الإرهاب . . النشأة والتطور
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عاطف الغمري
الأحداث التي تقتحم عالمنا العربى، تتشكل في صورة مراوغة، ليست مألوفة على هذا النحو في أي مكان آخر، بحيث تثير حيرة خبراء من المتابعين والمحللين، الذين يلتزمون بمنهج التحليل السياسي المجرد للأحداث .
هذه المراوغة - أو الغموض المحير - جذب اهتمام كثيرين من المتخصصين في مجالات حل ألغاز ظاهرة المنظمات الإرهابية - وأكثرها إثارة للجدل "داعش" - من بدء وجودها، وحتى تضخم كياناتها بالمال والسلاح بما يتجاوز قدرات بعض الدول . وقيمة ما استخلصوه من دأبهم وراء حل ما اعتبروه لغزاً هو استناد جهودهم إلى رصيد من الخبرة والتخصص، وعشرات المؤلفات التي لم تكن بعيدة عما يجري في بلادنا .
بداية، استوقفهم التناقض الصارخ في مواقف الولايات المتحدة، وما بدا لهم من وجود خطوط تواصل بينها وبين هذه المنظمات، واستخدامها لهم .
والتناقض - في مثل هذه الحالات - له تاريخ سابق، وليس حديث النشأة، فالولايات المتحدة هي التي أسقطت حكم صدام حسين عام ،2003 وهي نفسها التي تحالفت معه عام ،1980 وكانت مصدر تزويده بالسلاح في حربه مع إيران طوال سنوات الحرب حتى عام ،1988 ووقتها فتح صدام أبواب العراق للمخابرات المركزية تقيم مكاتب، وتتحرك وتنشط .
والولايات المتحدة التي خاضت حرباً في أفغانستان وباكستان ضد تنظيم القاعدة، هى نفسها التي كانت وراء الولادة الحقيقية لهذا التنظيم عام ،1979 حيت تولت تدريب وتسليح المقاتلين ضد الوجود العسكري السوفييتي .
وكان أحد المحامين الأمريكيين عن متهم من قيادات "القاعدة"، أثناء نظر اتهامات ضده في المحكمة في نيويورك عام ،1995 قد وقف يقرأ من ورقة فيها معلومات موثقة، أسماء أشخاص أصبحوا فيما بعد من القيادات الرئيسية ل"القاعدة"، كانت قد أتت بهم المخابرات المركزية إلى الولايات المتحدة، وتولت تدريبهم في القواعد العسكرية التي ذكرها بالاسم في ولايات أمريكية . وهؤلاء هم الذين تحولوا إلى أعداء للولايات المتحدة فيما بعد .
أي أن العلاقة تقام حين تكون الولايات المتحدة في حاجة لاستخدام إرهابيين في عمليات تخدم مصالحها، أما حين تستنفذ أغراضها منهم، أو عندما يتحولون بعد شعورهم بقوتهم الذاتية إلى مناصبة أمريكا العداء، فإنها تصنفهم أعداء لها . . . أحد أبرز الذين ركزوا جهودهم على هذه الصلة اللغز، هو ويليام انجدال الخبير في علوم الاستراتيجية، والحائز جوائز دولية في التحليل الجيوبوليتيكي، والذين نشرت له مؤلفات عدة ترجمت إلى 13 لغة عالمية .
انجدال كتب في يونيو/حزيران 2014 دراسة تقول: إن التفاصيل تتسرب عن أن الصعود العسكري الكبير ل"داعش" في العراق، والأقل منه صعوداً في سوريا، قد تمت صياغة خطته والتحكم فيها، داخل مقر وكالة المخابرات المركزية في لانجلي بولاية فيرجينيا، وفي وزارة الدفاع، باعتبار أن ظهور "داعش" وإطلاق العنان لها، سيتسبب في المرحلة المقبلة، بنشر الفوضى في المنطقة، والحيلولة دون استعادة الاستقرار في سوريا .
يتأكد ذلك على ضوء ما سبق أن ما كتبه خبراء أمريكيون في صحف بلادهم، من اتهامات لإدارة أوباما، بأنها وراء التمدد الكبير ل"داعش"، من سوريا إلى العراق، حين أغمضت عينيها عن بدايات انتشار "داعش" في سوريا، على أمل أن يخدم ذلك هدف أوباما من إسقاط نظام الأسد، لكن ذلك أدى إلى تمدد "داعش" في العراق بالشكل الخطر الذى وصل إليه .
ويشير انجدال إلى واقعة قيام جنود عراقيين في تكريت بتسليم أسلحتهم وملابسهم العسكرية، طواعية لمقاتلى "داعش"، الذين لم يتعرضوا لهم بالقتل، على غير عادتهم ثم يضيف أن قادة "داعش" الكبار، وعلى رأسهم أبوبكر البغدادي هم عملاء مباشرون للمخابرات الأمريكية .
يكمل هذه المعلومات ويبستر تابريلي المؤرخ والمحاضر في عدد من الجامعات الأمريكية في دراسة له أن تعامل الولايات المتحدة مع الإرهابيين، قام على استخدام تنظيم "القاعدة"، للإطاحة بحكومات مستقلة في المنطقة، وهو ما يحقق لها هدف تقسيم هذه الدول من داخلها، وتبقى هي بعيداً عن الظهور في هذه الأحداث، ويقول إن من التناقضات الكارثية للسياسة الأمريكية، وللمخابرات المركزية في عام 2011 أنها هدفت إلى إقامة تحالف ودي مع مقاتلي تنظيم "القاعدة" في شمال ليبيا، فى الوقت نفسه الذى كانت فيه أمريكا تقصف بشراسة المدنيين في باكستان، تحت مسمى حرب شاملة ضد "القاعدة" . . أي أن تناقضات المواقف متوافرة دائماً، ثم تبين أن بعضاً ممن عرفوا بأنهم فريق من الثوار في ليبيا، هم إرهابيون حملوا مؤخراً اسم "داعش" .
وكان موضوع أصل وجود "داعش" في ليبيا، قد نشرت عنه شبكة"سي . إن . إن"، تقريراً عنوانه "داعش تأتي إلى ليبيا"، يقول إن علم "داعش" الأسود، قد رفع فوق المباني الحكومية أثناء غارات حلف الأطلسي عام ،2011 وهو ما يعني أن مقاتلي "داعش" كانوا موجودين من قبل إسقاط حكم القذافي، حتى وإن أطلقوا على أنفسهم أسماء أخرى مثل "أنصار الشريعة" وغيرها، وعندما اشتعلت المعارك داخل سوريا كانوا مناصرين للجماعات الإرهابية وأحد قادتهم وهو الليبي مهدي الحراتي، كان يقود الإرهابيين الليبيين في سوريا، وبعدها عادوا إلى ليبيا وأعادوا تنظيم أنفسهم، ليستخدموا ليبيا نقطة انطلاق للهجوم على دول أخرى .
الكثير جداً قيل عن أن الإرهاب في أصل منشئه صناعة أمريكية، ارتبط بهدف استراتيجي للولايات المتحدة، وهو تفتيت وتقسيم الدول العربية، وكان الإرهاب يتبنى الهدف نفسه، ولكن له بدايات وجود محلية، ساعدته على الانتشار، وبالتالي التقى الطرفان على هدف مشترك .
في هذا الإطار كان التناقض ظاهراً في المواقف الأمريكية ، فهي تتصدى للإرهاب حين يتجاوز حدوداً لا تقبلها، إلى تهديد مباشر لمصالح أمريكية، وفى الوقت نفسه يراها العالم متلكئة أو مترددة في تكريس كل ما لديها من إمكانات لاستئصال الإرهاب من جذوره، وتكتفي بقصقصة ريشه، وهو ما يتيح لريشه أن ينمو من جديد، وتلك اتهامات توجه إلى إدارة أوباما، من داخل بلاده ذاتها .