التدخل الروسي الأسباب والانعكاسات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
علي العنزي
من الواضح أن روسيا نفذت تعهداتها وأقوالها بالتدخل العسكري في سورية بشكل مباشر، إذ أرسلت إلى قاعدة حميميم الجوية باللاذقية عشرات الطائرات الحديثة والمتطورة جداً، إضافة إلى طائرات النقل والطائرات العمودية، وتوسيع القاعدة الجوية في اللاذقية لتستطيع استقبال طائرات أخرى إذا استدعت الحاجة، وهناك أنباء متواترة عن وصول قوات برية أو من مشاة البحرية، ما يشير إلى أن هذا التدخل هو في مراحله الأولى، وأن الأيام المقبلة ستشهد المزيد من التطورات في هذا التدخل، لذلك لا بد من نظرة تحليلية لبحث الأسباب التي دعت روسيا للتدخل، والانعكاسات لهذا التدخل على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، ومعرفة الخلفية التاريخية للعلاقات بين البلدين.
&
بدأت العلاقات العسكرية بين روسيا وسورية، ومنذ أيام الاتحاد السوفياتي، إذ اعترف الاتحاد السوفياتي بسورية عام 1944، أي قبل اعتراف الدول الغربية وقبل إعلان مغادرة القوات الفرنسية وانتهاء الاحتلال، وكانت أول علاقة قامت بين البلدين في شهر مارس (آذار) من عام 1955 عندما عرضت موسكو تزويد سورية بمساعدة اقتصادية وعسكرية كبيرة؛ دعماً لدمشق من أجل رفضها الانضمام لحلف بغداد، ليكون ذلك الطلب هو البداية.
&
وفي عام 1963 أقيم مركز الدعم المادي التقني للأسطول البحري السوفياتي في ميناء طرطوس السوري، ليكون مركزاً بحرياً تستفيد منه القطع البحرية السوفياتية الموجودة في البحر المتوسط أو المتجهة للمحيط الهندي وبحر العرب. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي ورثت روسيا تلك الاتفاقات والعلاقات مع سورية، لتستفيد من ميناء طرطوس، بل تطويره لاستقبال قطعها البحرية الموجودة اليوم في المتوسط، والتي تزايدت عدداً وعدة خلال التدخل العسكري في سورية، وقيامها بمناورات في المتوسط كإشارة للقوى الأخرى في المنطقة.
&
لقد تطورت العلاقات بين دمشق وموسكو بعد وصول الرئيس الأسبق حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970، عززها التوتر الذي شاب العلاقات السوفياتية - المصرية إبان حكم الرئيس الراحل أنور السادات وبعد طرده للخبراء السوفيات عام 1972، لذلك اتجه القادة السوفياتيون إلى الأسد لتعميق العلاقات معه، ودخوله معهم في حلف استراتيجي عسكري، ودعمه بالسلاح المتطور قبل حرب 1973، فمنذ ذلك الوقت عزز الروس (السوفياتيون سابقاً)، وجودهم وروابطهم بسورية بشكل متواصل وتدريجي، عسكرياً واقتصادياً وحتى ثقافياً، إذ لعب المركز الروسي الثقافي والذي تعلم فيه السوريون اللغة والثقافة الروسية دوراً بارزاً في تعميق العلاقات الثقافية والاجتماعية بين البلدين، فتم إرسال آلاف الطلبة للدراسة في جامعات ومعاهد الاتحاد السوفياتي سابقاً وروسيا اليوم، لذلك جاءت التطورات الإقليمية على مدى عقود ماضية لتقرب سورية من الروس، وجعلت وجودهم في البلاد أقوى من الوجود الغربي، لذلك اتخذ التعاون مع روسيا أشكالاً عدة، أهمها الشكل العسكري، لكن لا يمكن إهمال الجانب التجاري، إذ حصلت شركات روسية على عقود مغرية في قطاع النفط والغاز وقطاعات صناعية أخرى، ففي عام 1992، كان دين سورية لروسيا يتجاوز مبلغ 13 بليون دولار، فتم التوقيع بين البلدين على اتفاق في عام 2005 يتضمن شطب 73 في المئة من الديون السورية، ليبقى المبلغ حوالى 2.11 بليون دولار، ما جعل البلدين يتقاربان أكثر فأكثر في عهد روسيا الجديدة خلال فترتي الرئيس بوتين اللتين انتهتا في عام 2008، ولتعود العلاقة بقوة بعد عودته للرئاسة في عام 2013، ولكن بظروف ومتغيرات جديدة.
&
ويرى المحللون أن الأهداف الروسية من التدخل العسكري في سورية تتجلى في أمور عدة، من ضمنها منع القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة من الاستفادة من انهيار أو سقوط النظام، بأي شكل من الأشكال، وكذلك منع هذه القوى من إقامة منطقة حظر طيران وهو ما أعلنه نائب وزير الخارجية بوغدانوف، لأن إقامة منطقة حظر طيران ستسرع في انهيار النظام وتمنح القوى المعارضة حرية الحركة، خصوصاً في المناطق الشمالية، ويمكن أن تكون نقطة انطلاق للزحف على العاصمة، ولذلك رأينا الطيران الروسي يخترق المجال الجوي التركي مرتين خلال تحليقه في المناطق الشمالية من سورية، وكأنها رسالة لتركيا أن منطقة الحظر الجوي مرفوضة من روسيا، علماً أن الإدارة الأميركية كانت من أشد المعارضين لإقامة مثل هذه المنطقة. لا شك في أن الدخول العسكري الروسي المباشر إلى سورية بدا وكأنه تسبب في خلط أوراق كثيرة لدى القوى الغربية وحال من الإرباك، خصوصاً ما يتعلق بسرعته وتطوره كماً ونوعاً ومساحةً، كما أشاع حالاً من الإرباك في صفوف المعارضة مهما كان توجهها أو نوعها، فالتدخل الروسي واضح أنه جاء لدعم النظام، فلا يفرق بين داعش والجيش الحر أو أي معارضة أخرى، لكن في الجانب الآخر، هل القوى الغربية تفاجأت أو أنها اختلطت أوراقها؟
&
من ينظر للمشهد ككل، يرى أن هذا التقدير لا يعكس المشهد بالكامل والصحيح، فلا يوجد أي خلط للأوراق أمام القوى الغربية التي تغض الطرف عن التدخل الروسي ويروق لها، خصوصاً على المدى البعيد، فالقوى الغربية وكأنها تريد توريط روسيا في المستنقع السوري المعقد، ومن ثم ينعكس هذا التوريط على سياسات روسيا في مناطق أخرى كأوكرانيا وغيرها، خصوصاً أن روسيا تواجه ضغوطاً اقتصادية متزايدة بسبب انخفاض أسعار النفط والعقوبات الغربية؛ بسبب الأزمة الأوكرانية، لكن في الجانب الآخر رأت روسيا أن الفرصة سانحة لاستغلال تردد وضعف إدارة أوباما، لتبدأ برسم عودتها كلاعب دولي من خلال الأزمة السورية، وإرسال إشارات قوية وواضحة للغرب في ما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، ورسم هذه العودة بدءاً من عام 2007 في مؤتمر ميونيخ للأمن وخلال خطاب بوتين في ذلك الحين حينما انتقد الأحادية الدولية.
&
لا يمكن فصل ما يجري في سورية بالنسبة لروسيا عما يجري في أوكرانيا، لذلك الربط بين الأزمة السورية والأوكرانية هو ربط بين البحر الأسود والبحر المتوسط، وهو الربط بين قاعدة الأسطول الروسي في سيفاستوبول وقاعد طرطوس البحرية، لذلك تشعر روسيا بأنها إذا فقدت طرطوس ستخنق في البحر الأسود وهو الموقع الوحيد لها على المياه الدافئة، والقريب من المتوسط.
&