17 ثانية غيرت قواعد المواجهة في سوريا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عثمان ميرغني
17 ثانية مجنونة أو ربما محسوبة وضعت العالم على شفير واحدة من أخطر الأزمات، إلى حد أن بعض الناس بدأوا يتحدثون عن مقدمات حرب عالمية ثالثة، وإن كان هذا الاحتمال يبدو ضعيفًا حتى الآن. فوفقًا للرسالة التي بعثت بها تركيا إلى الأمم المتحدة لإبلاغها بتفاصيل واقعة إسقاط الطائرة الحربية الروسية على الحدود السورية &- التركية فإن طائرتين روسيتين من طراز &"سوخوي 24&" دخلتا المجال الجوي التركي بعمق 1.36 ميل ولمدة 17 ثانية، وإن تركيا حذرت الطائرتين أكثر من عشر مرات قبل أن تقوم طائرة &"إف 16&" تركية بإطلاق صاروخ أسقط إحداهما في منطقة جبلية داخل الحدود السورية.
هذه الثواني القليلة ستكون لها تداعيات كبيرة، فهذه هي المرة الأولى منذ خمسينات القرن الماضي التي يسقط فيها بلد عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) طائرة روسية. كما أن إسقاط الطائرة الحربية جاء في وقت عادت فيه أجواء الحرب الباردة تلبد الأجواء بين الغرب وموسكو، وبينما روسيا بوتين لا تزال تحت تأثير صدمة وضغوط إسقاط طائرة الركاب في سيناء نهاية الشهر الماضي نتيجة انفجار قنبلة وضعت داخلها وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدا غاضبًا أول من أمس وهو يحذر من أن روسيا لن تغمض عيونها &"إزاء جرائم مثل تلك التي ارتكبت اليوم&"، وذلك في إشارة إلى إسقاط الطائرة الحربية ومقتل طياريها أو أحدهما أثناء أو بعد هبوطهما بالمظلات إثر إصابة الطائرة بالصاروخ التركي. بوتين وصف الواقعة أيضًا بأنها &"ضربة لنا من الخلف من قبل شركاء الإرهابيين&"، موجهًا بذلك اتهامًا صريحًا إلى حكومة رجب طيب إردوغان بأنها داعم وشريك &"للإرهابيين&" في سوريا.
وعلى الرغم من إعلان حلف الناتو تضامنه مع أنقرة، وإعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما أن تركيا مثل كل الدول لها الحق في حماية أجوائها وحدودها، فإن اللهجة الطاغية من الدول الغربية كانت هي الدعوة لوقف التصعيد وانتهاج الوسائل الدبلوماسية لمعالجة الأزمة، وحث أنقرة على التواصل مع موسكو لتدارك الأمور ومنعها من التدهور إلى مواجهة عسكرية أكبر. فهناك توقعات واسعة بأن موسكو سترد بعمل ما ضد تركيا، ويبقى الأمر متوقفًا بعد ذلك على حجم هذا العمل وما إذا كانت حكومة إردوغان ستعتبر الأمر منتهيًا بذلك، أم أنها ستصعد مرة أخرى وتضع حلف الناتو أمام امتحان عصيب، والعالم على شفير مواجهة خطرة.
تركيا على ما يبدو كانت متربصة ومتأهبة منذ التدخل العسكري الروسي المباشر في الأزمة السورية وبدء موسكو غارات جوية على مواقع تنظيمات سورية معارضة تدعمها أنقرة علنًا أو سرًا. فقبل يوم واحد من إسقاطها للطائرة الحربية الروسية طالبت حكومة إردوغان روسيا بوقف غاراتها على مواقع التركمان في سوريا الذين يشكلون أحد فصائل المعارضة السورية وتدعمهم تركيا معنويًا وعسكريًا وسياسيًا من منطلق الروابط الإثنية ومن واقع حساباتها الاستراتيجية في الأزمة السورية. وكانت أنقرة قد دعت أيضًا الأمم المتحدة لعقد اجتماع لبحث القصف الروسي &"للمدنيين&" في المناطق التركمانية السورية. فمثلما دعمت التركمان في العراق قبل ذلك، تقدم أنقرة دعمها اليوم لتركمان سوريا، وقد تفكر أنه إذا تفككت سوريا في إطار الصراع الداخلي، والطائفي، والإقليمي، والدولي، الدائر على أراضيها وحول مستقبلها، فإن التركمان السوريين سينسلخون بأراضيهم للانضمام إلى تركيا لتضيف بذلك أراضي جديدة إلى تبعيتها بعدما انتزعت في الماضي منطقة لواء الإسكندرون من سوريا.
فإذا كانت لروسيا حساباتها في الأزمة السورية، فإن أنقرة لديها أيضًا حساباتها وتلعب دورًا مباشرًا فيها، سواء على صعيد التركمان، أو في موضوع الأكراد، وقصف مواقع حزب العمال الكردستاني، أو على صعيد المطالبة برحيل الأسد، ودعم تيارات معينة في المعارضة السورية. وبسبب ملابسات وتعقيدات دورها واستراتيجياتها في سوريا فقد تعرضت حكومة إردوغان لانتقادات حتى من &"حلفائها&" في الغرب الذين اتهموها بتسهيل مرور الملتحقين بـ&"داعش&"، أو بإغماض عينيها عن تهريب &"الدولة الإسلامية&" المزعومة للنفط من سوريا عبر أراضيها. الرئيس الروسي كرر هذه الاتهامات لتركيا أول من أمس عندما اعتبرها &"شريكة للإرهابيين&" وداعمًا لـ&"داعش&"، ملمحًا إلى أن استهداف أنقرة لطائرة &"سوخوي&" كان عملاً انتقاميًا بعد قيام الطائرات الروسية بشن غارات مكثفة على خطوط التهريب التي يستخدمها &"داعش&" لنقل النفط وبيعه عبر الأراضي التركية.
في ظل ازدحام الأجواء السورية بالمقاتلات والأجندة المتباينة، فإن وقوع حادثة أو مواجهة من نوع ما، ربما كان متوقعًا، لكن السؤال المقلق: إلى أين ستتجه الأمور من هنا؟ هناك مساعٍ محمومة لمنع انفلات الأمور بعد إسقاط المقاتلة الروسية، لكن قواعد اللعبة والمواجهة تغيرت حتمًا ودخلنا منعطفًا خطيرًا. وللأسف فإن اتفاق فيينا ومساعي الحل في سوريا، أول الضحايا، مما يعني استمرار المعاناة للسوريين.