جريدة الجرائد

الحرب ضرورة... لكن انقاذ الدول "فات أوانه"!

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

مصطفى الأنصاري

مع أن "الحرب" في كل الأعراف العالمية، تُعيد إلى الأشلاء والقتلى والدماء والدمار والمشردين، وفي العصر الحديث يضاف أيضاً تفكك الكتل المتجانسة، ومزيداً من الإرهاب والفوضى والقتل على الهوية، والعبث في الخرائط، إلا أن الحرب في الوقت نفسه لا يمكن تصور أي عصر بدونها.

&

بل إن أكثر الإمبراطوريات تقدماً وحضارة، في تاريخ العالم الحديث والقديم، هي أكثرها خوضاً للحروب، إما للتوسع، أو لتأمين حدودها، أو لتحقيق أي من مصالح الدول الكثيرة جداً. ولكن السؤال أي حرب يحتاج العالم العربي الممزق أصلاً بالحروب؟

&

يأتي التساؤل في وقت يدور النقاش حول إطفاء بعض الحروب بـ "الحرب" على طريقة القول العربي "داوها بالتي كانت هي الداء"، سواء في ليبيا بواسطة مصر، أو في سورية عبر التحالف الدولي، بمشاركة برية واسعة، لدول فاعلة في الإقليم مثل تركيا والأردن. إلا أن عدداً من المحللين وخصوصاً الغربيين، يحاولون التقليل من شأن تلك الخطوات، باعتبارها تزيد النار اشتعالاً، أكثر من أن تطفىء لهيب فوضى، وقودها المآرب والمؤمرات والثارات والطوائف.

&

الواقع أن الحرب من أجل إنقاذ سورية، وربما ليبيا أيضاً، ستصبح إن قامت "عدمية"، بعد أن فات أوانها، يوم كانت سورية لم تزل دولة متجانسة الأعراق والمدن ووحدة المصير، وحين كانت ليبيا "وطنا"، فهي وإن كانت بفضل التركيبة العرقية والمذهبية وتواضع البنية الاجتماعية والتنموية أصلا، أقل زلزالاً من سورية، إلا أنها هي الأخرى، تكاد أن تصل إلى مرحلة الـ "لا عودة"، مثلما عبر المبعوث الأممي فيها.

&

لم الحرب ضرورية إذا؟ هي كذلك لأن السخاء بالصراعات الداخلية، والتردد في خوض الحروب الخارجية، هو غالباً ما أحدث الفرق بين دول الإقليم، فانشغلت معظم الدول العربية بصراعاتها الداخلية، فيما اتخذها الآخرون ميداناً لحروبهم الخارجية، وتصفية خصومهم، وزرع العملاء، ومصادرة قراراتها.

&

وتبعاً لمقولة قديمة تنسب إلى علي بن أبي طالب (ر)، تقول "ما غُزِيَ قوم في عقر دارهم إلا ذلّوا"، اجتهدت دولة مثل إيران في خوض جميع حروبها الضرورية، مع دول الإقليم والمجتمع الدولي، على مسرح خارجي، كان مرة في أفغانستان وأخرى في العراق ولبنان وسورية واليمن، بعدما تجرعت طعم الذل علقماً في حربها الطويلة مع صدام في ثمانينات القرن الماضي.

&

تجربة الحروب الخارجية على رغم صيتها السيء، إلا أنها ليست مرذولة في كل حال، بل بحسب أهدافها وشرعيتها. فدولة عظمى مثل أميركا على سبيل المثال، كانت كل الحروب التي قامت بها، باستثناء حربها الأهلية (1861-1865)، حروبا خارجية، ليس دائماً لأنها قوة عظمى لديها شهوة عارمة للتسلط وفرض هيمنتها، على ما يتردد عربياً، وإنما أيضاً لقناعتها بأن الحروب الخارجية مهما كانت قاسية أو كبيرة، أهون وأقل ضرراً من أي حرب في الداخل.

&

وتعتبر السعودية واحدة من الدول العربية، التي وظفت هذا النهج إيجابياً في إبعاد الأخطار عن محيطها وحدودها، فجميع الحروب التي أعقبت توحيد المملكة في 1932، كانت في أصلها حروباً خارجية، إما لإيمان السعودية بمصيرها المشترك مع المستهدفين بها في مثل حالة تحرير الكويت (1991)، أو لأنها ضرورة لتأمين الحدود من عبثٍ، لو اقترب من الداخل تضاعفت تبعاته، في مثل قتال الحوثيين جنوبي المملكة (2009)، وهي اليوم ضمن التحالف الدولي المحارب لـ "داعش" تخوض حرباً خارجية أخرى، للسببين معاً.

&

ولكن الفرق بين الشرعي وغير الأخلاقي في تلك الحروب، هو العدوان، ومحاولة كسب الأوراق على حساب "خلق المتاعب" للآخرين، لأسباب مختلقة أو مآرب توسع أو عداء مسيطر، مثلما تفعل إسرائيل دائماً، وأميركا في حربها على العراق، وكذا إيران في بعض تدخلاتها الاقليمية، لتطويع الإقليم لقرارها.

&

من ذلك كله، نخلص إلى أن الحرب في سورية وليبيا، ضرورية، ليس من أجل الدولتين فقط، ولكن في الأصل حمايةً لما تبقى من استقرار اقليم عربي يحترق مشرقاً ومغرباً، فلا يمكن لمصر او الجزائر والمغرب وتونس ان تنعم بأي استقرار من دون حرب حقيقية على آثار الأزمة الليبية، وكذلك الشأن في سورية بالنسبة إلى تركيا والأردن والخليج.

&

أما التدخل الحاسم لإنقاذ ليبيا وسورية، فتلك مهمة فات أوانها غالباً، إنما لا بد من فعل شيء في اليمن والعراق، حتى لا يلتحقا بهما سريعاً.
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف