جريدة الجرائد

بوتين... بطل من هذا الزمان

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

&سامى عمارة

&&

&"إذا أردت أن تختار الطريق، فعليك اختيار الطريق الأصعب&"..


قول مأثور عن الرئيس الفرنسى الراحل شارل ديجول، اعترف الرئيس فلاديمير بوتين بانه اختاره نبراسا طالما احتذى به خلال مسيرته الطويلة التى امتدت على قمة السلطة لما يقرب من الخمسة عشر عاما.

&
... لم يكن هناك فى موسكو من يعرف بوجود فلاديمير بوتين بل ولم يكن ثمة من يتوقع أن يصل مثل هذا الشاب متوسط القامة، نحيف الجسد، الصموت الغامض، الى عرش الكرملين بمثل هذه السهولة. حتى فلاديمير بوتين نفسه لم يكن يحلم بما وصل إليه وهو الذى اعترف بأن اقصى أحلامه لم تكن تتعدى الالتحاق بجهاز &"كى جى بي&" (جهاز امن الدولة)، بعد أفكار راودته حول الالتحاق بكلية الطيران المدني.

&قال بوتين: &"إن أحدا لم يحاول تجنيده للعمل معهم على غرار تقاليد اجهزة المخابرات الحريصة على توسيع شبكة عملائها السريين والذين كشف أنهم يمدون جهاز المخابرات والأمن بما يقرب من 90 % مما يحتاجه من معلومات استنادا الى قناعات سياسية وايدلوجية&". وحرص بوتين على تأكيده لضرورة التفرقة بين ما يرد من معلومات على أساس الخيانة والرغبة فى الحصول على المال، وبين أخرى ترد استناداً الى العقيدة والفكر، فيما أشار الى أنه من المستحيل مكافحة الإرهاب والقرصنة والجريمة بدون الحصول على المعلومات وبغير الاعتماد على شبكة العملاء السريين.

&

كشف بوتين عن تاريخ التحاقه بجهاز الكى جى بي. قال ان موظفاً فى قسم شئون العاملين بكلية الحقوق طلب اللقاء معه ولم يكن قد انتهى بعد من دراسته فى السنة الرابعة اى قبل التخرج بعام ونصف فى 1975.

&

.. بدأ الملازم بوتين أو بلاتوف وهو الاسم الحركى الذى اختاره له الجهاز عمله بالفعل فى قسم السكرتارية حتى انتقل الى إدارة الامن الخارجى حيث تخصص فى متابعة ما سماها بالعناصر الأجنبية. ومضى بوتين ليقول ان المسئولين لاحظوا نشاطه ليقرروا التحاقه بجهاز المخابرات الحربية الامر الذى توجب معه انضمامه الى الحزب الشيوعى السوفيتى والذى لم يكن لأحد ان يبدأ عمله فى مثل هذه الأجهزة دون التمتع بعضويته.&

وقبل انهيار الاتحاد السوفيتى بأسابيع وكان بوتين قد عمل بجهاز الأمن والمخابرات (كى جى بي) ستة عشر عاماً، منها خمس سنوات فى ألمانيا الديمقراطية أى منذ عام 1985 مع بدء سنوات البيريسترويكا وحتى عام 1990.

&كشف بوتين عن بعض ما تعرض له إبان الانتفاضة الألمانية التى اسفرت عن سقوط &"جدار برلين&" قال ان الجماهير الثائرة احاطت بمقر المخابرات السوفيتية فى ألمانيا. واشار الى أن هذه الجماهير وبعد اقتحامها لمبنى المخابرات الألمانية حاولت اقتحام المقر دون ان تحرك السلطات السوفيتية ساكنا&". وحين خرج بوتين الى هذه الجماهير الغاضبة لسؤالهم عما يريدون خشية إقدامهم على اقتحام المبنى والكشف عن الكثير من الملفات والأسرار. وجد من يتساءل عن سر وجود سيارات بأرقام المانية محلية ما دام المبنى كما يقول يعتبر مقرا لمؤسسة عسكرية سوفيتية؟ أجاب بوتين بأن الاتفاقيات الموقعة بين البلدين تسمح بذلك ليجد آخر يتساءل عن هويته وهو الذى يتحدث الألمانية بطلاقة مما دفعه لتفسير ذلك بقوله انه يعمل مترجماً. وكشف بوتين عن انه سارع بعد ذلك بالاتصال تليفونياً بمقر قيادة القوات السوفيتية فى ألمانيا ليجد من يقول له أنهم لا يستطيعون ان يفعلوا شيئاً بدون أوامر موسكو التى تواصل التزام الصمت؟ آنذاك اعترف بوتين بأن هاجس انهيار الدولة ظل يراوده منذ ذلك الحين. وقال انه وخلال سنوات عمله فى المانيا ادرك أن مثل ذلك النظام لا مستقبل له، وان الاتحاد السوفيتى فى زوال.

&ولذا لم يقبل عرض الانتقال للعمل فى الجهاز المركزى للمخابرات فى موسكو ليعود الى لينينجراد حيث قبل الاستمرار فى العمل تحت سقف الجامعة ليعمل اعتبارا من عام 1990 فى منصب نائب رئيس الجامعة للعلاقات الدولية، وهو المنصب الذى طالما كان يشغله ممثل جهاز المخابرات الخارجية وفق مقتضيات أمن &" كى جى بي&".

&عن سيرته الذاتية قال بوتين ان طفولته لم تكن تتباين كثيراً عن حياة أقرانه، وان تميز بالرغبة فى اتخاذ مواقف تؤكد استقلاليته. كان فى حاجة الى رياضة تسانده فى شجاره مع الآخرين. اختار الملاكمة فى البداية، لكنه سرعان ما كف عن ممارستها وتحول الى مصارعة السامبا مع مدربه اناتولى راخلين الذى يواصل تدريب الصغار هناك حتى اليوم ومنها الى رياضة الجودو.&

لم نجد فى طفولة بوتين ما يثير الاهتمام... شقاوة الصغار، وحكايات الأصدقاء ومعلمى المدرسة التى تلقى فيها تعليمه أول دروس اللغة الألمانية التى كانت سلاحه الرئيسى طوال سنوات عمله فى جهاز المخابرات، والذى اعتبره شرفاً قلما يحظى به أبرز رجالات الدولة. على ان السنوات التالية كشفت عن بعض ملامح هذه الشخصية التى طالما عرف عنها الصمت والغموض. ولعل ما تناولته قرينته لودميلا فى حديثها الذى سجله أوليج بلوتسكى فى ثلاثية &"الصعود الى السلطة&" يلقى بالكثير من الأضواء على هذه الشخصية التى قفزت الى صدارة التاريخ الروسى الحديث دون مقدمات منطقية، فماذا قالت سيدة روسيا الأولي.. سابقا؟!

&&&"تعرفت على فلاديمير فلاديميروفيتش (بوتين) فى مارس 1980. وكان عمره آنذاك سبعة وعشرين عاما فيما كنت ابلغ الثانية والعشرين...&".

&

مضت قرينة المستقبل لتقول انها قررت السفر من مدينتها كالينينجراد على ضفاف بحر البلطيق الى مدينة لينينجراد لقضاء ثلاثة ايام للاحتفال سوية بعيد المرأة العالمى - &"8 مارس&"، نزولا على رغبة صديقتها جالينا التى قالت ان لها صديقا هناك. وفيما بدا وكأنه اعتراف بدور القدر قالت لودميلا انها لم تكن عادة محبة للترحال.&

وهكذا بدأت قصة ارتباط لودميلا بمدينة لينينجراد التى قالت انها وقعت فى حبها من النظرة الاولي، وان عزت ذلك الى ان الاعجاب والحب بالمدينة لا بد وان يرتبطا بمن يصادفهم المرء لدى زيارته الاولى لهذه المدينة.

&&

لكن ماذا عن طباعة ؟لعل واحدة من أهم سمات شخصية الرئيس بوتين تتمثل فى رفضه لخوض الصحفيين فى حياته الشخصية وتداول أخبار ابنتيه. وقد تجلى ذلك ضمنا فى احد الاسئلة التى اضطر دميترى بيسكوف المتحدث الصحفى باسمه الى الاجابة عليها فى حديثه الى قناة تليفزيون &"دوجد&" المحلية، والذى كشف فيه عن تحفظ بوتين على نشر اية اخبار صحفية تخص قرينته وابنتيه. قال ان بوتين يحب ألا تتناول اجهزة الاعلام ايا من اخباره الخاصة، ولا سيما ما يتعلق منها بافراد عائلته التى يريد ان تعيش حياتها الطبيعية، وهو ما ينبغى احترامه.واضاف لدى إجابته على سؤال عن أسباب امتناع بوتين عن &"الكشف عن وجوه ابنتيْه وزوجته للعالم&" إن بوتين لا يريد أن تصبح الحياة الخاصة &"ملكية عامة&" ويريد أن تعيش عائلته &"حياة طبيعية&".

&وكانت لودميلا بوتينا (الالف المضافة الى لقب الزوجة تمييز للمؤنث) قرينة الرئيس بوتين وفى واحد من احاديثها النادرة الى الصحافة الروسية التى اضطرت الى الادلاء بها إلى صحيفة &"روسيسكايا جازيتا&" الرسمية بمناسبة انعقاد لقاء قمة رؤساء الثمانى الكبار فى سان بطرسبورج فى عام 2006 تناولت بعضا من جوانب حياة الابنتين ماريا (ماشا) والتى اختار لها الوالدان اسم ام بوتين، ويكاتيرينا (كاتيا) التى اخذت اسم جدتها عن الام. قالت لودميلا انهما تدرسان الصينية واليابانية الى جانب اللغات الالمانية والانجليزية والفرنسية التى تجيدانها فضلا عن اجادتهما للكومبيوتر. واضافت ان الابنة الكبرى تجيد ايضا الاسبانية التى سبق واختارت الأم التخصص فيها خلال سنوات دراستها فى كلية الاداب بجامعة لينينجراد. واشارت الى ان الخيار استقر على روسيا مكانا للدراسة بدلا من اوروبا تحسبا للمستقبل ما جعلها وقرينها يقرران إلحاق ابنتيهما فى معاهد سان بطرسبورج. وعن الزوج قالت قرينة الرئيس الروسي: &"ان الدولة اهم من الزوج نظرا لان الطبيعة حكمت على المرأة ان تلد وتتولى تربية الاطفال، ومن ثم فان معاندة الطبيعة امر لا طاقة لها به&". واشارت فى حديثها الى ذات الصحيفة انها تود ان تنصح ابنتها لو طلبت منها النصيحة بان تختار بين التفرغ للحياة العملية وبين التفرغ لانجاب الاطفال ورعايتهم، واذا تبنت الخيار الثانى يجب ان تنذر حياتها لانجاب الاطفال وتربيتهم، وهو ما يبدو مناسبا لما سبق أن نادى به الرئيس بوتين فى أحد خطاباته الى الامة لتجاوز مشكلة نقص المواليد.

&

وتمضى الايام حتى يونيو 2013 ليظهر الرئيس بوتين وقرينته لودميلا معا بعد طول فراق لمشاهدة عرض باليه &"أزميرالدا&" عن قصة لفيكتور هوجو على مسرح قصر الكرملين الكبير، وهو ما أثار دهشة الحاضرين الذين استقبلوهما بموجة من التصفيق الحاد، قبل أن يفاجأوا لاحقا بخروجهما قبل انتهاء العرض المسرحى للإعلان عن طلاقهما فى تصريحات خصا بها القناة الإخبارية الروسية الرسمية &"روسيا 24&". وبعد كلمات مقتضبة عن إعجابهما بالعرض الفني، قال بوتين تفسيرا لندرة ظهورهما معا إن مشاغل العمل وارتباطاته المستمرة تحول دون ارتباطاته الأسرية، فيما أكدت لودميلا أن &"قرار الانفصال مشترك وأن الزواج انتهى لأننا لا نلتقى ولا نرى بعضنا البعض.. الرئيس فلاديمير فلاديميروفيتش (بوتين) مشغول دائما، وابنتانا تعيشان حياتهما الخاصة وأنا لا أحب الظهور الاجتماعى ولا أطيق السفر المستمر&"، فى إشارة إلى عدم ظهورها إلى جانب زوجها بوصفها &"سيدة روسيا الأولي&" طوال السنوات التسع الأخيرة.

&

&بين حرارة الدعابة وقسوة التعليق

&فلاديمير بوتين وكسليل لاحد اعتى اجهزة المخابرات فى العالم يظل وفيا مخلصا لما اكتسبه من خبرات وتدريبات منذ ولج هذا الجهاز فى عام 1975، وهو الذى طالما ادرك واستوعب ما وراء القول المأثور &"ان ضابط المخابرات لا يتقاعد&".

&

امتلاك ناصية القول ولواذع الكلام والالمام بحقائق الواقع، بعض مما ينسحب على حديث الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الذى تؤكد السنوات القليلة الماضية انه خبر دروب السياسة وأتقن مفرداتها، ما تعكسه الكثير من المبارزات الكلامية التى كثيرا ما يضطر الى خوضها بحكم مقتضيات الزمان والمكان. وكان المؤتمر الصحفى الاخير الذى عقده بوتين مع نظيره الفرنسى فرانسوا هولاند فى ختام مباحثاتهما فى الكرملين مساء الخميس 28 فبراير 2013 كشف عن مدى قدرات الرئيس الروسى على إدارة الحوار والتخلص من المواقف الحرجة التى طالما تكسرت على نصالها قامات الكبار من نجوم عالمى الدبلوماسية والسياسة. ولعل المتابعين للكثير من المؤتمرات واللقاءات التى يعقدها بوتين بين جنبات الكرملين وخارجه يستطيعون رصد مدى ما يتمتع به من ذكاء متوقد، وقدرات متميزة تكفل له فى غالبية الأحيان التخلص من المواقف الشائكة والخروج منها كما يقول المصريون &"كالشعرة من العجين&"، أو على حد قول الأوروبيين &"كالسكين فى قطعة الزبد&" استنادا إلى ما تراكم لديه من خبرات وقدرات تمرس عليها منذ سنوات تدريبه ودراسته فى مدارس الـ(كى جى بي) ( لجنة امن الدولة) إبان الاتحاد السوفيتى السابق. وبينما كان حضور المؤتمر الصحفى المشترك الذى عقده مع ضيفه الفرنسى يتأهبون لمغادرة الكرملين بعد سلسلة من المواقف التى دفعت بعضهم إلى وصف المؤتمر بأنه اتسم بالكثير من &"الفتور&"، طلب مراسل وكالة &"فرانس برس&" الكلمة ليقول: &"إن اللقاء السابق بين الزعيمين منذ قرابة نصف العام كشف عن حوار اتسم بالصدق، لكنه افتقد حرارة المشاعر، وها نحن نراكما تجلسان متجاورين جنبا إلى جنب، ومع ذلك فلم نشعر بان العلاقات بين روسيا وفرنسا صارت اكثر حرارة&". ولم يكد المراسل الفرنسى يصل إلى نهاية تعليقه، حتى بادر الرئيس بوتين وقد انفرجت أساريره وارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه يحار المرء فى كنهها، إلى مقاطعته قائلا : &" فلتقترب مننا أكثر وسوف تحصل على الحرارة التى تبتغيها&"، وهو ما اثار ضحك الحاضرين من الناطقين بالروسية، قبل نظرائهم من الجانب الفرنسى الذين سرعان ما انضموا إليهم بعد استماعهم إلى الترجمة وسط تصفيق حاد من الجميع، قطعه الرئيس الفرنسى بقوله: &"إن الرئيس بوتين وكعادته صادق فى تعليقاته&".

&

ولعل هذه المناسبة وما صدر خلالها عن بوتين من تعليقات تدفعنا إلى تذكر الكثير من أقواله وما أدلى به من تصريحات فى مستهل حملته فى القوقاز التى طارد فيها المقاتلين الشيشان ممن استباحوا حرمة الوطن وقاموا بغزو داغستان المجاورة فى إطار خطتهم لتشكيل ما كان يسمونها &"فيدرالية الشعوب الإسلامية للقوقاز&". ويذكر المراقبون تهديدات بوتين التى يتناقلونها عنه منذ اعلنها فى واحد من أول مؤتمراته فى سبتمبر 1999 حول أنه &"سيطارد المقاتلين حتى المراحيض.. بل وسيدفنهم هناك فى نهاية الامر&"، مؤكدا العزم على إبادتهم عن بكرة أبيهم وهو ما تيسر له الى حد كبير. وما دام الشئ بالشئ يذكر.. نشير إلى اجابته على صحفى فرنسى حاول استفزازه فى احد المؤتمرات الصحفية التى عقدها فى نوفمبر 2002 خلال زيارة له لبروكسل بسؤال حول تجاوزاته ضد المقاتلين الشيشان او كما وصفهم الصحفى الفرنسى بـ &"الراديكاليين الإسلاميين&". وكان بوتين رد عليه بقوله:&" اذا كنتم على استعداد للانضمام اليهم بما فى ذلك قبول الخضوع الى الطهارة على الطريقة الاسلامية، فاننى ادعوك الى موسكو حيث هناك من سأوصيهم بطهارتك على النحو الذى لن ينمو لك &"هناك&" بعده أى شيء&".

&

ونذكر له ايضا ما قاله فى فبراير عام 2008 تعليقا على شعبيته وتفسيرا لانتخابه لولايتين متتاليتين :&"ليس هناك ما أخجل منه امام الشعب الذى منحنى أصواته كرئيس لروسيا الاتحادية. فلم أَكِل طوال تلك السنوات الثمانى الماضية وواصلت الحرث كما &"العبد فى أروقة المطابخ&" من مطلع الشمس وحتى غروبها&". ومن أقواله أيضا: &"إن انهيار الاتحاد السوفيتى أكبر كوارث القرن العشرين الجيوسياسية&"، وان &"من لم يشعر بالاسى لسقوط الاتحاد السوفيتي.. إنسان بلا قلب، ومن يدعو الى اعادة بناء نفس الاتحاد السوفييتي.. انسان بلا عقل&".

&

ومن اللافت فى هذا الصدد أن بوتين طالما ابدى فى معرض الكثير من اجاباته عن أسئلة الكثيرين من الصحفيين قدرا كبيرا من الإلمام بالتاريخ والعلاقات الدولية، وهو ما تجلى بعضه فى التعبير عن اعجابه بالزعيم الفرنسى الراحل شارل ديجول الذى اعاد الى الاذهان الكثير من مقولاته التى يتخذ بعضها نبراسا له ومنها : &"اذا كان لك الخيار.. فلتختر الطريق الاكثر وعورة لانك سوف تكون على يقين من انك لن تصادف هناك منافسين&".

&

هكذا يبدو بوتين دائما أكثر تحفزا واستعدادا لمنازلة محدثيه متسلحا بما فى حوزته من ملفات، وما يملكه من معلومات، وما تعلمه من فنون الحوار والمبارزة الكلامية خلال سنوات دراسته فى الـ&"كى جى بي&"، تسانده ترسانة هائلة من المفردات التى يحرص على انتقائها بعناية فائقة، متسلحا بالوفير من المعلومات والتواريخ والأرقام، تختزنها ذاكرة حديدية صقلتها وشحذتها تدريباته فى واحدة من أعتى المؤسسات الامنية العالمية، بما يضع محاوريه فى المكان الذى يريده، وليس الذى ينشده جليسه، تاكيدا أنه لا يزال فى موسكو الاكثر جدارة بامتلاك ناصية القول والسرد والتحليل، وبما يجعله الأحق بالقول الفصل والكلمة العليا!.&

مسيرة بوتين كانت ولا تزال سلسلة طويلة من المعارك التى بدأها على مختلف الجبهات.. وفى وقت واحد.&

فهناك معركته مع أبرز رموز طواغيت المال-&"الاوليجاركيا&"، وغالبيتهم الساحقة من اليهود الذين طالما نجحوا فى الاستئثار بمقاليد الحكم فى البلاد سواء بشكل مباشر من خلال مواقعهم فى السلطتين التنفيذية والتشريعية، أو من وراء ستار، ما دفعهم الى الإعلان صراحة عن حقهم فى ذلك، وهم الذين نجحوا فى &"استئجار النظام الذى يخدم ويحمى مصالحهم&" ما اعتبره بوتين اهانة لا تغتفر سرعان ما رد عليها... على النحو الذى حدده وفى الوقت الذى رآه اكثر مناسبة!!!!.

&

وهناك أيضا كانت خلافاته مع أبرز محافظى ورؤساء الجمهوريات والمقاطعات ذات الحكم الذاتى ممن نجحوا فى إرغام الرئيس الأسبق بوريس يلتسين على الاعتراف لهم بـ &"الاستقلالية والسيادة&"، مستغلين ما كان يعيشه من ضعف وهوان.

&

ولم يكن بوتين ليغفل كذلك ضرورة معركته مع أقطاب الإعلام وقياصرته، فى الوقت الذى كانت فيه حرية الصحافة و لاتزال هى الحق الذى طالما ارادت به الباطل فئة المستفيدين ممن اثروا فى غفلة من الزمن بمباركة السلطة التى كانت بدورها فى حاجة الى من يساندها سواء بالحق أو بغيره.&

أما عن معركته مع الحركات الانفصالية والإرهاب، فقد توجها خلال اشهر قليلة بإخماد الحركات الانفصالية فى الشيشان وشمال القوقاز، بغض النظر عن كل ما عاشته البلاد لسنوات عدة من تبعات العمليات الارهابية التى تورطت فى تمويلها قوى خارجية كثيرة ومنها من كان ينتمى إلى بلدان عربية وإسلامية.

&

وكان بوتين أكد غير مرة عدم مشروعية تزاوج السلطة والثروة ورفض قبول ما سبق واتخذه الرئيس الأسبق بوريس يلتسين من قرارات سيئة الصيت سمحت باستباحة ثروات الوطن وبيع مناصب الوزراء ومقاعد البرلمان لمن قالوا إنهم &"رجال أعمال&".

&وكان أساطين المال والأعمال قد فرغوا فى عام 2000 حين تولى فلاديمير بوتين الرئاسة فى روسيا ليس فقط من تشكيل هيئاتهم وانساق نفوذهم بل وانتهوا عمليا من تشكيل الظروف المناسبة لتأمين ثرائهم الفاحش أو الأسطورى على حد قول يفجينى بريماكوف رئيس الحكومة الروسية الاسبق.كما شهدت أروقة السلطة وصولهم إلى سدة السلطة التنفيذية ومعهم رموز الجريمة المنظمة ليشغلوا مقاعد المجالس التشريعية والنيابية سعيا وراء سن ما يلزمهم ويُؤمن وجودهم وثرواتهم من قوانين.&

كان بوتين رفض مساعدة هؤلاء فى تمويل حملاته الانتخابية فيما عاد ليعلنهم بمحاذير العمل معه. استهل لقاءه معهم فى الكرملين بتبديد قلقهم ومخاوفهم تجاه احتمالات مصادرة أو تأميم ما آل إليهم عن غير حق. قال إنه يكتفى بمطالبتهم بضرورة تطوير هذه القطاعات وكانت فى معظمها مصادر الطاقة من النفط والغاز إلى جانب الثروات المعدنية ومنها الحديد والألومنيوم. أشار إلى دورهم فى تعمير المناطق المجاورة وبناء ما تتطلبه من شبكات للطرق والمياه والصرف والمدارس والمستشفيات.قال أيضا بضرورة الانتظام فى سداد الضرائب ورفع رواتب العاملين فى هذه القطاعات بما يكفل بناء طبقة متوسطة على أسس سليمة فضلا عن حتمية التوقف عن تهريب الأموال إلى الخارج. أما أهم مطالبه وتحذيراته فقد أوجزها فى ختام حديثه : &"حذار من التدخل فى السياسة!!!&". أدرك بوتين خطر تدخل المال فى السياسة فيما حذّر من مغبة السماح لأمثال هؤلاء بالمشاركة فى سن القوانين وهم الذين لا يزالون يتحكمون فى &" شراء &" النواب وأصواتهم.

&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف