قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
حسان حيدر&في الدول العادية، لا يفعل الضابط، مهما علا شأنه، سوى تنفيذ ما أوكلت إليه القيادة السياسية من مهمات. وقد يبالغ بعضهم في إظهار ولائه والتزامه التعليمات، فيتشدد في تطبيقها إلى حد يتجاوز الغرض منها. لكن، ودوماً في الدول العادية، يخضع أي ضابط لمراجعات ومحاكمات إذا ما أخلّ بحدود صلاحياته، واجتهد في تفسير مهمته، وخرق الأصول المتبعة في تنفيذها، حتى لو جرى ذلك في بلد آخر غير بلده، وعادة ما تتحمل القيادة السياسية المسؤولية عن أعماله لأنها تعتبره موظفاً لديها.&لكن، في الدول التي تحكمها أنظمة عسكرية - أمنية، ليست هناك حدود ترسم للضباط المكلفين أدواراً داخل البلاد أو خارجها، بل تُترك لهم حرية اختيار وسائل التنفيذ وتوقيته ومداه. فالمهم هو النتائج وليس كيفية الوصول إليها. ولأن الضابط في أنظمة كهذه يشعر بأنه من &"أهل البيت&" وأن ما يفعله يصب في &"المصلحة الوطنية&" التي لا يفرق بينها وبين مصلحته الشخصية، فهو &"يُبدع&"، إرضاء لمسؤوليه، في ابتكار أساليب تحقيق ما يصبون إليه، حتى لو شمل ذلك الظلم والاعتقال والقتل.&وهذه هي حال ضابط الاستخبارات السورية رستم غزالي، المتوفى قتلاً أو تعذيباً أو بـ &"مرض نادر&"، والذي كان حاكماً عسكرياً للبنان، وجاء إعلان وفاته قبل يومين من حلول ذكرى خروج الجيش السوري من هذا البلد في 26 نيسان (أبريل)، إذ عُرف عنه بطشه وسفاهته وتجاوزاته في التعامل مع اللبنانيين على اختلاف مللهم وعقائدهم، وتورطه في السرقة والإفساد، وتهديداته المتكررة بالاغتيال وصولاً إلى الاغتيال نفسه. أما ما ذكر عن محاولته الاتصال بسعد الحريري ورغبته في &"إعلان شيء ما&" قبيل موته، فلن يشفع له في تبييض سجله الأسود الحادق لدى اللبنانيين والسوريين.&غزالي، مثله مثل سلفه الضابط الآخر &"المنتحر&" غازي كنعان وسائر الضباط الكبار والصغار الذين شاركوهما &"الانتداب&" على لبنان، كان نموذجاً للرجال الذين ينتجهم نظام يفرض سطوته بالقهر والتسلط. فالعسكريون السوريون الذين تولوا حكم بيروت على مدى نحو ثلاثة عقود، تصرفوا تماماً مثلما يفعلون في بلدهم في ظل نظامهم الأمني، حيث لا كرامة لمواطن ولا حرية ولا رأي، بل حيث السوريون مهددون في كل لحظة بالإهانة والسجن والاختفاء والقتل. فكيف إذا كانوا يريدون فرض سلطتهم على بلد دخلوه بذرائع واهية، ومتهم بأنه لا يرحب بهم، ويطالبهم مواطنوه بأن يحترموا طرق عيشهم وعاداتهم وتنوعهم وحرياتهم، على نسبيتها.&وعلى رغم كثرة الإشاعات التي أحاطت بموت غزالي، واعتبر بعضها أن نظام الأسد المُتوارث يسعى إلى إغلاق ملف ضباطه المتورطين في لبنان بقتلهم، كي لا يمثلوا أمام المحكمة الدولية التي تنظر في جريمة اغتيال رفيق الحريري، بعدما تبدلت الأحوال وبات النظام التوسعي في حال &"دفاع&" وتراجع، فالمؤكد أن النظام السوري لن ينجح في تغيير جلدته وصورته وطبيعته، مهما قدم من &"قرابين&"، وأن مصيره الوحيد سيكون مثول رأسه، ولو ميتاً، أمام محكمة لجرائم الحرب، مع سائر أركانه.&وهذه المحاكمة لن تكون فقط بسبب التنكيل بالبلد الصغير المجاور، والاغتيالات المتوالية لكبار شخصياته السياسية والدينية والإعلامية، وتفكيك مؤسساته الدستورية، وتحجيم دوره الفكري والثقافي والتعليمي، بل خصوصاً بسبب ما فعله الأسد بشعبه نفسه بعد انتفاضة 2011، حين توسع القتل والتنكيل ليشمل مئات آلاف الضحايا، وتزايد التدمير ليطاول مدناً وقرى بأكملها، واكتمل ذلك كله بتهجير ملايين السوريين.&لكن الأسد الأب والابن لم يقدما على ما فعلاه في لبنان من دون غض الطرف، بل أحياناً الشراكة، من دول نافذة دولياً وعربياً، أوكلت أمر الجار الضعيف إلى دمشق، بعضها اتقاء لشرّها، وبعضها لاتفاق في المصالح والأهداف. وهذه الحقيقة يفترض أن تدفع الكثيرين إلى إعادة قراءة التاريخ القريب، لعلهم يدركون كيف يمكن تجنب أن يحصل في دول أخرى ما أوصل لبنان إلى الوقوع فريسة سهلة في يد إيران وأجهزتها.