جريدة الجرائد

لماذا عارضت أميركا الحظر الجوي فوق سورية؟

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبد الجليل زيد المرهون

في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2015، قالت وزارة الخارجية الأميركية إنه لم يتم اتخاذ قرار بالمضي قدماً في إقامة منطقة حظر جوي في سورية.

وقد جاء هذا التوضيح إثر تقارير إعلامية أفادت بأن وزير الخارجية، جون كيري، أثار احتمال إقامة مثل هذه المنطقة.

ودعونا، بهذه المناسبة، نطرح الأسئلة التالية: هل إقامة منطقة حظر جوي في سورية يُعد أمراً واقعياً؟ ما هي تحديات هذا الخيار؟ وأية عواقب يُمكن أن يسفر عنها؟

من المفيد، بداية، أن نقدم تعريفاً مختصراً لمنطقة الحظر الجوي، لنرى بعد ذلك لماذا يعبر هذا المفهوم، في جوهره، عن الدخول في حرب فعلية.

أياً تكن السياقات الفنية التي يُمكن الوقوف عليها على هذا المستوى، فإن فكرة إقامة منطقة حظر جوي فوق أية منطقة من مناطق سورية تعني عملياً اندلاع حرب جديدة، من شأنها زيادة الخسائر البشرية، والدفع بمزيد من المدنيين نحو التشتت والضياع
يقصد بمنطقة الحظر الجوي، من الناحية التقنية، منع تحليق الطائرات والمروحيات في أجواء منطقة جغرافية، يجري تحديدها استناداً لخطوط الطول والعرض.

ومن الزاوية السياسية، تعني منطقة الحظر الجوي إلغاء، أو تعطيل، السيادة الوطنية لدولة ما على جزء من أراضيها، إذ إن مفهوم السيادة لا يرتبط بسطح الأرض فقط، بل كذلك بباطنها وسمائها.

وعلى الصعيد العسكري، تشير منطقة الحظر الجوي إلى ترتيبات يجري في إطارها نصب بطاريات صواريخ أرض جو، تستهدف حركة الطائرات والمروحيات في حيز جغرافي محدد.

كما يجري استهداف هذه الحركة من خلال طائرات اعتراضية وطائرات اشتباك جوي. كذلك، تعني منطقة الحظر الجوي، من الزاوية العسكرية، استهداف منظومات الدفاع الجوي، وقصف القوات المعنية بهذا الدفاع، وتدمير القواعد الجوية ذات الصلة، وشل منظومة القيادة والسيطرة، واختراق شبكة الاتصالات، وبث التشويش الإلكتروني.

وعلى الصعيد القانوني، تشير منطقة الحظر الجوي إلى "حالة حرب"، بين الدولة أو الدول المنفذة للحظر والدولة المستهدفة، أي تلك التي تعتبر المنطقة المعنية جزءاً من ترابها الوطني.

في المجمل، هناك نوعان من مناطق الحظر الجوي: الأول، ذلك الذي يجري الاتفاق عليه بين دولتين متجاورتين كجزء من ترتيبات إنهاء الاشتباك، أو فصل القوات، بعد حرب أو نزاع مسلح. وهنا، لا تعبر منطقة الحظر عن حالة حرب، ولا تقود إليها.

النوع الآخر من مناطق الحظر الجوي، هو ذلك الذي يجري فرضه لإقامة حواضر أو ممرات إنسانية، تعقب حالة نزوح بشري هائل، تخلفها ظروف نزاع عسكري كبير، ولا يكون أمام المدنيين سبيل لمغادرة مواقع النزاع إلى مدن أو أحياء أخرى.

وهذا النوع من مناطق الحظر الجوي يجري تبنيه بعد تشخيص سياسي وأمني، ويفرض بقرار من مجلس الأمن الدولي، ويناط بقوة عسكرية، ذات تفويض واضح، وقواعد اشتباك محددة، تستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن دولاً كبرى، أو أحلافاً إقليمية، قد تبادر من تلقاء ذاتها لفرض منطقة حظر جوي على رقعة جغرافية محددة، في دولة خاضت معها نزاعاً عسكرياً، وتمكنت من هزيمتها.

فيما يرتبط بالوضع في سورية، كان الحديث قد دار في إحدى المراحل حول احتمال فرض منطقة حظر جوي بالقرب من الحدود الأردنية.

ومثل هذا السيناريو يعني أن الأردن كان سيجد نفسه عملياً في حالة حرب مع سورية. وهو سيكون كذلك أيضاً بالتعريف القانوني البحت، لكونه سيصبح شريكاً للدول أو الأحلاف التي ستنفذ الحظر، عبر صواريخ مضادة للجو، وطائرات اعتراضية، ومقاتلات اشتباك جوي وقاذفات، سوف تتمركز لهذا الغرض في مواقع محددة داخل أراضيه ومطاراته وقواعده الجوية.

وقبل ذلك، كانت بعض التقارير قد تحدثت عن احتمال فرض حظر جوي على بعض المناطق السورية. وجرت الإشارة على وجه الخصوص إلى منطقة إعزاز. وتعززت التكهنات حينها بوضع حلف شمال الأطلسي (ناتو) صواريخ باتريوت الاعتراضية على الجانب التركي من الحدود.

وعلى الرغم من ذلك، فإن مبدأ إقامة منطقة حظر جوي على أي من مناطق القطر السوري قد واجه العديد من التساؤلات، إن على صعيد الجدوى والمبررات، أو الثمن الذي قد يدفعه المدنيون العزل.

ومن وجهة نظر القانون الدولي، فإن إقامة مثل هذه المنطقة كان يُمكن أن يجد مبرراته في غياب ملاذ آمن للمدنيين، يبتعدون به عن مسار القتال الطاحن والعنيف. بيد أن هذه ليست هي الحال في سورية. وهي لم تكن كذلك في أية مرحلة من مراحل الأزمة.

إن غالبية المدنيين من أبناء الشعب السوري، الذين فروا من المعارك الطاحنة في مناطقهم، قد تمكنوا في نهاية المطاف من العثور على أماكن بديلة يقيمون فيها داخل البلاد، كما تمكن الكثير منهم من اللجوء إلى الدول المجاورة، ودول أخرى عديدة حول العالم.

إن القضية الرئيسية ليست العثور على مكان للإقامة في الداخل أو الخارج، بل في توفير متطلبات الإغاثة والرعاية الإنسانية الكافية للنازحين.

هذا هو التحدي الذي ظل يواجه ملايين النازحين داخلياً، كما اللاجئين في دول الجوار.

ومن البدهي، أن حل هذه المعضلة لا يرتبط بإقامة منطقة حظر جوي في شمال سورية أو جنوبها، بل بتعزيز جهود الإغاثة الإنسانية والدعم الحياتي بأشكاله المختلفة.

إن موقف الرئيس الأميركي، باراك أوباما، والقيادات العسكرية في الولايات المتحدة، القائل برفض فكرة إقامة منطقة حظر جوي فوق أية منطقة من المناطق السورية يشير إلى إدراك للمعضلات المثارة، كما العواقب الوخيمة التي سوف يعاني منها المدنيون جراء الذهاب نحو خيار من هذا القبيل.

كذلك، تبرز اليوم مشكلة أخرى في فلسفة إقامة منطقة حظر جوي في سورية، ذلك أن مثل هذا الخيار سوف يعني الدخول في مواجهة مع أنظمة الدفاع الجوي التي نشرها الروس، اعتباراً من أيلول/ سبتمبر 2015، في عدد من المناطق السورية.

وفي الأصل، هناك عدد كبير من منظومات الدفاع الجوي، روسية الصنع، في سورية.

وتشير الدراسات الدولية إلى أن لدى سورية، في الوقت الراهن، واحدة من أكثر منظومات الدفاع الجوي كثافة في آسيا والشرق الأوسط. وقد جرى تصميم هذه المنظومة لتغطي مسارات الدخول التقليدية للبلاد، من البحر الأبيض المتوسط في الغرب، وإسرائيل في الجنوب.

وتضم شبكة الدفاع الجوي السورية منظومات صواريخ أرض جو للارتفاعات المنخفضة، وأخرى للارتفاعات المتوسطة والعالية.

ويوجد في عموم سورية أكثر من 2000 مدفع مضاد للطائرات، وأكثر من 4100 صاروخ أرض جو من عيار يزيد على 100 ملم.

وتتركز أنظمة الدفاع الجوي على مستوى القطر السوري في ستة مواقع، هي: محيطا حلب وحماة، ودمشق، ومنطقة الساحل، وقاعدة طياس، وتخوم هضبة الجولان.

وخلال العقد الماضي، جرى مدّ الدفاعات الجوية السورية إلى المحافظات الشمالية الشرقية، استعداداً لأي هجوم قد يأتي عبر الأجواء العراقية. وفي العام 2012، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية حينها، الجنرال مارتن ديمبسي: إن الدفاع الجوي السوري يُعد أكثر تطوّراً بخمس مرات مما كان لدى ليبيا عام 2011، ويُماثل عشر مرات ما خبره حلف شمال الأطلسي (الناتو) في صربيا.

وقد جاء حديث ديمبسي في جلسة استماع للجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي في آذار/ مارس من ذلك العام.

وتقييم ديمبسي هذا هو الأكثر وضوحاً من نوعه.

وعلى صعيد الأنظمة الأساسية التي تتكون منها شبكة الدفاع الجوي السورية، حصلت دمشق على النسخة الأخيرة من نظام (Buk-M2E / SA-17) المعروفة في تصنيف حلف الناتو باسم (SA-17 Grizzly) لتضاف بذلك إلى النسخة السابقة من هذا النظام، الموجودة بالفعل، وهي (Buk M1)، وتسميتها لدى الناتو هي (SA-11 Gadfly). وهذا النظام تحديداً، تعتمد عليه سورية في تأمين عدد من مسارات العاصمة دمشق. وقد مثل الحصول عليه أهم تطوّر في واردات سورية العسكرية في السنوات الأخيرة، كما شكل في الوقت ذاته أحد أبرز المنعطفات في العلاقات السورية - الروسية.

ونظام (Buk-M2E) هو نظام دفاع جوي متوسط المدى، ذو وظائف متعددة، يُمكن حمله على كل من المركبات المجنزرة والمدولبة. وهو مخصص للاشتباك مع الطائرات التكتيكية والاستراتيجية، والصواريخ الجوالة والباليستية، ويُمكنه التتبع والاشتباك مع 24 هدفاً في وقت واحد، ضمن مدى 54 كيلومتراً.

وأياً تكن السياقات الفنية التي يُمكن الوقوف عليها على هذا المستوى، فإن فكرة إقامة منطقة حظر جوي فوق أية منطقة من مناطق سورية تعني عملياً اندلاع حرب جديدة، من شأنها زيادة الخسائر البشرية، والدفع بمزيد من المدنيين نحو التشتت والضياع.

إن المطلوب اليوم هو الذهاب نحو المقاربات السياسية، والتأكيد عليها من قبل الأسرة الدولية عامة، لأنها السبيل الواقعي الوحيد لحماية المدنيين، وعودة اللاجئين والنازحين إلى مساكنهم، وحماية سورية بكل سكانها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
احييك
أبو العلاء -

مقال مفيد و هو موضوع كنت قد قدمت عنه شرحاً لبعض الأصدقاء الذين كان لديهم غموض و بعضهم عدم فهم ماذا يعني منطقة حظر جوي. شكراً لك للمقال و شكر آخر لخاتمته الرائعة. أبو العلاء اللاذقية

hello
Samer -

انظمة الرصد الجوي الروسية حسبما يقول الكاتب وجدت في ٢٠١٥ لماذا الامريكيون لم يعملوا حظر جوي عام ٢٠١٢ او ٢٠١٣؟...في شمال العراق ايام صدام عملوا حظر جوي ١٠ سنوات علما انه لم يقتل او يشرد هذا العدد