جريدة الجرائد

التحول السعودي والقلق المصري

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

خالد الدخيل

بات من الواضح أن قلقاً انتاب مصر بعد وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وبات من الواضح أيضاً أن مصدر هذا القلق توجس مصري من التوجهات السياسية للعاهل السعودي الجديد سلمان بن عبدالعزيز. أكثر من عبّر عن التوجس والقلق الناجم عنه هو الإعلام المصري. يتردد في هذا الإعلام أن موقف الملك سلمان ليس حازماً ولا نهائياً من &"الإخوان&" كما كان موقف الملك الراحل، وأنه يميل الى التقارب، وربما التحالف مع قطر وتركيا. وبناء على ذلك فإن موقفه من مصر ستكون له حدود وشروط ومتطلبات لم تكن موجودة في أيام الراحل عبدالله بن عبدالعزيز. بعبارة أخرى، هناك قلق من إمكان تراجع الدعم السعودي لمصر، أو أن يكون هذا الدعم ضمن حزمة سياسية جديدة يرى العهد السعودي الجديد أهميتها. الأرجح أن هذا القلق كان موجوداً لدى القيادة المصرية قبيل وفاة الملك الراحل، وقبل أن يتم التعبير عنه إعلامياً بعد وفاة الملك.

&

وجود قلق مصري من تغيّر القيادة في بلد حليف بأهمية السعودية في مثل هذه المرحلة المضطربة إقليمياً وفي ظل ظروف مصر الصعبة سياسياً قبل أن تكون اقتصادياً، أمر طبيعي ومتوقع. ما لم يكن طبيعياً هو الطريقة التي تم التعبير بها إعلامياً عن هذا القلق. إذ اقترب هذا التعبير من حالة هلع مكبوتة. وقد لاحظ الكاتب المصري مصطفى النجار ذلك عندما أشار في صحيفة &"المصري اليوم&"، في 23 شباط (فبراير) الماضي إلى تورط بعض وسائل الإعلام المصري &"في الإساءة النابية لقطر وفي الضرب تحت الحزام بطريقة واضحة في النظام السعودي نفسه&". وهذا يعكس أن بعض الإعلام المصري على الأقل لا يزال رهينة خطاب خمسينات القرن الماضي وستيناته. آنذاك كانت اللغة النابية، والتهديد المبطن، والضرب تحت الحزام وسيلة يقصد بها الضغط والابتزاز. لم يخطر، كما يبدو، ببال من فعل ذلك أن اللجوء لمثل هذا الخطاب يثير القلق خارج مصر، أولاً لأنه يشير إلى أن مصر، أو على الأقل البعض في مصر، لم يتغيّر كثيراً مع تغيّر المنطقة والعالم، وبعد أول ثورة شعبية في تاريخ مصر. وهو يثير القلق ثانياً لأنه يوحي بأن بعض الإعلام المصري على الأقل يستبطن شعوراً عميقاً بأن الخيار الذي اتخذته الدولة المصرية بعد انقلاب 30 يونيو ربما هو أكثر هشاشة مما يبدو عليه. وإذا كان الأمر كذلك، فهو مثير للقلق فعلاً. فاستقرار مصر، وقبلها وبعدها استقرار السعودية، لم يعد في الظروف المضطربة عربياً مصلحة استراتيجية لكل منهما وحسب، بل مصلحة استراتيجية للعالم العربي أجمع، وللنظام الدولي.

&

من هذه الزاوية جاء تأكيد الملك سلمان بن عبدالعزيز على أن الدعم السعودي لمصر لن يتغير.

&

أين المشكلة إذاً؟ تبدو المشكلة، كما أشرت، في أسلوب هذا الدعم وإطاره. يريد البعض في مصر أن يكون الدعم السعودي على شكل هبة أو منحة ملكية مفتوحة، أو شيك على بياض، كما يقال. لا ينبغي للسعودية أن تتقارب مع تركيا، مثلاً، لأنها تتعاطف مع &"الإخوان&". وفي هذا تجاهل لبديهة أن علاقات الدول لا تقوم على مثل هذه الرؤية، لأنها عاطفية وليست سياسية. الرؤية السياسية الأكثر عقلانية أن علاقات السعودية ومصر لا يجب أن تكون مرتهنة لا للموقف من &"الإخوان&"، ولا للموقف من تركيا. فإذا كان استقرار مصر هو مصلحة استراتيجية سعودية، وهو كذلك، فإن واجب السعودية أن تتعامل مع قضية &"الإخوان&" كمسألة محلية مصرية في الأساس، وأن تقاربها من زاوية تأثيرها على استقرار مصر أولاً، ثم تداعيات ذلك إقليمياً، وبالتالي عليها ثانياً. من الزاوية ذاتها، فإن استمرار السعودية في الابتعاد عن تركيا، كما يريد البعض في مصر، لا يخدم التوازنات الإقليمية في هذه المرحلة، وهذه التوازنات هي الأساس الأول لاستقرار المنطقة، وبالتالي استقرار مصر. فتركيا هي إحدى أهم الدول الكبيرة في المنطقة بقدراتها الاقتصادية والعسكرية، ودورها السياسي. وهي إلى جانب كونها عضواً في الناتو وفي مجموعة العشرين الدولية، وبموقعها الاستراتيجي بين العالم العربي من ناحية وإسرائيل وإيران من ناحية أخرى، من الدول التي تملك مشروعاً سياسياً واقتصادياً واضحاً، وهو مشروع يتناقض في مضمونه مع المشروع الإسرائيلي الاستيطاني من ناحية، ومع المشروع الطائفي لإيران من ناحية أخرى. وهي أيضاً كدولة وطنية علمانية أكثر قابلية لأن تتقاطع في مشروعها وسياساتها الإقليمية مع المصالح العربية. لكن هذا يفترض قبل أي شيء آخر أن يكون هناك مشروع عربي. والسعودية ومصر هما الآن الأكثر قدرة من بين كل الدول العربية على التفكير بإطلاق مثل هذا المشروع ورعايته. وهو ما ينبغي أن تنشغل السعودية ومصر به، بدلاً من الانشغال بالموقف التركي من &"الإخوان&".

&

المفارقة أن جماعة &"الإخوان&" تحولت في مصر إلى نوع من العقدة الفكرية والسياسية، عقدة مدمرة تحتاج إلى شيء من التفكيك، والتمييز بين مبررات الموقف من الجماعة، ومتطلبات مصلحة الدولة على المستوى الإقليمي. لم تقبل مصر أن تصف تركيا ما حصل فيها في 30 يونيو 2013 بأنه انقلاب عسكري. لكن أغلب دول العالم يعتبر أن ما حصل كان انقلاباً. هل يعني هذا أنه تنبغي مقاطعة هذه الدول؟ وإذا كان يهم مصر أن يعترف العالم بأن ما حصل فيها آنذاك كان ثورة، وهذا حقها، فعليها أن توفر ما يدعم ذلك سياسياً ودستورياً في الداخل قبل الخارج. ثم إن تضخم قضية &"الإخوان&" على هذا النحو هو نتيجة طبيعية لغياب مشروع فكري وسياسي مصري تلتف حوله أغلبية المصريين. في السياق ذاته، تعبّر قضية &"الإخوان&" بالحجم الذي اتخذته في مصر، وخارج مصر، عن استمرار أزمة الحكم في العالم العربي، وأن هذه الأزمة هي المصدر الأول لتعثّر نمو الدولة العربية، وما ترتب عليه من انفجارات مدمرة انتهت إليها الثورات العربية، ودخلت بسببه إلى حالة من الانسداد الفكري والسياسي.

&

هنا نتوقف ونتساءل: هل ذلك هو كل شيء؟ لحسن الحظ يبدو أن ما كان غير قابل للتحقق بدأ يتحقق شيء منه على الأقل. فاليوم هو الثاني من زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وغداً تبدأ زيارته الرسمية للرياض. اليوم (الأحد) أيضاً يصل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى الرياض. هل هذه مصادفة أم ترتيب مسبق؟ لا يبدو أنه سيكون هناك اجتماع بين الرئيسين في العاصمة السعودية. لكن وجودهما في اللحظة ذاتها قد ينطوي على شيء. في كل الأحوال تمثّل زيارة الرئيس التركي تحولاً في الموقف السعودي في الاتجاه الصحيح، وستكون خطوة أولى إلى تغير متوقع في المواقف السياسية لأكثر من دولة في المنطقة. وفي الأخير أسمح لنفسي باستعادة ما ختمت به مقالتي هنا العام الماضي عما اعتبرته حاجة ملحة لمثلث سعودي- مصري- تركي، وذلك بالقول إن هذا المثلث &"يمثل في الظروف الحالية حاجة استراتيجية للأطراف الثلاثة. فهي أطراف تتكامل في ما بينها (سياسياً واقتصادياً)، والتنسيق بينها... سيعيد إلى المنطقة شيئاً من التوازن بعد سقوط العراق وسورية، إلى جانب أنه سيشكّل حاجزاً للدور الإيراني المدمر... ومنطلقاً للتأسيس لحالة من الاستقرار في خضم المرحلة المضطربة حالياً&" (&"الحياة&"، 13 كانون الثاني/ يناير 2014). هل تتزحزح مصر ولو قليلاً في الاتجاه الذي بدأته السعودية الآن؟
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
سلام للوكسة المربعه
جاك عطالله -

التناقض ليس فى السعودية ولكنه بالكامل فى تفكير القيادات المصرية المحير و الذى لا يقوم على اى عقل - السيسى قام على مرسى وادخله بالسجن هو وجماعته بناء على رغبة المصريين ومعظمهم شباب ولكنه ادخل قادة الشباب السجون مثلهم مثل الاخوان وباحكام ناجزة نفذت على الفور بينما قادة الاخوان فى سجون سبع نجوم وتصلهم الماكولات من الفنادق ينام الشباب على البرش وياكل الجراية طعام السجن المطعم بما لذ وطاب من البروتينات الحشراتية مثل الصراصير والسوس - السادات يسجن قادة الاخوان بينما الداخلية تعرص و تستخدم اسلوب السبعينات فى مهازل التوبة والمراجعات الفقهية لاخراج الاخوان نفس اسلوب السادات ومبارك لعقيم الذى ابقى على قوتهم وتسبب بافلاس مصر بعد خروجهم - السيسى يترك حزب النور السلفى الارهابى يدخل الانتخابات ويعتبره حزبا سياسيا بينما يعتبر حزب النور نفسه حزبا دينيا ويكفر الاقباط ويطالب بعدم تعيينهم وبقتلهم بينما السيسى يزور الكاتدرائية معزيا فى 21 شهيدا قبطيا ذبحوا بليبيا - بلد العك والمتناقضات متى سيحترم الدستور؟؟ لانعرف - متى سيتم اعطاء مواطنة كاملة وحقيقية للاقباط ؟؟ غير وارد- متى نبنى دولة ديموقراطية علمانية؟؟ غير وارد- متى سنعامل السلفيين مثل الاخوان؟؟ بعد ان يقتلوا السيسى؟؟؟ و يقيموا الدولة الداعشية المصرية ويهدموا الاهرامات؟؟ بدلا من التفكير فى اقامة الدولة الديموقراطية العلمانية وبدونها لا خلاص للمصريين يجرى التفكير فى الافراج عن الاخوان وتسليم الدولة للسلفيين حلفاء الدولة السعودية وصنيعتها فهل هناك اوكس من هذه الوكسة المربعه؟؟؟

اليأس..الأخواني
بن ناصرالبلوشي -

ولكن القلق الاخواني..أكبر..وأكثرجنونا..من القلق المصري(الذي كان)..والاعلام المصري..كان وسيظل..اُستاذا..وكبيرا..بالنسبة..لآخرين..(بالرغم من بعض شطحات أو نكسات الاعلام المصري..الطاريء..العابر),وبمراجعة سريعة..للتاريخ البعيدوالقريب..رغم الأهوال..دائما تنتصر((مصر))في النهاية..بمعاونة أو بغيرمعاونة من الآخرين,بل ان قدر ((مصر))الأزلي أن تكون هي دائما السند..

الاعتماد على النفس
سالم -

لا بد ان تدرك الحكومة المصرية ان المساعدات العربية لن تدوم الى الابد وان لا بد لمصر ان تعتمد على نفسها كما كانت في الستينات في ظل حكم عبدالناصر حيث كانت مصر تنفق على نفسها وعلى دول افريقية بل وبعض الدول العربية. مالذي تغير ؟ لماذا تم افقار مصر لهذه الدرجة؟ ان 30 عاما من انعدام التنمية والفساد وعدم الكفاءة في الادارة اودى بارض الكنانة الى مكان لا يرضى به جميع محبي مصر ومريديها. يجب على مصر ان تستغل المساعدات العربية وهي ضخمة ويمكن ان تنتشل مصر من مشاكلها ولكن يجب استخدامها بشكل علمي ومشاريع منتجة وليس لبناء المساكن وتوزيعها على الناس مجانا. المشاريع الجديدة التي سيتم بناءها هي التي ستقدم المنازل الجيدة والغذاء والعناية الصحية للمصريين وليس اموال المساعدات. يجب ان ينتهي الفساد في مصر والى الابد ويجب ان تعتمد مصر على شبابها الذين يبرعون في كافة المجالات في الخارج ولكن مع الاسف لا يتم اعطائهم اي فرصة في بلدهم. هناك نغمة يرددها المسؤولين المصريين وهي ضخامة عدد السكان - هذا يعتبر نقطة قوة لمصر وليس ضعفا ولكن يجب ان يتم استغلال القوى البشرية المصرية وتدريبها وايجاد فرص عمل لها داخل مصر وليس تصديرها للخارج بالرغم من اهمية المساهمة الاقتصادية للمهاجرين المصريين. نريد لمصر ان تعود دولة منتجة قوية اقتصاديا وسياسيا وليس عسكريا فقط. مصر لديها امكانات اقتصادية ضخمة ولكن الفساد المستشري ركز الثروة في ايدي عدد قليل من رجال الاعمال الفاسدين الذي لا يهمهم الا زيادة رؤوس اموالهم على حساب بلدهم وشعبهم دون المشاركة في احداث تنمية حقيقية. مصر بحاجة لثورة في سياستها السياحية البائسة. بلد يمتلك ثلث اثار العالم ويزوره فقط بضعة مئات الالاف من السياح بينما دولة مثل اسبانيا يزورها سنويا اكثر من 60 مليون سائح. على مصر ان تطور من بنيتها التحتية المتهالكة وان تسن قوانين تحمي السائح من بلطجة بعض عمال الخدمات من سائقي التاكسي وغيرهم الذين بسب جهلهم وجشعهم ينفرون السياح من العودة او تشجيع اقرانهم على المجيئ الى مصر. شعار تحيا مصر يبدو فارغا من المعنى اذ لم يرافقه اصلاحات جذرية في جسم الحكومة المصرية وجهازها الاداري المريض. اقول هذا من باب حرصي على مصر وحبي لها وليس تجريحا بها لا سمح الله.

الاستحقاق التاريخي
ابن الرافدين -

لاخيار للدوله المصريه الفرعونيه الا التقدم نحو افاق المستقبل بدولة علمانيه مدنيه يكون الانسان وكرامته اسماء شئ على الاطلاق , وهي بهذلك سوف تستقطب ود واعجاب ابناء هذا الاوسط اولاً والعالم ثانيةً . اقول هذا واني على يقين ان اهم استراتيجيه تقدم شعوب هذا الاوسط هو بناء دولة قويه رائده في مجال تسخير قدرات الشعوب وتوضيفها من اجل خدمة مصالح هذه الشعوب ومن اجل اعطاء المسلك الاكثر شرعياً لتامين سيادة هذه الاوطان وامن شعوبها واهم شئ على الاطلاق هو بناء انسان ذو فكر وثقافه عاليه . ان الدوله المنشوده يجب ان لايكون لها دين وان دينها هي القوانيين التي شرعها ابناءها وتطبق على كل الناس بواسيسه . وانه من خلال ذلك يستطيع الفرد ان يزاول شعائره ومعتقداته بكل حريه مع رد الاعتبار للدوله التي امنت له هذه الحريه والدفاع عنها بكل اخلاص وجديه . نعم تستطيع مصر الغاليه علينا كلنا ان تقوم بهذه المهمه وهي تملك ما لم يملكه احد من فكر وثقافه وحضارة ضاربه جذورها بالارض . ان مصر تعيش اولى عصور هذه النهضه المرتقبه وهي امل شعوب هذه المنطقه الجريحه وبالاخص الاقليات القوميه العرقيه الاصيله في هذه الديار وانا كلي امل في ان تنهض مصر وتكون هرم كبير شامخ في عقول كل الناس . هذا هو المنطق الاستراتيجي ما بعد النفط ؟؟؟؟؟ لان العالم اليوم سخر كل امكانيته الخلاقه في ايجاد مصادر للطاقه البديله التي سوف تكون صديقه للانسان وللبيئه . على السعويده وبلدان الجزيرة العربيه الاخذ بهذا الاعتبار اولاً وفتح استثمارات كبيرة في البلدان التي تتوجه نحو الاستقرار كمصر مثلاُ لان العراق يعيش في محنه وكارثه حلت عليه وسوريا تزيد الالامها والامل في مصر وفي شعبها وهذا ايضاً يصب في خانه الاستحقاق التاريخي لانه بكل بساطه لايجوز الاعتداء على امم وشعوب تاريخها ضارب بالارض لان الشعوب تملك ذاكرة وناموس . تركيا مشروعها الاوسطي ليس هو كما كان ايران لعبتها مرحليه وتدخلاتها زائله بقدرة نهوض شعوب المنطقه .