البطالة العالمية «المتحدة»
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد كركوتي
&"البطالة أمر خارق جدا، خصوصا للعاطلين عن العمل&"
إدوارد هيث رئيس وزراء بريطاني راحل
ستظل مصيبة البطالة على الصعيد العالمي مستمرة. وبالطبع ستختلف ضرباتها من بلد إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى، وهذا الاختلاف موجود حتى ضمن البلد الواحد. هناك مناطق تكون عادة أكثر حاضنة لفرص العمل، ومناطق أخرى طاردة لمن يرغب في العمل ويسعى إليه. آفة البطالة، ليست جديدة لكنها متعاظمة، وباتت معروفة لكل شرائح المجتمع. ليس مهما أن تكون مختصا اقتصاديا أو اجتماعيا، لكي تفهمها وترى آثارها المدمرة في المجتمعات. وحتى في البلدان المتقدمة، أخفقت حكومات عدة في السابق وفي المرحلة الراهنة، في الوقوف في وجه عواصف البطالة، سواء من خلال الفشل في توليد فرص عمل، أو إصلاح نظام الرعاية الاجتماعية بصورة تسهم في دفع المتلكئين (وهم موجودون) عن العمل حتى في مناطق توفر فرصا ما.
وعلى غرار التنمية والاستدامة وغيرهما من المعايير الاقتصادية الاجتماعية، تبقى البلدان النامية من أكثر الدول معاناة من البطالة، خصوصا مع غياب أو عدم جدوى أنظمة الرعاية الاجتماعية، إضافة طبعا إلى الفشل في إعادة تأهيل العاطلين، وتكوين خبرات مطلوبة. يضاف إلى ذلك، هناك أزمة تسهم فيها الحكومات والمجتمع في آن معا، وهي ترتبط بصورة مباشرة بالخلل الفاضح بين متطلبات سوق العمل المحلية ومخرجات التعليم. وهذه وحدها ثغرة تبدو أنها لن تسد في العقدين المقبلين في غالبية البلدان النامية. غير أن حجم أزمة البطالة على الساحة الدولية، لا علاقة له بمخرجات التعليم، بل بتخبط مسار الاقتصادات بين ركود وتباطؤ وانخفاض في النمو، وتأثيرات لا تزال مباشرة للأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في عام 2008.
لا تزال اقتصادات العالم تناضل حقا من أجل التعافي من الأزمة المشار إليها. ورغم تحسن مستويات البطالة في بعض البلدان، إلا أن هذا التحسن لم يصل إلى مرحلة الاستدامة أو "الطمأنينة الاقتصادية"، خصوصا في ظل مستجدات مختلفة حدثت في الاقتصادات الكبرى المختلفة، ولاسيما في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وفي مقدمتها بالطبع أزمة اللاجئين والمهاجرين المتعاظمة التي أسهمت بصورة سيئة في الحرب ضد مكافحة البطالة. بصرف النظر عن أن بعض البلدان تحتاج بالفعل لعمالة ناقصة فيها مثل ألمانيا وبريطانيا والنرويج. وفي النهاية العالم لا يزال في مواجهة أزمة البطالة في كل البلدان دون استثناء. وتبدو البطالة مرضا عاما على الجميع، على الغني والفقير، المتقدم والمتخلف والنامي، في كل الأوقات والمواسم. فكيف الحال عندما تندلع أزمة اقتصادية في المنتصف؟ سيكون الأمر أشد تعقيدا، بل أكبر خطوة وأكثر استدامة.
يصل عدد العاطلين عن العمل عالميا إلى أكثر من 212 مليون نسمة وفق المؤسسات الدولية. وهناك بلدان لا تدخل ضمن نطاق هذا النوع من الإحصاءات لأسباب عديدة، أولها أن حكوماتها لا ترغب في الكشف عن مستوى الكارثة هذه، والثاني، يتعلق بالأوضاع غير المستقرة لعدد من البلدان، بما فيها تلك التي تشهد حروبا محلية وأهلية أو حتى إقليمية. على الصعيد العربي، تصدرت تونس القائمة بأكثر من 15 في المائة، علما بأن العالم كان يتوقع أوضاعا أفضل في أعقاب الثورة التي أطاحت نظام زين العابدين بن علي. وكذلك الأمر في مصر التي بلغت فيها البطالة 13.9 في المائة. علما بأن هناك نسبة من العاطلين تفضل عدم التسجيل حتى في القوائم المحلية، من منطلق عدم وجود أمل في أن تحظى بفرص عمل جديدة، أو حتى بمعونات مالية واجتماعية. ووفق الإحصاءات الأخيرة، نالت الكويت 2 في المائة من البطالة والبحرين 4.3 في المائة. أي أن أحدا ليس أفضل من أحد إلا من حيث نسبة عدد العاطلين ومستوى العناية بهم أثناء فترة تعطلهم. المستقبل على صعيد العمل وفرصه عالميا وإقليميا ليس ورديا، ولن يكون كذلك على الأقل في العقد المقبل. ففي اليونان (على سبيل المثال) 23.8 في المائة وإسبانيا 23.5 في المائة. صحيح أن هذين البلدين يعيشان أزمة اقتصادية أكبر من غيرهما أوروبيا، لكن الصحيح أيضا أن البلدان الكبرى ضمن الاتحاد الأوروبي تعاني المشكلات نفسها. وبشكل عام ارتفعت البطالة في منطقة اليورو من 9.6 في عام 2009 إلى 11.9 في المائة في عام 2013، وهو ارتفاع حاد جدا، في وقت كان يفترض أن هذه المنطقة مرت بمرحلة التعافي من الأزمة الاقتصادية. في حين كان أداء البطالة في الولايات المتحدة أفضل مما هو عليه في الاتحاد الأوروبي.
أما بالنسبة لبقية بلدان العالم، فالمصيبة أكبر وأكثر فلتانا. مع الإشارة إلى أن هذه البلدان تعاني تاريخيا فشل الرعاية الاجتماعية العامة، دون أن ننسى دول أوروبا الشرقية خارج الاتحاد الأوروبي. الأزمة عالمية كبيرة ومستفحلة، إضافة إلى أنها خطيرة على المدى البعيد. والخطورة لا تكمن فقط في تعاظم عدد العاطلين وتراجع مستويات الرعاية الاجتماعية لهم، بل تختص بازدياد عدد العاطلين من الفئة العمرية 15 - 24 سنة، لتصل إلى ثلاثة أضعاف نظيرتها بين الفئات العمرية الأكبر سنا. وفق المنظمات الدولية المعتمدة. ولعل اللافت أيضا أن في بعض البلدان، ترتفع بطالة الرجال عن النساء، وهذا وحده تحول غير طبيعي وخطير.