جريدة الجرائد

أوروبا خائفة... ونحن كذلك

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

جمال خاشقجي

أوروبا خائفة، قلقة، متحفزة، تبحث عن حل لأزمتها مع تنظيم &"داعش&"، الذي يمكن أن يضرب في أي مكان، ونحن كذلك، قلقون خائفون، فبقدر ما يهدد &"داعش&" أوروبا والعالم فهو يهددنا أيضاً، ومثلما انهارت لديه أخلاقيات القتال، فبات يهاجم أهدافاً رخوة، يستحيل حمايتها على مدار الساعة، فهو يفعل الشيء نفسه في عالمنا، فيستهدف المساجد. ومثلما استهدف مدنيين في &"استاد دو فرانس&" لأنهم صوتوا لحكومتهم فباتوا في نظره ووفق فقهه المشوه شركاء في الحرب، فقد يأتي يوم يستهدفون فيه مدنيين في استاد الجوهرة في جدة، لأن الشعب السعودي مؤيد لحكومته ضدهم. إنه المنطق الأعوج نفسه، وهي مسألة وقت، أن يتمكنوا من السلاح والمتفجرات، وأن يغفل عنهم الأمن. وعندما يتلاقى الحدثان يحصل الانفجار.

&

لكن بينما تخشى أوروبا &"داعش&" فقط، نحن نخشى أيضاً حال الفوضى والانهيار التي يعيشها عالمنا، ونخشى أن يمتد علينا قتلانا في المشرق العربي أكثر، ونستطيع أن نرسم بصورهم أكثر من لوحة مثلما فعل الإعلام الفرنسي بصور قتلى اعتداءات باريس. قتلانا أكثر وقاتلوهم أكثر تنوعاً، ولا يقتصرون على &"داعش&" فقط، وإنما يشمل طابورهم أنظمة وجيوش الاستبداد التي يزعم &"داعش&" أنه خرج للانتقام منها. قوائم قتلانا لا تتوقف، وتزداد بوتيرة أسرع. تثير فينا الخوف من المستقبل، وكثيراً من الحزن، لكنها وقود للمتطرفين منا، يجندون بها الأنصار الجدد تحت لافتة الانتقام للشهداء.

&

لذلك يجب أن يكون هناك تحالف أوروبي مع دول المنطقة، ليس فقط للحرب على &"داعش&"، وإنما للحرب على حال الفوضى السائدة التي ستستمر في إفراز المزيد من &"داعش&" ما لم نوقفها.

&

لكن أوروبا، وتحديداً الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، لا تزال تركز على العدو الظاهر المباشر تنظيم &"داعش&"، بخلاياه المنتشرة في أوروبا، ومقره في الرقة. تقصفه، تقتل بعضاً من رجال التنظيم المتوحشين، ومعهم بعضاً من المدنيين، فينشر &"داعش&" صور المدنيين، ويزداد الغضب.

&

يتمنى هولاند لو نحّت الولايات المتحدة وروسيا خلافاتهما واتحدتا لمواجهة التنظيم. من الواضح أنه، وتحت وقع صدمة الاعتداءات، يميل إلى التفسير الروسي للأزمة &"حاربوا داعش&"، لذلك هناك حاجة إلى مقاربة أخرى أوسع وأشمل، تقوم على محاربة الأسباب المنتجة لها، وهي ليست مجرد خطاب متطرف يمكن معالجته بإلغاء منهج دراسي أو منع &"داعية&" من زيارة فرنسا، ولا حتى بغارة تقضي على &"الخليفة&" البغدادي نفسه. بالتأكيد سيوفر ذلك مانشيتاً رائعاً للصحف الفرنسية، تعقبه كلمة لهولاند يلوح فيها بيده ويقول: &"انتصرنا&"، لكن &"داعش&" ليس البغدادي، فلديهم مخزون جيد من الرجال الملتحين الذين يحفظون بعضاً من القرآن والأحاديث النبوية، فيصعد أحدهم إلى المنبر ويعلن نفسه خليفة الخليفة وسط تهليل وتكبير أنصاره.

&

إنها حال الفوضى والفشل والانهيار السياسي والمجتمعي الذي يعيشه المشرق العربي ممتداً غرباً حتى ليبيا. إنه نتاج نظام بشار الأسد الذي يقتل شعبه منذ أربعة أعوام، والذي أعلن هولاند غير مرة أنه فقد شرعيته، ولكن لم يوقفه عند حده. إنها براميله المتفجرة التي تسقط على السوريين في أسواقهم وأحيائهم. إنها الميليشيات الطائفية الآتية من خارج سورية لتقاتل أبناء الغالبية الرافضة لحكم الأقلية. إنها مخاوف سُنّة العراق من أن تتمدد حكومة بغداد الطائفية وحشدها الشعبي المتطرف للسيطرة على مناطقهم فتهينهم وتعتدي عليهم. إنها المعتقلات التي تضم عشرات الآلاف، وإلغاء الحقوق المدنية، وإطلاق الرصاص على المتظاهرين السلميين. إنه كذب الإعلام وتحويل القضاء من ملجأ للمظلومين إلى أداة للاستبداد والقهر. إنها باختصار مصادرة آمال الشعوب العربية التي انتفضت في ربيعها قبل أربع سنوات تريد ديموقراطية وعدالة وعيشاً كريماً.

&

نعم، &"داعش&" لا يريد ديموقراطية ولا حريات، لكنه البديل للغاضبين الباحثين عن &"الحكم الراشد&"، فتوهموه فيه بعدما غلقت عليهم البدائل الأخرى، واقتصرت خياراتهم ما بين المستبد أو المعتقل أو الهجرة إلى أوروبا على قارب موت. لكنه لا يستحق أن يكون الخيار المتبقي للعربي المسلم. إنها فكرة مقيتة ستبقى معنا في مختلف تشكلاتها &"السلفية الجهادية&"، لكن لا يجوز أن تنتشر بهذه القوة وتحظى بكل هذه الجاذبية.

&

لقد صنعت أوروبا المشرق العربي الحديث قبل 100 عام، وها هو ينهار الآن، وحان الوقت لأن تعود إليه لتشارك القوى القادرة فيه على إصلاحه، ليس لأنها مسؤولة عنه فهي لم تعد كذلك، وليس شوقاً لزمانها الإمبريالي، وإنما لأن المشرق هو من يعود إليها، إرهاباً ولاجئين.

&

في المشرق العربي توجد قوتان قادرتان على إحداث الإصلاح الشامل المطلوب، هما السعودية وتركيا. لكنهما تعانيان من &"التردد الأميركي&" مثل أوروبا. وسيكون تشكيل تحالف بين هذه القوى الثلاث كفيلاً بحسم تردد أميركا وجلبها إلى خطة عالمية لاستئصال &"داعش&"، تبدأ بقراءة صحيحة للتاريخ وتقوم على احترام رغبة الشعوب بالحرية والأمن والمشاركة السياسية، ما يعني عدم حماية نظام أقلية مستبد كنظام بشار الأسد، ومساعدة الشعب السوري في تشكيل حكومة وطنية، يكون رجالها هم القوى الكفيلة بالقضاء على &"داعش&" من دون الحاجة إلى إرسال جنود فرنسيين أو أوروبيين للقتال هناك، وهم بالتأكيد لا يريدون ذلك، ما يوفر على فرنسا كلفة غارات جوية على معاقل &"داعش&" لا تنهيها، وإنما قد توقع قتلى أبرياء يستخدم مأساتهم التنظيم وقوداً لدورة عنف أخرى في شوارع باريس.

&

دعت السعودية إلى حكم ديموقراطي وانتخابات في سورية. تعلم المملكة أن بلداً تعددياً ثار شعبه من أجل الحرية، لن يقبل بحكومة إسلامية سلفية مثلما تدعو بعض الفصائل هناك، ولا حكم أقلية طائفي ومستبد مثلما تريد إيران وروسيا. كلاهما وصفة لحال عدم استقرار، إذ سترفض بقية مكونات الشعب أي رؤية فئوية ضيقة، والحل في حكومة تعددية ديموقراطية يجد الجميع مكاناً فيها.

&

رؤية المملكة وأوروبا متشابهة حيال الأزمة السورية، لكن ينقصها اتخاذ القرار والبدء بتنفيذه، والتحرر من التردد الأميركي. لكن يجب أن يدرك الأوروبيون أن عدونا وعدوهم الحقيقي ليس &"داعش&" فقط، وإنما حال الفوضى والسقوط في المشرق العربي.
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
وانت مالك !!
جنان -

مقرب من القرار السعودي إي... بس مالك ومالنا وأنت اش علاقتك بسوريا لتتكلم عنها...اش علاقتك بالعراق...اتكلم على مناهج التطرف والتكفير الموجود ببلدك ، وبلدك هو المنبع لكل ما يحدث بالعالم اليوم من تطرف اعمى و قتل اهوج وصل لبنجلادش... وما علاقة بشار بسيناء المصرية وبليبيا وبنجلادش .سوريا كانت علمانية وتعيش بسلام ، ثم جاءت رغبة بلدك بنهاء سوريا العلمانية لصالح تغيير تابع لبلدك فحل ماحل...لو واجهت السعودية لشهر واحد ما واجهت سوريا لتفككت .سوريا العلمانية لها مؤيدين من الشعب وإلا لما بقيت ، مستحيل ان تبقى دولة وعلى الأرض من يحارب فيها اجانب فقط...دماء السوريون والعراقيون والفرنسيون وكل الضحايا برقبتكم وبرقبة قطر ، حكام وكتاب واعلام ودعاة ما يسمون برجال دين

الذين ضلّت عقولهم
عبدالله العثامنه -

داعش أوهن من بيت العنكبوت ولا قيمة له البته في الحسابات الاستراتيجيه لأن الذي له قيمة هو الثابت الراسخ أما الذاهب المتحول فيسهل انهاءه والقضاء عليه وربما انتهى لوحده لأنه مجرد لعبه يُلعب بها وبعد الانتهاء منها تُلقى جانبا وتداس بالأقدام ، هو تافه لكن الذي اخترعه أتفه منه،، الأوروبيون لم يكونوا خائفين نحن الذين كنا نتقلب في نعمة الخوف لوحدنا لكنهم الأن يتقلّبون معنا في نفس النعمه ،، حين تهاونّا في الدم السوري والعراقي جاءنا الخوف من كل مكان فصارت خشية داعش ثانويه مقابل الحشود والجيوش والأساطيل والحملات الصليبيه التي تتبع بعضها بعضا،، الأوروبيون لا يريدون أن يروا ارهاب ايران وحوثييها وحشدها الشعبي وفصائلها الطائفيه التي تذبح أكثر من داعش في كل المنطقه ولا يريدون أن يعترفوا أن خطر داعش بعضٌ من خطر الأسد وفرع منه لكنهم وبرغم هذا راحوا يحاربون الفرع ويتركون الجذع ،،، النفاق العربي جرّ نفاقاً اوروبياً والنفاق الأوروبي جرّ نفاقاً دولياً لذا تراهم يجتمعون هنا وهناك ويسرفون في تبذير الجهد والوقت والمال من أجل التمويه على المشكله الأساسيه ! وشعوبهم تعرف أنهم يموّهون ويُضللون لكنهم اعتادوا على النفاق فصار جزءاً من حياتهم،، هناك مصيبه تحدث ونحن غافلون عنها وهي أن الدول الراعيه للارهاب أسست لعهد جديد من الحروب الخفيه التي تنتفخ وتنتفخ وتنتفخ لتصبح حروباً حقيقيه بعدما ضاقت الشعوب ذرعا بالنفاق وأهله لأن الأحزاب والمعارضات والتيارات السياسيه في أوروبا وأمريكا وغيرها لم تعد تحتمل السكوت عما يجري فوجدت دالة على الحكومات وأصحاب القرار وراحت تزدريهم وتضيّق عليهم وتحاصرهم مقدمة لأحداث جسيمه تنذر بفوضى خلّاقه عندهم مثل فوضتنا الخلّاقه، يعني صرنا نصدر لهم الفوضى التي صدّروها الينا عن غير قصد "جزاءاً وفاقا"،، لا نقول ذوقوا من نفس الكأس ولكن لو سكرتم معنا سكرة واحدة لطاشت أحلامكم وضلّت عقولكم .