جريدة الجرائد

تونس.. تحول ديمقراطي منقوص

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


تونس.. تحول ديمقراطي منقوص في ظل أحزاب غير مكتملة البناء


روعة قاسم


&

&

&

&رغم نجاح تونس في العبور من مرحلتها الإنتقالية بسلام وبأخف الأضرار مقارنة بمحيطها الإقليمي، إلا أن التوجس والخيفة ما زالا يسيطران على تفكير النخبة السياسية. والسبب في ذلك هو عدم اكتمال بناء الأحزاب السياسية، عماد الديمقراطية الناشئة، فهي برأي البعض مجرد تجمعات انتخابية هدفها الوصول إلى السلطة وممارستها دون برامج أو رؤى مستقبلية أو تخطيط استراتيجي.
إذ لا تتوفر في الأحزاب السياسية التونسية مراكز بحوث ودراسات تخطط للمستقبل وتضع البرامج وتوفر للسياسيين بنوك معلومات يستعين بها صاحب القرار بمجرد تسلمه لمهامه في الدولة بعد النجاح في الإنتخابات. فأغلب هذه الأحزاب حديثة النشأة، وحتى تلك التي تأسست منها قبل 14 كانون الثاني/يناير 2011 تاريخ رحيل نظام بن علي، لم تنل تأشيرتها إلا لاحقا وبعضها كان ينشط في سرية تامة بعيدا عن أعين الرقباء وأحيانا على مرأى ومسمع منهم.

المؤتمر التأسيسي

فـ&"الحزب الحاكم&" والحائز على المرتبة الأولى، حركة نداء تونس، لم يعقد مؤتمره التأسيسي بعد وقد ينشطر إلى قسمين حتى قبل أن يعقد هذا المؤتمر. فالشق الموالي لنجل رئيس الجمهورية ورئيس الحزب السابق، قد يذهب باتجاه التأسيس لحزب جديد تحت مسمى &"النداء الجديد&" أسوة بالزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذي انشق في الثاني من آذار/مارس سنة 1934 عن الحزب الحر الدستوري الذي كان يرأسه الشيخ عبد العزيز الثعالبي وأسس الحزب الحر الدستوري الجديد في مؤتمر قصر هلال في الساحل التونسي.
وينتمي أغلب المحسوبين على هذا التيار إلى الفئة التي لم تنل حظها في تعيينات الوزراء والمستشارين والمناصب الإدارية الهامة وكذا نسبة هامة من القواعد التي أوصلت الحزب إلى الحكم من خلال العمل الميداني خلال الحملات الإنتخابية. ويتهم هؤلاء الفريق الآخر داخل حزبهم الذي يضم عددا من مستشاري الرئاسة ووزير الخارجية والمدير التنفيذي للحزب، بالإستئثار بالقرار الحزبي من جهة وبالمناصب السياسية في الدولة بعد الإنتخابات من جهة أخرى ويهدد بعضهم بالذهاب في خيار الحزب الجديد في حال لم يتم عقد مؤتمر الحزب.
بين الحزب السياسي والحركة الدعوية
حركة النهضة، الشريك الثاني في الحكم، ورغم ما يبدو من تماسك داخلها حتمته الظروف الصعبة التي عاشها أبناء الحركة زمن الإستبداد والتي جعلتهم أكثر تلاحما، ليست بدورها حزبا سياسيا مكتمل البناء وتفتقر إلى ما تفتقر إليه حركة نداء تونس رغم أسبقية التأسيس. فلا توجد داخل الحركة الإسلامية التونسية هيئات للتخطيط والبرمجة ولتكوين القيادات وتــجهيزهم لتــسلم المسؤوليات في الدولة.
كما يتوقع أن تحسم حركة النهضة خلال مؤتمرها المقبل مسألة الفصل بين ماهو عمل دعوي جمعياتي يصنف في خانة المجتمع المدني يقوم به بعض قيادييها والهدف منه خدمة المجتمع دون مقابل، وبين ماهو سياسي هدفه الوصول إلى الحكم وممارسته وتنفيذ البرامج الإنتخابية. وكان القيادي النهضوي الحبيب اللوز قد دعا في وقت سابق إلى ضرورة الفصل في هذا المجال حتى يتأسس حزب سياسي حقيقي قادر على التداول السلمي على حكم تونس مع غيره من الأحزاب السياسية التونسية.

الأداء الحكومي

ولا يبدو الأداء الحكومي في أفضل حالاته، حيث انعكس غياب البرامج لدى الأحزاب الحاكمة وانصرافها بعضها إلى صراعاته الداخلية، سلبا على أداء حكومة الحبيب الصيد التي تسلمت مهامها بداية هذا العام. فالبعض يرى في هذه الحكومة، مجرد حكومة تصريف أعمال لمرحلة انتقالية رابعة وليس حكومة برامج منتخبة ديمقراطيا لتحكم وتخطط لخمس سنوات مقبلة.
فالأداء الحكومي إلى حد الآن هزيل وفي أكثر من وزارة، برأي عدد من التونسيين، فلم يتم تناول الملفات الكبرى العالقة بعد، كما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة تنعكس إيجابا على معيشة التونسيين وتشعرهم بأن هناك تغييرا إيجابيا ما حصل في البلاد. فلم يتم إصدار عفو جبائي، على سبيل المثال، وكما كان منتظرا، ولم يتم الضغط للتخفيض في أسعار المواد الإستهلاكية التي ارتفعت إلى مستوى قياسي حتى كادت تونس تصبح واحدة من أغلى الدول في العالم العربي على مستوى المعيشة.

غياب التخطيط والبرمجة

كما غابت البرامج على هذه الحكومة وأغلب ما يتم إنجازه في الوقت الراهن، مجرد مشاريع انطلقت قبل الثورة وتتواصل إلى يوم الناس هذا بسبب التأخير الذي تسببت فيه الظروف الإستثنائية التي عاشتها البلاد. فلا يوجد تصور لدى صناع القرار الجدد يتعلق برؤيتهم لتونس بعد عقود من الزمان، فأغلب المبادرات الصادرة عن هذا العضو الحكومي أو ذاك، ونظرا لطرحها الغريب، كثيرا ما تصبح مثارا للسخرية والتندر من قبل كثير من التونسيين على مواقع التواصل الإجتماعي وفي عدد من المنابر الإعلامية.
ويشار إلى أن هذه الحكومة مؤهلة لاتخاذ القرارات المصيرية وللتخطيط ولوضع الرؤى والتصورات بخلاف الحكومات المؤقتة التي ساست البلاد خلال المراحل الإنتقالية الإستثنائية التي عاشتها تونس خلال السنوات الماضية. ولكنها تبدو مترددة ومرتبكة في أكثر من ملف. ومن المؤكد بالنسبة للبعض أن الحكومة التي ستعقبها لن تكون أفضل حالا منها في ظل عدم اكتمال بناء الأحزاب السياسية التونسية وغياب المؤسسات التي تعنى بالتخطيط والتكوين ووضع البرامج داخل هذه الأحزاب.

&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف