا، حيث إن لديها من العبر الشيء الكثير.


&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف