قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
القاهرة - أمينة خيري: لم يعد الأمر سراً أو هاجساً أو وسواساً أو حتى مصدراً للحرج في حال المجاهرة. أسعد الناس بما قاله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن ضرورة تجديد الخطاب الديني هم النساء، وأكثرهم تفاؤلاً به هم النساء، وأعتاهم تشبثاً به هم النساء، وأعمقهم دراسة لأبعاده هم النساء.&نساء مصر اللاتي عانين الأمرَين منذ سبعينات القرن الماضي مع تنامي ثقافات واردة وتعاظم معتقدات خاطئة وتواتر تفسيرات مضللة، أغلبها يتعلّق بعودة المرأة إلى العصور الوسطى حيث التضييق والتجهيل والتغريب تحت راية الحفاظ عليها وتبجيلها والرفع من شأنها، وذلك بحجبها عن العالم.&العالم الذي مضى قدماً خلال العقود ذاتها ليتعدّى مراحل الأولين الاستفهامية حول إذا ما كانت المرأة كائناً ذا عقل كامل أم ناقص، وأخرى استنكارية تتعلّق بظهورها في الحياة العامة وكأنها قادرة على التفكير والتخطيط والتفعيل والإنجاز واتخاذ القرار، ترك المرأة المصرية خلفة تتجرّع مرارة بزوغ شمس الرجعية.&وبمراجعة الأرشيف الفوتوغرافي الخاص بغالبية الأسر المصرية، يبدو واضحاً تماماً إن ما يحويه من مخزون القرن الماضي وصولاً إلى عقد السبيعنات يقف على طرف نقيض مما حمله المخزون الذي تلا تلك الحقبة، والذي حوّل المرأة من كائن بشري يتعلّم ويتحدّث ويعمل ويتم التعامل معه باعتباره إنساناً، إلى كائن جنسي قد يُحرم من التعليم لأن &"البنت مسيرها بيت زوجها&" أو خوفاً عليها من الاغتصاب أو التحرّش أو لضيق ذات اليد الذي لا يسمح إلا بتعليم الولد. وقد يفرض حجر على كلامها لأن صوتها قد يثير الشهوات، وغالباً يُحرم عملها لأن خروج المرأة من البيت يجب أن يكون في أضيق الحدود وللضرورة القصوى.&القسوة التي وقعت المرأة المصرية ضحية لها لم تلفت انتباه أحد، أو تؤجج غضب المجتمع، أو تدق ناقوس خطر التردّي، أو تضع تاء التأنيث في فوهة المدفع. فمنذ اندلف المجتمع المصري في حيز الرجعية الثقافية وسلّم نفسه لطيور الظلام، نجحت تاء التأنيث في التربّع على عروش عدة. فمن تأنيث الفقر (38 في المئة من البيوت المصرية تعيلها نساء تعمل غالبيتهن في مهن هامشية)، إلى تأنيث الأمية (انخفضت نسبة عدم الإلمام بأسس القراءة والكتابة بين الإناث من 38 في المئة عام 2007 إلى 32.5 في المئة عام 2012 ثم عاودت الارتفاع في 2013 لتصل إلى 33.5 في المئة)، إلى تأنيث التسرّب من المدرسة (ارتفعت نسب تسرّب الإناث من التعليم الابتدائي من 0.3 في المئة إلى 0.5 في المئة، وفي المرحلة الإعدادية من 2.7 في المئة إلى 5.8 في المئة في الفترة من 2004 إلى 2014. وانخفضت نسبة القيد في مرحلة التعليم الثانوي للإناث إلى 66.8 في المئة في العام الدراسي 2012 -2013، إلى تأنيث البطالة (40 في المئة نسبة البطالة بين النساء)، إضافة إلى مجالات أخرى كثيرة تسيّطر عليها المرأة من دون منافسة من الرجال لعوامل بيولوجية بحتة مثل التحرّش (التحرّش بدرجاته وأنواعه يطاول نساء مصر جميعهن تقريباً).&وتسير نساء مصر بخطى ثابتة نحو القاع، الذي ازدحم بهن على مدى العقود الأربعة الماضية، ولم يمنعهن من الصحوة الموقتة إبان ثورة &"يناير 2011&" وما تبعها من أحداث وفعاليات مروراً بثورة &"يونيو 2013&"، إذ لعبت المرأة والفتاة المصرية أدواراً لم يتصور كثر أن يكّن قادرات على القيام بها، لا سيما في ضوء الغيبوبة التي أصابتهن وحقوقهن لسنوات طويلة. وعلى رغم الإنجازات الرسمية أثناء العقود المنصرمة من قوانين أحوال شخصية أقل إجحافاً، ودفع نساء إلى البرلمان ومناصب قيادية مرة بكوتا قانونية وأخرى بوساطة أولياء الأمور، ومرة صناعياً فيما يشبه تسريع عملية الولادة عبر الحقن.&وأخذت حالة من الاحتقان المجتمعي تنمو في مصر خلال تلك السنوات لأسباب كثيرة، منها الفقر والكبت والإحباط والظلم والفساد والبطالة والتجريف الثقافي والفكري والإبداعي، وأخيراً وليس آخراً علو نبرة خطاب ديني بعينه تمكّن من &"شيطنة&" المرأة حيناً باعتبارها السبب الأكبر في ارتفاع نسب البطالة &"لأنها استولت على فرص العمل الشحيحة المتاحة&"، أو العامل الأهم في تنامي الكبت &"لأنها تستفز مشاعر الذكور بطريقة ارتدائها ملابسها&"، أو المحرّك الأقوى للاحباط، إلى آخر اللائحة.&لائحة طويلة من فتاوى المرأة رصدتها &"الحياة&" على الموقع الرسمي لدار الإفتاء المصرية ومواقع أخرى تعنى بشؤون الفتوى، ولكنها &"قطاع خاص&" حيث مشايخ، بعضهم أشهر من نار على علم، لكنهم ليسوا ضمن منظومة الفتوى الرسمية، تشير إلى تحول المرأة إلى مجال خصب للأسئلة والاستفسارات التي تدور غالبيتها في مجال الجنس. بدءاً بحكم ظهور أصابع القدمين مروراً بإرضاع الكبير وانتهاء بحكم جلوس المرأة مع أسرتها على شاطئ البحر خوفاً من إثارة الشهوات وتحريك الغرائز. تدور الأسئلة الواردة للمفتيين سواء التابعين لدار الإفتاء أو الذين اعتلوا المنابر وأطاحوا علماء الأزهر بعيداً من الساحة مستخدمين أسلحة التكفير والتحريم، ومستبيحين أدوات التهديد والوعيد، ومعتمدين في خطابهم الديني على عنصر الترهيب والتخويف مع جزرة الوعد بالجنة ومحاسنها في الحياة الآخرة.&مصدر آخر من مصادر تردّي أوضاع المرأة مجتمعياً، هو القنوات الدينية الغارقة في التطرّف التي حظيت بسنوات من ترك الأبواب مفتوحة على مصاريعها أمام المغالاة لا سيما في ما يتعلّق بالمرأة. المدرّس المساعد في كلية الإعلام وتكنولوجيا الاتصال في جامعة جنوب الوادي الدكتور أحمد خيري الأمير، أشار في دراسة أعدّها عنوانها &"الخطاب الديني في القنوات الفضائية المصرية&" إلى أن الطابع الرجعي غلب عليه على مدى السنوات الماضية. وعلى رغم تعامل عدد من هذه القنوات مع قضايا المرأة من منظور إيجابي، إلا أنه رصد أن &"المضامين المضمرة الكامنة في هذه الأطروحات تعامل المرأة باعتبارها عالة على الرجل من ناحية، أو الفخ الذي يضعه الشيطان لتوريط الرجال في المهالك من ناحية أخرى. ليس هذا فقط، بل إنه لا يصح لها أن تتمتع بكل ما تستحقه وذلك من خلال تكرار التأويل السلبي لنصوص دينية&".&وعلى رغم أن المرأة المصرية نفسها ساهمت بقدر غير قليل في ما أصابها من تقهقر وتدّني قيمة وتحوّلها إلى شيء ينبغي فرض الوصاية عليه حفاظاً عليه لحين تسليمه إلى مستخدميه، وذلك ربما تحت ضغط الترهيب، أو إذعاناً لرغبة المجتمع، أو تظاهراً بالاقتناع، إلا أن الحديث عن تنقية الخطاب الديني مما أصابه من عطب وما ألمّ به في تطفّل غير العلماء أعاد للمرأة المصرية الأمل بغدٍ قد تعود فيه آدميتها، حتى وإن لم يكن قريباً.&