جريدة الجرائد

سوريا.. ما بعد التدخل الروسي

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عبدالله بن بجاد العتيبي



دخلت روسيا رسميًا كطرف فاعل في الأزمة السورية، بل في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بقاعدة جوية في اللاذقية وأسطول بحري يملأ البحر الأبيض المتوسط انطلاقًا من طرطوس، وبدأت فعليًا بتفعيل الموقعين بقصف عسكري شمل أرجاء سوريا ولم يتعرض بعد لتنظيم داعش الذي جاء تحت غطاء محاربته.


التدخل العسكري الروسي أعاد خلط الأوراق المختلطة أصلاً في المنطقة، والسياسة كما تهدف للمصالح تحركها المخاوف وتدفعها الطموحات، فروسيا خائفة من الإرهاب وهذا حقها، وهي تسعى لمواجهته في سوريا حتى لا يصل لموسكو كما هي التصريحات المعلنة، ولكن السؤال هل تدخلها العسكري في سوريا سيمنع خطر الإرهاب عنها أم سيزيده؟ وهي الدولة التي يعيش في كنفها ملايين المسلمين وتجاورها دول مسلمة تكن لها عداء تاريخيًا؟
واضح أن التدخل الروسي لن يقتصر على سوريا، فهو يعرض خدماته على الحكومة العراقية، وروسيا بالتالي تنخرط في صراعات المنطقة لدعم المحور الذي تقوده إيران والذي بدأ يخسر في أكثر من مكان، من أهمها اليمن وسوريا وشيء ما في العراق وإن لم يصل لمداه بعد.
إقليميًا، ثمة لاعبون رئيسيون في المنطقة، إيران والدول العربية وتركيا وإسرائيل، والتدخل الروسي مساند لإيران بشكل شبه كامل، وقد قام بطمأنة إسرائيل، ولم يلتفت للدول العربية وتركيا، وعلى الرغم من أن السياسة لا تخلو من تفاهمات معينة في الصراعات الكبرى، فإن هذا التدخل الروسي يجب الوعي بأهدافه قبل مواجهته.
دوليًا، لمس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، القادم من خلفية عسكرية واستخباراتية وسياسية، تخاذلاً في المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية والرئيس باراك أوباما، القادم من خلفية قانونية وثقافية ورؤية سياسية انعزالية وانسحابية من العالم، فلم يشأ تفويت الفرصة، فضم جزيرة القرم بالقوة العسكرية، وهو يهدد أوكرانيا ويدعم الموالين له داخلها دون أي اعتبار لأي موازنات دولية، ونجح وحصل له ما يريد دون أي رد فعل يذكر.
واستمرارًا لتوسيع طموحاته يمكن قراءة دخوله العسكري في سوريا، بل في منطقة الشرق الأوسط، فالوجود العسكري الروسي لأول مرة في الشرق الأوسط بهذه القوة والوضوح يضمن منطقة نفوذ جديدة لروسيا دون أي خسائر تذكر، فالحضور القوي في البحر الأبيض المتوسط بقاعدة جوية وقاعدة بحرية تضمن له نفوذًا عسكريًا على جنوب أوروبا وشمال أفريقيا وفرض واقع دولي جديد سيكون من الصعب تغييره في المستقبل.
تقضي سياسة أوباما الانسحابية والانعزالية بأن تقوم الدول والتحالفات حول العالم بحماية مصالحها بنفسها دون تدخل من أميركا، وهذا ما فهمه بعض القادة في المنطقة والعالم، وتصرفوا على أساسه.
لقد خلقت انعزالية ويلسون دافعًا مهمًا لتدخل روزفلت في الحرب العالمية الثانية ولخوض أميركا الحرب العالمية الباردة بعدها والانتصار فيها، وعودة أوباما للويلسونية واستماتته في الاتفاق النووي مع إيران والتقارب مع الخصوم والتباعد عن الحلفاء مع خلطها لكثير من الأوراق، إلا أنها ستعيد التاريخ مرة أخرى، وهو ما سيجري مستقبلاً، فسيكون لأميركا عاجلاً أم آجلاً رئيس لن يرضى بكل هذا الضعف والانعزال والخلط.
لم تبد أميركا أوباما أي اهتمام جدي بمشكلات المنطقة الكبرى وأزماتها، ففي سوريا يمكن بسهولة تذكر خطوط أوباما الحمراء التي انتهكت مرة بعد مرة، وكان في كل مرة يتراجع ويرضى بالهزيمة، وفي مواجهة تنظيم داعش الإرهابي لم تبد أميركا جادة فعليًا في القضاء عليه، وهذا الفراغ الكبير هو ما جاءت روسيا لملئه وقد تلحق بها الصين، إن صحت الأخبار في إرسالها لقوات عسكرية للمنطقة، وهو ما سيكون سابقة جديدة تلتحق بالروسية الأولى.
كانت الحرب العالمية الباردة تدور رحاها في أوروبا الشرقية وفي أميركا الجنوبية وفي جنوب شرقي آسيا، ولكن الحرب العالمية الباردة والساخنة تجد لها مستقرًا اليوم في منطقة الشرق الأوسط، حيث &"استقرار الفوضى&" و&"صراع الهويات&" و&"التنظيمات الراديكالية الإرهابية&" التي تصب في مصلحة إيران ومحورها، في مقابل &"استقرار الدول&" و&"نبذ الطائفيات&" ورفض &"التنظيمات الراديكالية الإرهابية&" التي تصب في مصلحة الدول العربية.
ولكن يبقى سؤال مهم هو كيف تحولت الأزمة السورية من رغبة شعب في الخلاص إلى تعقيدات تقودها راديكاليات وتتنازع فيها ميليشيات إرهابية؟ وشيء من الجواب يكمن في أن التخاذل الدولي عن نصرة الشعب السوري أدى إلى عدة أمور، منها: أن إيران ونظام الأسد استطاعا خلق تنظيم داعش الإرهابي ودعمه لإظهار المعركة بأنها ليست حربًا بين نظام وشعب، وتغاضوا عن خلق بعض الدول الإقليمية لقوى راديكالية على رأسها تنظيم النصرة الذي يمثل تنظيم القاعدة في سوريا، ومنها أنه شيئًا فشيئًا تصاعدت هذه القوى الراديكالية والإرهابية حتى أضعفت الشعب السوري ومعارضته السياسية وجيشه الحر وأصبحت تقود المعركة، ومنها كذلك أن البشر حين يدفعون إلى الموت والمجازر والمذابح دون نصير يعودون دائمًا لأقدم الهويات انتماء ويلجأون إلى أشدها تطرفًا.
من المفارقات التي يبعثها المشهد المضطرب والمختلط في المنطقة، أنه ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت هجرة يهود أوروبا إلى فلسطين على قدم وساق، واليوم لدى اليهود دولة قائمة في الشرق الأوسط، ولكن الأزمة السورية وشيئًا ما الأزمة العراقية تبعث بمئات الآلاف من المهاجرين لأوروبا، نعم لن يستطيعوا إقامة دولة هناك، ولكنهم بمنطق التاريخ لن يندمجوا في البلدان التي يصلون إليها، وسيصبحون مشكلة كبرى تضاف لمشكلة أوروبا القديمة مع هجرات أفريقيا التي لطالما اشتكت منها.
التدخل العسكري الروسي في سوريا ليس أمرًا عاديًا، بل هو حدث تاريخي وسياسي ضخم وسيكون له تبعات على موازنات القوى الدولية في المنطقة والعالم، ويجب على كل الدول أن تبني سياساتها وهو حاضر بكل أبعاده وتأثيراته، ولئن كان مبكرًا الحديث عن أثر على روسيا يشبه أثر حرب أفغانستان على الاتحاد السوفياتي، إلا أنه بالتأكيد يعني تغييرًا ضخمًا وسيكون له تبعات كبرى في المنطقة والعالم وسيكون مؤثرًا في المستقبل القريب والبعيد.
أخيرًا، فبقتله لمئات الآلاف من شعبه وتهجيره للملايين منهم، فقد انتهى مستقبل بشار الأسد في سوريا، وقد يؤخر التدخل الروسي رحيله عن سوريا قليلاً، ولكنه سيرحل على كل حال، والحرب التي بدأتها روسيا في سوريا قد تصل شظاياها للداخل الروسي.

&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
دي مستورا بيّاع بطاطا
عبدالله العثامنه -

أول ثمره من ثمرات التدخل الروسي هو أن سوريا لم تعد محافظه ايرانيه اذ ليس معقولا أن تأتي روسيا بقضها وقضيضها لتأديب محافظه شقت عصا الطاعه عن بقية المحافظات، هذا ما يجب أن يدركه الايرانيون جيدا وثاني ثمره من تلك الثمرات هو أن حفلة التسويات السياسيه التي صدّعوا بها رؤوسنا على مدى الأربع سنوات الماضيه والتي اتخذت في مجملها أشكالا مسرحيه مضحكه ماتت وشُيّعت الى مثواها الأخير من دون مراسم دفن وأن المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا لم تعد لسوريه حاجة به وأنصحه أن يترك وظيفته الأمميه ويروح يبيع بطاطا،،وثالث ثمره هي أن بوتين دلق على مؤخرة امريكا ماءا باردا وجعلها تثلج في الصيف الحار،،،وكله كوم والمصيبه الايرانيه كوم ثاني اذ أن عاصفة الحزم فعلت فعلها وجردتها من عنجهيتها في اليمن والخليج العربي، وخسائرها في سوريا مع دخول القوات الروسيه جردها من محافظه كانت تتباهى بها بين باقي المحافظات ،والانتفاضه الشعبيه في العراق التي تعصف أول ما تعصف برجالات ايران الذين عاثوا في الأرض فسادا والذين سيتم خلعهم على ايدي مجاميع شيعيه كانت تعيش بكرامه حولتها ايران بسياستها النهبويه اللصوصيه الى مجاميع شيعيه محرومه بكل ما في الكلمه من معنى.

طبولكم مخرومة
جنان -

كل المقالات التي تتطرق للشأن السوري للكتاب الخليجيين تحديدا ،غلبت عليها العاطفة و جانبت الموضوعية وإدراك العلة . لا الروس ولا الصينيين ولا ايران ولا العراقيين يهمهم وجود شخص الرئيس بشار الأسد...ان التطرف الموجود في سوريا والعراق وافريقيا وحادثة بنجلادش وميانمار و حركات شنجان الصينية و ومطامع هؤلاء للتطرف الاسلامي في كل العالم ، يمكن ان يتسرب الى الصين وروسيا . قد اعمت المليارات الخليجية اوروبا عن رؤية و تحليل الخطر القادم...حضرة الكاتب يتوعد بشكل وبآخر بالمحيط الاسلامي لروسيا ، وكأن المسلمون اجمعوا على تأييد النصرة وداعش وزهران علوش و إلخ من التنظيمات التي ما كانت لتكون لولا امريكا والدعم الخليجي. سابقة تدخل عاصفة الحزم باتت مقاسا لتدخل دول عسكريا مع دول اخرى بطلب من الشرعية ، يعني خلقتم سابقة سيحتذى بها في التدخلات العسكرية...التدخل الروسي لقى ترحيبا من الأغلبية السورية أولا ومن العراق ومن مصر ومن الامارات ومن لبنان ومن مسلمي الهند ومسلمي كل دول العالم عدا الوهابية...التدخل الروسي لمصالح سياسية اقتصادية وامن قومي روسي ايراني صيني مصري عراقي لبناني وإلخ...السير في فوضى دموية واعادة سورية للقرن الرابع للهجرة لن يتقبله العالم الذي لا يُشترى بالصفقات ولا بالريالات...مع من تكون حرب عالمية ؟ مع دول الخليج التي يمحيها عن بكرة ابيها كم صاروخ أو مع الامريكان اللذين رسموا الخارطة بالتوافق...السحر ينقلب على الساحر حقيقة ومجازا والتطبيل لجر الروس عن سوريا تحت ذريعة عداء اكثر من مليار مسلم جعجعة ، فالمسلمون اليوم أدركوا انهم يقادون من جهلة كقطيع ماشية للموت باسم الله وكرهوا الدعاة باسم الدين و كفروا الوهابية ، وعلى المملكة ان تعترف حقيقة ان الوهابية حركة لا تواكب العصر وخارج نطاق المدنية والسلم والصلح مع مخلوقات الله الطريق المبارك.

الحقيقه
ابو يوسف -

مقال ممتاز لكن من الممكن ان يكون التدخل الروسي هو استدراج لكسرهامجددا كما كسرت ايران في سوريا والشواهد واضحه. غايه موسكو هي ايجاد ورقه ضغط اوكرانيه على الغرب مع ان الحل الحالي البسيط لمعضله التدخل الروسي هو صواريخ ارض جو، الحل الذي دمر الغزو السوفيتي. السؤال هل من جهه ستسلح الثوار بما يريدوه؟ اذا تم فلن تستطيع روسيا من خلق الدوله الساحليه الاسد.