العرب والقرية الكونية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أحمد الغز
المشاورات التي أجراها الملك سلمان مع أمراء دول مجلس التعاون الخليجي تعكس مدى الجدية وضرورة الوضوح وعدم الالتباس، لأن المجتمعات العربية تنظر هذه الأيام إلى دول مجلس التعاون باهتمام واحترام لأنه كل ما تبقى من أمل بعودة الاستقرار إلى كل وطننا العربي
&
القرية الكونية أصبحت حقيقة الآن إذ تستطيع وأنت جالس في مكانك أن تذهب حيث تشاء وأن تتابع أحداث العالم وكأنها تحدث في منزل الجيران.. وهذا العالم الذي تحكمه الآن ثورة الاتصالات دخل في حرب كبرى أراد أن يسمّيها الرئيس أوباما "الحرب على التطرّف والإرهاب"..
بقي قادة القرية الكونية لسنوات طويلة يتعاملون مع القرية الحديثة بخبرات قديمة ومهارات من الحروب العالمية.. عسكريا وأمنيا وإعلاميا.. كما حصل تماماً مع دول ما بعد الثورة الصناعية الأولى التي اعتقدت أن مجرد إنتاجها للسلعة الصناعية كان كافيا لتحكمها في مجريات الأحداث.. حتى جاء التنافس على الأسواق ليكون سببا لحربين عالميتين تسببت بالأهوال.. جاءت ثورة الاتصالات لتعيد تشكيل تهديد لكل القرية بشعوبها وأحيائها الكبيرة والصغيرة بعد أن اعتقدوا لسنوات بأن الحرائق التي تندلع في الأحياء ذات الأغلبية العربية هي بعيدة عن باقي أحياء تلك القرية الكونية الجديدة..
اعتقد قادة القرية الكونية أن آليات الأمم المتحدة كافية للتعامل مع قضايا المنطقة العربية، وكانوا يعرفون مسبقا فشل الأمم المتحدة ومجلس أمنها في حل كل نزاعات المنطقة إن لم نقل بأن الأمم المتحدة كانت سببا في معظم مشاكلنا، ولا داعي لشرح ذلك، فقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن ذات الصلة بالقضية الفلسطينية شاهدة على ذلك.. من القرار ١٨١ لعام ٤٧ حتى الآن، مرورا بالقرارين ٢٤٢ لعام ٦٧ و338 لعام 73 و.. و.. و.. و.. وكان عليهم أن يدركوا بأن المبعوثين الدوليين إلى مشاكل اليمن وسورية وليبيا وقبلهم العراق كلهم كانوا سببا في تعاظم المآسي والنزاعات، وهذا ما نشاهده مع العزيز جمال بنعمر والحديث يطول.. ومع طارق متري وخلفه في ليبيا برنارد ليون.. وقبلهم مع كوفي عنان الذي استقال سريعا من مهمة سورية، خوفا من تكرار فشله في العراق.. ثم فشل خلفه الأخضر الإبراهيمي في سورية أيضا.. والآن السيد دي ميستورا الذي يحاول وقف إطلاق النار في حلب فقط بعد أن أصبح نصف الشعب السوري مشردا ودمرت المدن والقرى..
انعقدت القمة العالمية لمكافحة التطرف في البيت الأبيض في 17 و18 فبراير.. التي دعا إليها الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي ألقى فيها خطابا مطولا وتفصيليا.. وحضرها ممثلو حوالي ستين دولة وعلى أعلى المستويات، وكان الحديث قرويا بامتياز لأن ما يحدث الآن يقتل الإنسان في كل مكان لمجرد انتمائه لدين من الأديان.. في الولايات المتحدة كان أو أوروبا أو ليبيا أو العراق أو اليابان.. إن العالم وبكل المعايير هو الآن قرية صغيرة يستطيع الأطفال العبث بأمنها واستقرارها كما الكبار، وقد تزامن هذا المؤتمر مع انعقاد اجتماع الرياض الذي حضره ستة وعشرون رئيس أركان من التحالف الدولي العربي لمحاربة داعش..
حاول قادة الاستقرار العربي توجيه النصيحة تلو النصيحة والدعوة للتعاون الدولي الحقيقي لتحقيق الاستقرار في منطقتنا.. ليس حرصا على أوطاننا ومجتمعاتنا فقط بل من أجل أوطانهم ودولهم.. فكانت المبادرات لحل عادل للقضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وعلى أساس الشرعية الدولية وقرارَيْها ٢٤٢و338 ومؤتمرات مدريد.. وخصوصا أن كل دول الصراع أبدت رغبة حقيقية بالسلام، وكانت اتفاقات كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وبعدها أوسلو مع ياسر عرفات ووادي عربة مع الأردن، ورغم ذلك لا تزال إسرائيل تتوسع بالاستيطان وتهويد القدس الشريف وتحرك مشاعر الكراهية والعداء والتعصب الديني بكل اتجاه، والعالم الكبير وقراراته لا تزال تذهب أدراج الرياح..
تلك كانت الأسباب الموجبة التي أدرجتها المملكة العربية السعودية في رسالة رفضها عضوية مجلس الأمن المؤقتة بعد انتخابها من الجمعية العامة بأغلبية موصوفة.. فكانت هدية السعودية إلى العالم هي النصيحة بأن هذا الترهل والانحياز لمجلس الأمن أفقده دوره ومصداقيته وأصبحت قرارات مجلس الأمن محل سخرية لدى الأطفال والنخب والعوام على حد سواء، كان رفض السعودية لتلك العضوية خدمة كبيرة للقرية الكونية وفيها الكثير من الحرص على استقرار العالم وثبات أمن الشعوب.. كل الشعوب.. واحترام الشرعية الدولية التي أفقدها كبارها الاحترام وآخرها استخدام روسيا الفيتو لتعطيل القرار بشأن اليمن، وقبلها مرات ومرات حول سورية وليبيا.. وقبلها فيتوات أميركا لمصلحة إسرائيل.. ومثلها الكثير في كل مكان.. وإن ما نراه الآن من نشاط لمجلس الأمن هو محاولة لاستعادة دوره وعدم الانحياز والعمل بمكيالين، وهذا يؤكد على صوابية الموقف السعودي برفض العضوية الشكلية في مجلس شكلي.
تابعنا باهتمام كبير المشاورات التي أجراها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مع أمراء دول مجلس التعاون الخليجي وكل على حدة، وذلك يعكس مدى الجدية وضرورة الوضوح وعدم الالتباس لأن المجتمعات العربية في كل مكان تنظر هذه الأيام إلى دول مجلس التعاون باهتمام واحترام لأنه كل ما تبقى من أمل بعودة الاستقرار إلى كل وطننا العربي بدون استثناء.. وخصوصا بعد تطورات اليمن الخطيرة جدا جدا ومعها ليبيا وسورية والعراق.. وتتطلع الشعوب العربية بجدية غير مسبوقة إلى العمل العربي المشترك وقاطرته الجديدة كل من السعودية ومصر ودول الخليج والأردن والمغرب بشكل خاص.. وخيرا فعلوا بتأجيل اجتماع المجلس الوزاري لوزراء الخارجية العرب إلى ما بعد قمة واشنطن لمحاربة التطرف ليبنى على الشيء مقتضاه..
وقد كان خطاب أوباما واضحا لجهة أهمية الدول العربية في إنقاذ العالم وقريته الكونية.
&