حين يغيب الملك عن القمة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
جاسر الجاسر
كان حضور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قمة كامب ديفيد غير مؤكد إلى أن أعلنت الرياض يوم الأحد عدم مشاركته، مستخدمة لغة مؤدبة تربط عدم المشاركة بانشغال الملك بأعمال الإغاثة الإنسانية في اليمن. هذا العذر رسالة إلى اليمنيين باهتمام الملك بالأوضاع في اليمن، وتقديمها على كل ما سواها. وهو في جانب آخر إشارة إلى أن الملك لن يحضر قمة كهذه من دون نتائج مضمونة ومحددة، وربما يكون غياب الملك محفزاً لواشنطن لتقديم التزاماتها كاملة.
&
كان من غير المتوقع أن تجيء زيارة الملك الأولى لواشنطن بهذه الصيغة. كان من الممكن أن يلتقي الملك بالرئيس أوباما عرَضياً في اجتماع للأمم المتحدة، أما أن يذهب مباشرة لكامب ديفيد قبل تبادل الزيارات الرسمية فهو أمر مستبعد، بعيداً من أي سبب آخر.
&
من ناحية أخرى لم يتجاهل الملك القمة، فهو أوفد فريقه السياسي والأمني والعسكري ممثلاً في ولي العهد وولي ولي العهد، ما قد يعني دفعاً للقيادات الشابة للدخول المباشر في الفعل والمشاركة، والاهتمام الكامل بنتائج القمة ومحصلتها النهائية. الخليج يذهب إلى هذه القمة بورقة واحدة مقدماً نفسه بقوة، على أنه تكتل واحد لا يتجزأ ولا تتصادم مطالبه ومواقفه، خصوصاً بعد قمته التشاورية المثيرة للجدل التي أوصلت إلى واشنطن رسالته الصريحة والقوية: لا حلول وسطى، ولا وعود عائمة، وأن أمن الخليج لا تراخي فيه، وأن الخيارات متعددة إن لم تحسم واشنطن، الشريك الاستراتيجي، أمرها، وتسد ثغرات موقفها.
&
خلال جولة وزير الخارجية جون كيري ولقاءاته بالملك ومن ثم نظرائه الخليجيين يبدو أن واشنطن أدركت رسالة القمة التشاورية، وتسعى إلى صناعة اتفاق وتعاون مختلف جذرياً، فلا شك في أن حضور الرئيس الفرنسي هذه القمة والتصريحات اللاحقة برهنا أن دول مجلس التعاون جادة في تنويع خياراتها، وأنها قد تدير وجهها حال ضبابية الرؤية الأميركية في هذه المسألة، ولعل تصريح سفير الإمارات لدى واشنطن عن ضرورة تعهدات أميركية مكتوبة يعبر عن حجم الارتياب الخليجي وتشككه.
&
وفقاً لكل المعطيات، فإن هذه القمة ستكون مفصلية وعالية الشفافية، وشديدة الوضوح في طرح المطالبات الخليجية، وأن واشنطن لن تفرط في خسارة حلفائها التقليديين، وستقدم كل الضمانات اللازمة، وهو ما يتبدى من التصريحات المتفائلة والمتحمسة لجون كيري، وإن كان لسان إدارة أوباما لا يحكم مساره سوى الورق والنص المحدد.
&
يذهب الخليجيون وهم أصحاب القرار، ويستجيبون للدعوة حرصاً على الشريك والحليف، وبحثاً عن صيغة نهائية متكاملة. يذهبون وهم يتمتعون بالقوة والرؤية المتماسكة، وسيعودون في الغالب بالأوراق الرابحة جميعها، فالمشاركون جميعاً مفاوضون شرسون لا يملكون ترف الوقت والخيارات المعلقة. واشنطن انتبهت إلى خطئها، فإن تحقق ذلك كان الشكر لجميع الشباب الممثلين للخليج، وربما تجيء زيارة الملك بعد ذلك للمباركة النهائية.
&
غياب الملك رسالة وفرصة، وخطة ديبلوماسية ذكية يجيد الخليج الآن التحكم في أدواتها.
&