جريدة الجرائد

المرأة السورية في عين العاصفة للحفاظ على الهوية

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بين خلع الحجاب وفرضه بالإكراه… المرأة السورية في عين العاصفة للحفاظ على الهوية

&

&


غازي عنتاب

&

بلغت معاناة الشعب السوري حداً فاق قدرة البشر على الاحتمال بعد دخول الصراع بين نظام الأسد والثائرين ضده عامه الخامس، في غياب أي أفق لحل قريب لمأساة ملايين السوريين، وكان لا بد لهذه التحديات الوجودية الهائلة، أن تترك آثارها على فكر وقيم السوريين الدينية والأخلاقية والاجتماعية؛ لتدخل في دوامة قوية لا تخطئ عين المراقب ملاحظة أطرافها.


تحت وطأة ضغوط البقاء وتأمين الحياة وتحديات العمل الثوري من ملاحقة واعتقال وتعذيب وقتل وتهجير تزعزعت قناعة تيار لا يستهان به من ناشطي الثورة بعقيدته الدينية ففي مدينة غازي عنتاب التركية نشأ تيار يسعى للتحرر من الدين وكافة واجباته المعروفة بالضرورة، بوصفها أحد أسباب الجهل، والتخلف، والرجعية، ويجدون مبـــررهم في سلـــوكيات الجماعات المتشددة كتنظيم الدولة، والنصرة في قمع الحريات وإجبار النساء على الحجاب وإجبار الرجال على الصلاة.
ووصلوا في إنكار التطرف إلى إنكار شعائر الدين الإسلامي جملة وتفصيلاً، وفي كثير من الحالات وصل الأمر إلى الإلحاد وفي حالات أخف وطأة إلى البقاء على الشهادتين، مع نسف كل الموروث الديني بأكمله، والشك في ثبوت الأحاديث النبوية الصحيحة، وبالتالي كل أحكام الشريعة الإسلامية، يغذي تلك النزعة ويساهم في انتشارها حركة نسائية آخذة بالتنامي لخلع الحجاب، وقد شاعت في الفترة الأخيرة أسماء كثيرة لفتيات وناشطات سوريات خلعن الحجاب؛ لأنهن كما يقلن قد أجبرن على ارتدائه؛ ودين الإسلام ـ على حد قولهن ـ لا يقبل التدين بالإكراه.


ولم يتوقف ذلك عند خلع الحجاب بسبب عدم قناعتهن به، بل وصل بهن الأمر إلى إنكار فرضيته من الأساس؛ فهو &- على حد قولهن &- عادة جاهلية وليس هذا هو الحجاب المطلوب، فهن يبحثن عن معنى آخر للحجاب غير ما تعارف عليه المسلمون منذ أربعة عشـــر قرناً وحتى اليوم، ولم يكتفين بخلع الحجاب بل حاولن زعزعة قناعات غيرهن من المسلمـــات المحجبات بصحة التزامهن.
وترتكز تلك الحركة النسوية على واقع حقيقي يقوم على فكرة مظلومية المرأة وسيطرة ثقافة المجتمع الذكوري، واعتبار الحجاب جزءاً من فرض سيطرة النظام الأبوي المتسلط والقمعي، وفي آخر طريق الثورة على الظلم المجتمعي الأكيد، يثرن على الدين جملة وتفصيلا ووصل الأمر في بعض الحالات إلى التطاول على الذات الإلهية ووصفها بما لا يليق، فالحرية بحسب فهمهن هي التحرر من كل شيء، &"المرأة حرة بشعرها تظهره أو تخفيه هذا شأنها، ولا داع لأن يتدخل الله في ذلك والمرأة أيضا حرة بجسدها تهبه لمن تشاء، ولا شأن لأحد بها&".


تقول الناشطة السورية ليلى وهي تقطن مدينة &"غازي عنتاب&" التركية في حديثها لـ &"القدس العربي&" عن هذه الأفكار: أتفهم أن تقيم المرأة علاقة مع من تحب فهذا من حقها، ولكن الأمر تجاوز ذلك إلى أن أي شاب أصبح يقيم علاقة مع أية فتاة هكذا وبشكل عابر، وبلا أي مشاعر أو رادع، ففي السهرات المختلطة التي كثيراً ما يتم تبادل الحشيش والمسكرات، وتبادل العلاقات بين الشباب والفتيات بلا أي رادع، وحتى أن العديد من مديري المنظمات والمسؤولين لجــــأوا للتحرش بالموظفات لديهم وابتزازهن، ولا فرق لديهم إن كانت المرأة محجبة، أو غير محجبة، متزوجة أو غير متزوجة، هذا واقع لا أستطيع القبول به رغم تحرري؛ أشـــعر أننا أصبحنا أشبه بالحيوانات، بل ربما أسوأ في مجتمع يستغلّ حاجة النساء الماسة للعمل في ظروف الحرب والنزوح، و يتلاعب بمشاعرهن ويستهتر بإنسانيتهن، والمؤسف في الأمر أن كثيرات يضطررن للرضوخ لهذا الواقع الأليم.


وتتابع ليلى حديثها: &"هذا التيار آخذ في التصاعد بين اللاجئين السوريين في البلاد الأوروبية بشكل عام، وليس في غازي عنتاب فحسب، يغذيه الرجال كما تغذيه النساء، ويغذيه من خلف ستار تمويل ودعم غربي لا محدود، لأي دعوات انقلابية على الدين الإسلامي، وتسهيلات وامتيازات كبيرة تمنح لهؤلاء النسوة ولتيارهن الفكري، فالمجتمع السوري الآن و بعد استشهاد عدد كبير من الرجال، وتوزع البقية الباقية من الرجال على جبهات القتال أو على المنافي؛ وخلخلة مؤسسة الزواج نتيجة التباين الفكري والسياسي بين الأزواج؛ هذا الواقع يلقي بالمسؤولية الكبرى في بناء الجيل الجديد، وحـــماية كيان الأســـرة السورية، بشكل شبه كامل على عاتق المرأة، ولذلك فإن تجريد المرأة والأسرة من طابعها الإسلامي، و إلباسها كسوة غربية دخيلة مقطوعة الجذور مع أصلها وهويتها، هو أحد مطامح أعداء سوريا، لتذوب الهوية وتنسى القضية&".


على الضفة الأخرى نجد التطرف في فهم الدين وتفسيره في سلوكيات تنظيم الدولة، وما قبله متجلياً في ذلك الضغط المجتمعي للالتزام الشكلي بالشعائر دون فهم للرسالة منها وهدفها، والحكمة من وراء كونها جزءاً من الالتزام الديني، بل وفرضها بالإكراه، الذي يصل أحيانا إلى استخدام قوة السلاح.
تقطن الباحثة هدى في مدينة &"غازي عنتاب&" أيضاً وتتحدث لـ &"القدس العربي&" عن واقع كثيرات من الفتيات اللاتي قد التقت بهن واعترفن بألسنتهن بأنهن لم يضعن الحجاب على رؤوسهن طواعية لله، بل لأن الأب أو الزوج أجبرهن عليه، ولذلك غالباً ما تأتي سلوكياتهن مخالفة لمقتضيات الحجاب من الحشمة والوقار، وتقول: &"على ذات الشاكلة يفرض تنظيم الدولة الإسلامية النقاب على كل النساء في مناطق سيطرته، هؤلاء النسوة المكرهات لا يستغرب أن يخلعن الحجاب عند أول فرصة للحرية، ولكن الأغلبية من النساء السوريات المسلمات يلتزمن بحجابهن وشعائرهن الدينية طواعية، ويحافظن عليها حتى في أسوأ الظروف، وحتى في غياب أي شكل من أشكال الرقابة الاجتماعية&".
تختم الباحثة هدى بالقول: إن الإسلام ليس حجابا فقط، بل هو بنيان قائم على خمسة أركان أولها الشهادة وآخرها الحج والحجاب، ليس ركنا من أركان الإسلام؛ ولكنه فرض معلوم من الدين بالضرورة، يحمل هوية المرأة المسلمة ويسعى لحمايتها، وحماية المجتمع، ونشر الفضيلة بين أفراده، والإسلام لا يفرض على أحد الالتزام بشعائره بالإكراه؛ فلا إكراه في الدين، ولكن وكما يكفل الإسلام للبشر حرية المعتقد، فإن هذا لا يبرر التطاول على الدين وشعائره المعلومة بالضرورة، أو التطاول على ذات الله، وإعلان الإلحاد من قبل كتاب وشعراء وصحافيين وناشطين ليسوا بالقلة، لا بد أن يكون الاحترام متبادلاً، والحفاظ على حد أدنى من الالتزام الأخلاقي والإنساني مطلبا أساسيا؛ لانتصار ثورة الإنسان مهما كانت درجة التزامه على الظلم والطغيان، لا لادخاله في متاهات جديدة وطغيان للشهوات وشطط في الأفكار.
ويقع على عاتق المرأة السورية في البلاد الأوروبية الحمل الأكبر في حماية نفسها وأسرتها ومعتقداتها في ظل هذه التحديات الهائلة التي تواجهها، ولا شك بأنها قد أثبتت شجاعتها في مواجهة النظام الأسدي وضحت في سبيل كرامة وطنها بكل شيء، حتى لا تذوب وتفقد العقيدة أو تضيع الانتماء، فأمل سورية اليوم بل المنطقة تحمله على عاتقها تلك النساء اللاتي سيربين جيل الغد والذي إن نشأ مدركا لهويته وثوابته فسيقف في وجه مطامع كل أنظمة الاستبداد والقمع والتسلط.
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف