جريدة الجرائد

إيران ونصيحة السيستاني

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

غسان شربل

لا يكفي أن تنتزع لنفسك دوراً في الإقليم مستفيداً من انهياراته. الأهم أن يعترف الآخرون لك بهذا الدور، وأن يعتبروه طبيعياً ومتناسباً مع حجمك، وأنه ليس مؤسَّساً على حساب أدوار يستحقها الآخرون. وأن دورك ليس مشروع تهديد دائم. وأن برنامجك ليس تغيير ملامح جيرانك وإعادة صياغة بلدانهم بما يتناسب مع مصالحك وحساباتك الاستراتيجية. وتقول التجارب أن أطول الأدوار عمراً هي تلك التي لا تُبنى على ركام أدوار الآخرين، بل تترك لهم فسحة للتنفس والعيش، وأن الأدوار التي تُنتزع بالقوة معرّضة لتلقّي مفاعيل القوة المعاكسة، فضلاً عن احتياجها الدائم إلى لغة القسر للدفاع عنها.


من التسرّع الاعتقاد بأننا في ختام معركة الأدوار في هذا الشرق الأوسط الرهيب. في المنطقة المدجّجة بأفخاخ الجغرافيا والتاريخ معاً. منطقة تتّسم حدود الدول فيها بهشاشة تعززها الولاءات العابرة للحدود. منطقة تشكو ضعفاً صارخاً في ثقافة التعايش، وقبول الآخر. ثم إن الأدوار الكبرى تحتاج إلى قاعدة صحية لضمان ديمومتها... إلى لغة جذّابة واقتصاد قوي وحسن إدارة والتفات دائم إلى مشاعر أبناء المسارح التي تمارس فيها هذه الأدوار.


&"إننا نعتزّ بوطننا وبهويتنا وباستقلالنا وسيادتنا. وإذا كنّا نرحب بأي مساعدة تُقدَّم إلينا اليوم من إخواننا وأصدقائنا لمحاربة الإرهاب، ونحن نشكرهم عليها، فإن ذلك لا يعني في أي حال من الأحوال أن نغضّ الطرف عن هويتنا واستقلالنا، كما ذهب إليه بعض المسؤولين في تصوراتهم&".

هذا ما قاله أحمد الصافي ممثل المرجعية في خطبة الجمعة في كربلاء، نقلاً عن المرجع الأعلى علي السيستاني. وأكد أن &"العراق سيكون كما كان دائماً، منيعاً إزاء أي محاولة لتغيير هويته وتبديل تراثه وتزييف تاريخه&". وواضح أن هذا الكلام الصريح جاء رداً على تصريحات علي يونسي مستشار الرئيس حسن روحاني الذي قال أن بغداد &"عاصمة الإمبراطورية الإيرانية، ولا خيار بين البلدين إلا الاتحاد أو الحرب&".


يجدر بالمسؤولين الإيرانيين التوقُّف طويلاً عند هذا الكلام، سواء اعتبروه نصيحة أم تحذيراً. إنه كلام الرجل الذي لعب دوراً بالغ الأهمية في عراق ما بعد صدام حسين، ولا مبالغة في القول أنه جنّب البلاد ما هو أدهى مما تعيشه. والحقيقة أن غياب الواقعية هو أهم ما ميّز سياسات القوى العراقية البارزة بعد سقوط صدام. افتقرت سياسات القوى الشيعية التي اعتبرت نفسها منتصرة، إلى الحد الضروري من الواقعية، لحفظ شيء من هذا الانتصار. وافتقرت سياسات القوى السنّية التي اعتبرت نفسها مهزومة، إلى الحد الضروري من الواقعية، لضبط الخسائر وترميم شيء من الموقع.


لنقترب من التفاصيل. ليس غريباً أن يكون لإيران دور على أرض العراق الذي يعيش في ظل انقسام عميق بين مكوّناته، وفي ظل مؤسسات مريضة فضحها انهيار الجيش أمام هجوم &"داعش&". ولكن، هل من الطبيعي أن يصل الدور الإيراني هناك إلى حد ظهور تصريحات من قماشة تصريحات يونسي؟ وهل طبيعي أن يشعر قسم من العراقيين بأن بغداد تُدار من طهران؟ وهل يؤسّس مثل هذا الشعور لقيام علاقات دائمة ومستقرة بين البلدين؟
لنذهب إلى سورية. لم يكن سراً أن النظام السوري أقام علاقة تحالف عميقة مع إيران تحت راية الممانعة. وأن إيران اعتبرت محاولة إسقاط هذا النظام بمثابة انقلاب شديد الخطورة على استثمارها الطويل الذي أدى إلى وصولها إلى المتوسط عبر &"حزب الله&" اللبناني. ولكن، هل من الطبيعي أن يقول مسؤول إيراني أن بلاده هي التي منعت سقوط دمشق؟ وهل طبيعي أن تصبح إيران صاحبة الكلمة الأخيرة على أرض سورية وأقوى من النظام السوري هناك؟
لنذهب إلى لبنان. يقول قادة حركة 14 آذار أن ما منعهم من بناء وضع مستقر في لبنان هو اصطدام برنامجهم الذي أُعلِن بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري بالبرنامج الإيراني الكبير للمنطقة. ويضيفون أن ممارسات عنفية وسياسية شهدتها هذه السنوات، كانت ترمي بالدرجة الأولى إلى منع إخراج لبنان من حلقات السلسلة الإيرانية.


ليس بسيطاً أن تستخدم جهات عراقية عبارة &"الاحتلال الإيراني&"، وأن تقتدي بها جهات في المعارضة السورية، وأن تقترب قوى لبنانية ويمنية من استخدام العبارة ذاتها. وإذا أخذنا في الاعتبار أن مستخدمي هذه العبارة هم في الغالب من السنّة، نُدرك حجم التوتر في بلدان المنطقة وهو توتُّر يؤسس لموجة جديدة من النزاع والتطرف.


يجدر بالمسؤولين الإيرانيين التمعُّن في نصيحة السيستاني. تنامي المشاعر ضد الدور الإيراني يُنذِر بتحويله عامل عدم استقرار أو تهديد لتماسك الخرائط. إننا في خضم معركة الأدوار ولسنا في ختامها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ياعالم اتقوا الله
OMAR OMAR -

كل مفسده يقومون بها يلقونها على عباءة ايران يعني القتل في ليبيا هل ايران المسؤوله عنها ولا بكو حرام والا في سيناء والقاعده ياعالم اتقوا الله

توفيق
موفق -

المقال واقعي جداً وشخص المشكلة بوضوح وبساطة واختصار ووضع لها الحلول بطريقة جميلة تحتاج الى نوايا صافية لفهمها من قبل المتورطين ومع ذلك أقول بان الوقت يكاد ينفذ - اذا لم يكن قد نفذ فعلا - من ايران التي اختارت المواجهة مع المسلمين السنة في العراق وسوريا ولبنان وجعلتهم يشعرون ان وجودهم اصبح في خطر ، نعم ايران تحركت بسرعة وربحت معركة ولكنها ستخسر الحرب بالتأكيد لسبب واضح : الحرب دينيه بين المسلمين ( سنة ) وبين الصفويين ( الفرس واتباعهم ) وعدد المسلمين في سوريا ولبنان والعراق مجتمعين يفوق كثيرا عدد الفرس فيها والمعركة الدينية الفاصلة بدأت تتبلور وعندما تأخذ المعركة بعدها الديني الحقيقي فان موازين القوى في سوريا ستتغير بشك سريع وحاسم فالنظام يستمد قوته من الأغلبية المسلمة السنية وليس من الأقلية العلوية او الشيعة الذين ليس لهم وجود يذكر في سوريا وعندما يشعر السنة - وعلى ما يبدو انهم بدأوا فعلا يشعرون - بان النظام بات يعني سيطرة دينية صفوية فارسية فانهم سينقلبون عليه وسوف لن يصمد حتى وان كانت ايران تخطط لدويلة علوية مع دويلة في جنوب لبنان فان هذا سيكون مرحلة لن تدوم وستنهار بسرعة فمثل هذه الدويلات لا تمتلك مقومات الاستمرار، هذه الويلات ستكون معزولة كجزيرة في وسط معادي وايران البعيدة لن يكون بمقدورها مد يد العون لها بالشكل المطلوب .

بوحي بمصابك ونوحي
عبدالله العثامنه -

سؤال: من الذي أوصل يونسي لأن يقول مثل هذا الكلام ؟؟ من الذي سهّل لأيران احتلال العراق ونهب خيراته وقتل ابناءه ؟؟ لا نريد كلام من اجل الكلام ،، اليست الشخصيات والمرجعيات الشيعيه هي التي رمت بنفسها في الحضن الفارسي وقالت له تعال يا حبيبي اسرح وامرح في طول العراق وعرضه ونحن معك على الموت !! اليست الأحزاب الشيعيه هي التي تباكت على العتبات الأيرانيه المقدسه تستجدي عزة ورفعة ومنعة مفقوده من الف ومئتي سنه؟؟ !! اليست هي التي ذبحت اهل السنّه وهجرتهم وقتلت الشيعه الأحرار في الجنوب وفجرت المراقد في الشمال باعترافهم هم واعتراف الأمريكان!! طيب تفضلوا اقطفوا ثمار الجنى الفارسي المنثور في شوارع ودرابين العراق،،، الناطق بأسم السيستاني يقول كلاما من اجل الكلام تقيه تقيه تقيه!!!! وفي جلساتهم الخاصه يغبطون الأحتلال الأيراني ويقولون له سر الى الأمام نحن معك ليس لأحتلال العراق وحده بل لأحتلال الوطن العربي من المحيط الى الخليج،، وها هم جنود المرجعيات يقاتلون في سوريا والعراق واليمن ولبنان وبقية البلدان دفاعا عن الأمبراطوريه الفارسيه واحلامها الدمويه وقوافل توابيتهم العائده لا تخفى على العيان،،، واذا بقي الأمر على هذا الحال فسترى في كل بيت شيعي عربي نائحة أو ثكلى .