التبرير الديني للعنف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
&محمد بن سعود المسعود
أخطر شيء في قصة - العصابات السياسية المسلحة - التي تمارس السياسة من خلال توظيف مسميات دينية، هو السعي المجنون لتبرير القتل والعنف واستباحة المخالف لهم، وغير المنتمي إليهم..!
فقه القتل هذا لم يتوقف من لحظة ميلاده سنة خمس وثلاثين للهجرة، مرورا بالحشاشين، وتمرد حسين الصباح، الذي اعتصم في جبال عصية، يتخطف القوافل من حوله، وينكل أتباعه بكل الخارجين عن طاعته، ويكلمهم جميعا من وراء حجاب، مجهول الصفة، والنسب، والنعت .. تماما كما هو أمير "داعش" العراق اليوم .. يقاتلون ويقتلون خلف راية رجل يجهلون صفته ونسبه ونعته .. وانعدام سبب كل هذا القتل المروع للمخالفين على اختلاف المشارب والموارد.
إعلان
ما حدث في الجزائر، حين ذاك هو ذاته الذي يتكرر اليوم بكل تفاصيله، كانت رؤوس الضحايا توضع على عتبة بيوتهم، وكانت النساء يخطفن كسبايا، وكانت آلة القتل السواطير والسكاكين، وما هو أبشع وأفحش وأعظم فحشا. تماما كما هو يتكرر ويجري اليوم في العراق وسورية، وكل مكان تصل إليه أيدي الإرهاب السياسي المسلح، الذي يسقط مسميات دينية على جرائمه الكبرى ضد الإنسانية.
لم يكن لكثير منا حيلة لمنع ذاك القتل، ولا تدبير لتلافيه، ولكن كان بوسعنا من أول روح زهقت باسم الله، ومع أول نفس استباحها الأراذل المجرمون أن نعيد - صياغة المفردات الدينية، وأن نعيد تكوين الوعي الديني، وأن نجعل الإسلام بروحه المتعالية، والمحبة للخير، وأحكامه المضيئة بخدمة الخلق، ومحبة الناس جميعا .. ورحمتهم جميعا، والإحسان إليهم جميعا .. إلا أننا لم نفعل شيئا من هذا كله، ولا بعضه حتى وجدنا الذين ليس لديهم شيء يخسرونه في دنياهم، ينفجرون قتلا للمصلين والصائمين، والقائمين على حفظ أمن الناس غيلة وهم في تسبيح صلاة الفجر .. كآخر شهيدين في سيهات.. حيث كانت شفتاهما رطبتين ببقايا صلاة الفجر..!
التسامح، والمحبة للخلق، والرحمة للعالمين، رغم بساطتها وجمالها، إلا أننا سنجد الكثير من النفوس المريضة ستعجز عن حملها، وستعجز عن العيش بها في الناس .. لأنها نفوس تكره ذاتها، ومن يكره نفسه يعجز عن حب غيره، ومن يحتقر ذاته لن يكون بوسعه أن يحترم أحدا، فالذي خبث لا يخرج إلا نكدا.
لو كان لحمير المتاع هؤلاء عقيدة توحدهم، لما قتل بعضهم بعضا بعد كل فاصلة من الزمان والمكان، إنهم وعبر التاريخ يضيق عليهم الصبر حتى بلاغ المغانم، فيعاجل بعضهم بعضا القتل والغيلة والغدر..
في كل مرحلة من التاريخ يخرج على الناس القتلة والسفاحون والمرضى نفسيا بالسادية، وسرعان ما يجمع الخبث الخبائث البشرية حوله، من كل مكان كدعوة إبليس التي يستجيب لها حطب جهنم سريعا .. وبئس المهاد والمآل والمصير. ربما من الواجب اليوم ألا نفقد السيطرة ولا نضيعها، في تصويت وجهة المصطلحات الدينية، بما يفوت إعادة التوظيف السياسي لها. وأن نوجد أجيالا أكثر بصيرة بوقائع التاريخ، ومجريات الأيام، وأن الصراع على السياسة دائما يتلبس بصورة الدين.
أن نحصن العقول من فكر الخوارج من الجذور والبذور والمنابع .. والسواقي .. وبهذا لا يتكرر القتل باسم الله لأغراض سياسية.