أهمية قمة الرياض
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
فواز العلمي
لعل الإقليم العربي يقتبس من دول جنوب أميركا قصة نجاح اتحادها، للنهوض باتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى "جافتا" التي وقعتها 18 دولة عربية في 1997، بهدف تحرير التجارة بينها، وتخفيض رسومها الجمركية
&
خلال المؤتمر الأول لقمة الدول العربية والجنوب أميركية، المنعقد بتاريخ 10 مايو 2005 في مدينة "برازيليا" عاصمة البرازيل، تم الاتفاق بين قادة 22 دولة عربية ونظرائهم في 12 دولة جنوب أميركية على عقد هذه القمة مرة واحدة كل ثلاث سنوات، حيث استضافتها العاصمة القطرية "الدوحة" في دورتها الثانية بتاريخ 31 مارس 2009، ثم انتقلت إلى مدينة "بيرو" عاصمة ليما بتاريخ 2 أكتوبر 2012، واليوم تستضيفها العاصمة السعودية "الرياض" في دورتها الرابعة.
في خضم الأحداث المتتالية العاصفة بالمنطقة العربية، تصبح قمة الرياض اليوم الملتقى الأهم للتنسيق بين دول المنطقتين، والآلية الأفضل للتعاون بين أجهزتها في المجالات الاقتصادية والثقافية والعلمية والتقنية وحماية البيئة والسياحة، خاصة أن الترابط بين شعوب المنطقتين يتميز بالعوامل المشتركة والتحديات المتشابهة.
وبينما كان إعلان "برازيليا"، يركز على محاور التنسيق السياسي والتكامل الاقتصادي والتعاون الثقافي بين المنطقتين، تركز قمة الرياض اليوم على تعزيز الشراكة الاستراتيجية ودعم التبادل التجاري والاستثمارات النوعية بين المجموعتين، خاصة أن حجم التبادل التجاري بين الجانبين قفز 5 أضعاف خلال 10 سنوات، من 6 مليارات دولار أميركي في 2005 إلى 30 مليارا في نهاية 2014.
جدول أعمال قمة الرياض يتضمن كثيرا من القضايا السياسية، خاصة أن الجانب العربي يركز على القضية الفلسطينية، وتطورات الأوضاع في سورية واليمن وليبيا، بينما تركز دول أميركا الجنوبية على قضية جزر الفوكلاند، المتنازع عليها بين الأرجنتين وبريطانيا، وقضية الديون السيادية وعلاقتها بالروابط السياسة الدولية.
&
كما سيطلع الإقليم العربي على نجاح اتحاد دول "ميركوسور"، المكون من الأرجنتين والبرازيل وأوروجواي وباراجواي وفنزويلا، والبالغ عدد سكانه 230 مليون نسمة، ليصبح أول تكتل اقتصادي بين الدول النامية في العالم.
في العقد الماضي، جذب اتحاد "ميركوسور" ثاني أكبر قدر من الاستثمارات الأجنبية في العالم بعد الصين، وفاق حجم ناتجه الإجمالي قيمة تريليون دولار، وأصبحت دوله الخمسة من أغني مناطق العالم بالمعادن والثروات الهيدروكربونية.
ولتحقيق نجاحاته قام اتحاد "ميركوسور" بربط دوله باتفاقية السوق المشتركة، وبادر بتحرير التجارة فيما بينها عبر التخفيض التدريجي للرسوم الجمركية والعوائق الحمائية، ليرتفع حجم التبادل التجاري بين دول الاتحاد 10 أضعاف خلال 10 سنوات.
لعل الإقليم العربي يقتبس من دول جنوب أميركا قصة نجاح اتحادها، للنهوض باتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى "جافتا" التي وقعتها 18 دولة عربية في 1997 بهدف تحرير التجارة بينها، وتخفيض رسومها الجمركية، والتخلص من عوائقها الفنية.
ولعدم تطبيق أحكام هذه الاتفاقية تراجعت قيمة التجارة البينية العربية بنسبة 13%، ما أدى إلى فقدان العالم العربي لكثير من فوائدها التي من أهمها التوسع في حجم أسواقها، وزيادة فرصها الاستثمارية، وتنظيم أنظمتها التنافسية وتعزيز قدراتها الاستيعابية والتطويرية، إلى جانب خسارة الإقليم العربي فوائد تحقيق التكامل الاقتصادي والتحرير الشامل لتجارة السلع والخدمات وضمان الاستثمارات.
ولعل إقليمنا العربي يستفيد من تميز موقع دوله التي تطل على أهم معابر الملاحة الدولية، مثل جبل طارق ومضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب، مثلما استفادت دول إقليم جنوب أميركا من تميز موقعها الذي يطل على أهم معابر الملاحة بين القارتين الأميركيتين وهو مضيق بنما، لتصبح هذه المعابر أكثر الطرق الملاحية تحكما في نقل السلع بين دول العالم، وأعظمها فائدة وأقلها تكلفة للتجارة العالمية، ما يؤهل الإقليمين إلى تشييد أكبر الموانئ التجارية، وتصنيع أضخم الناقلات العملاقة.
ولعل الدول العربية تستفيد من تعاونها مع دول أميركا الجنوبية، لما لدى اتحاد "ميركوسور" من تجربة غنية في تغليب الاقتصاد على السياسة، وتفضيل التصنيع على الاستيراد، وإصلاح الدعم لمحاربة التضخم، وتخفيض سيطرة الدولة على الاقتصاد المحلي، خلال خصخصة المشاريع العامة، والتحول إلى التجارة الحرة وفقا لآليات السوق.
ولعل الإقليم العربي يستفيد من خبرة دول اتحاد "ميركوسور" في كيفية الارتقاء بالتقنيات البيئية، وإنتاج السلع الزراعية المقاومة للجفاف، وتحصين مشاريع التنمية المستدامة، لتكون مجالا حيا للتقارب بين الإقليمين، خلال إنشاء المشاريع المشتركة، واستخدام الإمكانات المتعددة المتوافرة، وتوجيه مقوماتها الاقتصادية لتوثيق وتنمية هذه العلاقات وتطويرها وتبادل خبراتها ونتائج أبحاثها.
ولعل العالم العربي يطلع على تقارير صندوق النقد الدولي الذي يتوقع أن تتربع الصين عام 2030 على عرش أكبر اقتصاد عالمي، بناتج محلي إجمالي يفوق 83 تريليون دولار، لتتفوق بذلك على أميركا التي ستحتل المرتبة الثانية بناتج محلي إجمالي يساوي 34 تريليون دولار.
أما اليابان فستتراجع إلى المرتبة الرابعة بعد الهند التي ستحتل المرتبة الثالثة بناتج محلي إجمالي يصل إلى 26 تريليون دولار.
وأخيرا، لعل عالمنا العربي يقرأ تقارير التجارة العالمية التي أكدت أن قريتنا الكونية لن تضم بعد عقد من الزمن سوى 3 تكتلات اقتصادية ضخمة، يستحوذ أولها على 33% من الاقتصاد العالمي ويضم دول الأميركتين، ويشكل الثاني 32% من الاقتصاد العالمي ويضم دول الاتحاد الأوروبي، بينما يشكل التكتل الثالث 23% من الاقتصاد العالمي ويضم دول شرق وجنوب آسيا، والذي يعرف بتجمع آسيان.
وما يتبقى من قيمة الاقتصاد العالمي المتناثر الذي لا تزيد نسبته عن 12%، فسيكون من نصيب الدول الأفريقية الفقيرة ودول الشرق الأوسط المتناحرة التي أخفقت في إطلاق تحالفاتها الاقتصادية وشراكاتها التجارية.
من هنا، جاءت أهمية قمة الرياض اليوم، فلنستفد منها.
&