مذبحة باريس.. بعض الآثار الاجتماعية ـ السياسية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
&بهجت قرني
الشاب المصرى على وليد عبد الرازق ترك والدته الموجودة معه فى باريس ليذهب بمفرده لرؤية مباراة كرة القدم الودية بين فريقين مهمين : فرنسا وألمانيا.لم يعد. لأنه أصبح جزءا من الهجوم الانتحارى على الاستاد، وترددت الأنباء عن موته ثم قيل بعد ذلك انه الآن فى أحد المستشفيات الباريسية بين الحياة والموت فى العناية المركزة.
حكاية وليد تشكل تجسيما للإرهاب الأعمى فى أقوى صوره. لاتزال الأخبار ـ حاليا وحتى كتابة هذه السطور ـ عامة وينقصها الكثير من التفاصيل الأساسية، فبالرغم من إعلان تنظيم الدولة الإسلامية عن تبنيه هذه المذبحة، فلا نعرف بالضبط أية معلومات بعد عن شخصية وجنسية المهاجمين أو الانتحاريين : كم عددهم ؟ كيف دخلوا فرنسا ؟ المعدل أو النسبة بين الأجانب والفرنسيين ؟ جذورهم وتوجهاتهم الحقيقية ؟ كيف تم تجنيدهم لهذه المذبحة، وبالذات كيف تم هذا التنسيق بينهم ليتم الهجوم والقتل فى أكثر من مكان فى العاصمة الفرنسية فى نفس الوقت تقريبا، بل حتى لا نعرف بعد عدد القتلى النهائى لهذه المذبحة : فهو يتراوح بين 129 و153، ولكن مع عدد الإصابات الكبيرة والخطيرة، فالعدد سيزيد. سنسمع الكثير من الأخبار مع تقدم التحقيق، ليس فقط من السلطات الفرنسية، ولكن على مستوى العالم. وفى الحقيقة فإن ردود الأفعال التلقائية التى تصلنى من بعض الأصدقاء الأجانب ـ خارج فرنسا ـ تؤكد أن العالم فى معظمه يشعر أن هذه المذبحة تهدده داخل مسكنه، فقد كتب لى صديق إنجليزى أنه يتردد الآن فى الذهاب مع أولاده إلى مطعم ! بالتأكيد ومع مرور الأيام، سيقل مثل هذا الخوف المبالغ فيه داخل الجماهير العادية، ولكن أطفال الخارج لن ينسوا حالة الرعب التى يشعر بها أهاليهم فى فرنسا وخارجها، وخاصة الربط بين هذه المذبحة ومايعتقدون أنه السلام والمسلمين.
نحن إذن على أبواب موجة جديدة من العنصرية القبيحة من داخل المجتمعات الأوروبية نفسها وليس فقط من داخل الأجهزة الحكومية وسلطات الأمن، وسيزيد عدد الإجراءات المقيدة للحريات ضد المهاجرين العرب وحتى المواطنين الأوروبيين من أصل عربي، وتزداد نظرات الاتهام ضد كل رموز الاسلام من حجاب ولحية. على المستوى الشعبى الأوروبى والغربى عموما نحن على أبواب مرحلة صعبة قد تتأثر فيها العلاقة حتى بين الأصدقاء ذى الأصول العرقية المختلفة، وحتى بين الأطفال داخل المدرسة الواحدة. هل ستكون المؤسسات الإسلامية فى الداخل الأوروبى وخارجه على مستوى الحدث وحماية صورة الإسلام والمسلمين ؟ هذا هو فى الواقع سؤال يؤرق الكثيرين داخل المجتمع الأوروبى الذى يشعر بعض أعضائه أن الفجوة ستزيد بين مواطنيه المسلمين وغير المسلمين. يجب أن نتذكر أن فى فرنسا نفسها، يبلغ عدد المواطنين الفرنسيين ذى الديانة الإسلامية أكثر من خمسة ملايين، أى مايوازى أربعة أضعاف الكويتيين أو واحد وعشرين مرة القطريين، وهذا مايجعل الاسلام الدين الثانى بعد المسيحية فى فرنسا، ويسبق اليهودية بمراحل. الفجوة الاجتماعية المتوقعة إذن جد خطيرة، وسيتم استغلالها من جانب البعض الى أقصى حد. وهذا يأتى بنا إلى سؤال رئيسى : إذا كانت النتائج السلبية واضحة، فهل هناك مستفيد من هذه المذبحة ؟ هناك على الأقل طرفان :1 ـ اليمين الأوروبى المتطرف ويمثله فى الداخل الفرنسى حزب الجبهة الوطنية بقيادة السيدة مارى لوبين، والتى ورثت هذا الحزب عن والدها جان لوبين. وبالرغم من الخلافات الشديدة بين الأب وابنته فى الفترة الأخيرة، إلا أن الأساس العنصرى الصريح هو همزة الوصل بينهما. سيتم تدعيم هذا الأساس العنصري، وخاصة ضد الاسلام والمسلمين من المواطنين الفرنسيين، وسيزداد التأييد لهذا الحزب، خاصة من جانب بعض الشخصيات المرموقة مثل نجمة الإغراء الفرنسية العجوز بريجيت باردو. فى الواقع وحتى إذا لم يصل هذا الحزب الى الحكم وتأليف وزارة بمفرده، فإن عدد أعضائه فى البرلمان الفرنسى سيزداد وبالتالى سيزداد تأثيره على السياسة الداخلية والخارجية الفرنسية، وليس من المستبعد كلية أن تنافس رئيسة الحزب ـ مارى لوبين ـ أقطاب المرشحين فى الانتخابات الرئاسية القادمة.وبما أن التواصل الشعبى بين المجتمعات الأوروبية هو فعلا قوي، فقد يمتد انتصار اليمين الفرنسى المتطرف إلى العديد من الدول الأوروبية
2 ـ المستفيد الثانى هو بلاشك نظام بشار الأسد، وفى الحقيقة ستستقوى كل النظم السلطوية أو حتى الأجنحة شديدة السلطوية داخل بعض الأنظمة المنفتحة نسبيا. فبالاضافة إلى الشماتة التى بدأ يُعبر عنها نظام بشار وأصدقائه، هناك اللعب على أن هذا النظام يجب بقاؤه وحتى تدعيمه، لأن بديله من الدولة الإسلامية هو أكثر وحشية وبربرية. فى هذا السياق البربرى والدامي، يبدو نظام بشار أقل دموية نسبياً وحتى مبررا فى أفعاله. استخدام فزاعة تطرف الدولة الإسلامية وأساليبها المقززة ـ داخلياً وخارجياً ـ سيؤدى إلى تدعيم التوجهات السلطوية وظهورها كأنها المدافع ضد هذا الوحش البربرى ومحاولة كسره، وسيجد نظام بشار الكثير من الدعم ليس فقط من روسيا، ولكن من أصدقاء جدد على المستوى الأوروبي.
إذن على المستوى السياسى والاجتماعي، تواجه العلاقات الأوروبية ـ العربية امتحانا عسيرا أمام فعل بربرى ورد فعل متطرف قد يصبح بربريا أيضا.