جريدة الجرائد

تحديات العرب في بيئة استراتيجية نووية غير مواتية

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

محمد السعيد ادريس

أوشك مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الذي بدأ انعقاده في نيويورك يوم الاثنين 27 إبريل/ نيسان الفائت ويستمر حتى يوم غد الجمعة، على الانتهاء من دون أي بادرة أمل تقول إن هذا المؤتمر في طريقه إلى الاستجابة لأهم مطلبين يشغلان العرب منذ مؤتمر المراجعة الذي عقد عام 1995 (المؤتمر يعقد كل خمس سنوات لمراجعة مدى تقدم المعاهدة في تحقيق أهدافها) وهما: مطلب العرب في دعوة &"إسرائيل&" للتوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والالتزام بما يعنيه هذا التوقيع من فتح كل المنشآت النووية &"الإسرائيلية&" أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتأكد من التزام &"إسرائيل&" بالضوابط والقيود التي تمنع الدول من امتلاك أسلحة نووية، ومطلب العرب في الدعوة لجعل إقليم الشرق الأوسط إقليماً خالياً من أسلحة الدمار الشامل، وفي مقدمتها بالطبع الأسلحة النووية.

ذهاب العرب للمشاركة في أعمال هذه الدورة لمؤتمر المراجعة اكتسب أهمية كبيرة في ظل بروز متغير جديد شديد الأهمية له علاقة مباشرة بما يمكن تسميته بالبيئة الاستراتيجية العربية وهو نجاح إيران في التوصل إلى &"اتفاق إطاري&" مع مجموعة دول &"5+1&" حول برنامجها النووي ينتظر أن يتحول إلى اتفاق طويل المدى (10- 15 سنة) يحدد قواعد امتلاك إيران لبرنامج نووي سلمي يجب ألا يتحول إلى برنامج نووي عسكري.

هذا المتغير له معنى واضح ومحدد، وهو أن إيران أصبحت &"قوة نووية&" معترفاً بها دولياً، وأنها يمكن أن تتحول إلى قوة نووية عسكرية بعد انقضاء المدة المحددة في الاتفاق الذي من المتوقع أن يعلن قبل 30 يونيو/حزيران المقبل. هذا يعني أن إقليم الشرق الأوسط يتجه إلى أن يتحول إلى &"نظام إقليمي ثنائي القطبية&" (“إسرائيلية”- إيرانية) بدعم ومساعدة أميركية. كما يعني أن هذا الإقليم في طريقه إلى تغليب مبدأ &"الانتشار النووي&" على أنقاض مبدأ &"منع الانتشار النووي&" الذي ظل العرب ينادون ويلتزمون به في دعوتهم &"إسرائيل&" للتوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وجعل إقليم الشرق الأوسط إقليماً خالياً من أسلحة الدمار الشامل.

مجمل هذه التطورات لها معنيان مباشران؛ المعنى الأول أن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية باتت معرضة للخطر جراء التنصل المتعمد من التزاماتها، والثاني أن الأمن العربي أضحى مهدداً في ظل شيوع واقع الانتشار النووي على حساب دعوة منع الانتشار النووي.

فمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية التي أبرمت عام 1968 ودخلت حيز التنفيذ عام 1970 قامت على ثلاث ركائز أساسية أولاها: منع الانتشار النووي، وثانيتها نزع السلاح النووي، وثالثتها الاستخدام السلمي للطاقة النووية.

وإذا كانت المعاهدة نجحت جزئياً في منع انتشار الأسلحة النووية (هناك أربعة دول ضربت عرض الحائط بالمعاهدة وامتلكت أسلحة نووية، هي الهند وباكستان و&"إسرائيل&" وأخيراً كوريا الشمالية)، ونجحت نسبياً في الاستخدام السلمي للطاقة النووية عبر جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإنها فشلت فشلاً ذريعاً في نزع الأسلحة النووية التي تمتلكها الدول الخمس الكبرى أعضاء &"النادي النووي&". هذه الدول، وللأسف، لم تكتف بالتنصل من تعهداتها بنزع أسلحتها النووية، ولكنها دعمت دولاً حليفة لامتلاك هذه الأسلحة وتتستر على امتلاك دولة بعينها هي الكيان الصهيوني.

فقد ساندت الولايات المتحدة &"إسرائيل&" في تسويفها ورفضها التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ومنع انعقاد مؤتمر جعل الشرق الأوسط خالياً من أسلحة الدمار الشامل. حيث تصدت الولايات المتحدة لدعوة انعقاد هذا المؤتمر الذي كان مقرراً انعقاده في العاصمة الفنلندية هلسنكي في ديسمبر/كانون الأول 2012 تحت مزاعم أن الوضع في الشرق الأوسط لا يسمح بذلك في ظل غياب التوافق بين دول المنطقة، وربطت بين انعقاد مثل هذا المؤتمر وإقرار الأمن والسلام الشامل (الذي يحقق كل مطالب &"اسرائيل&")، وأكدت أنها &"لا يمكنها دعم مؤتمر يشعر فيه بلد من بلدان المنطقة بأنه تحت ضغط أو معزول&".

كل هذا يحدث في ظل التحولات النووية الجديدة في البيئة الاستراتيجية العربية، وبالذات تحول نظام الشرق الأوسط إلى نظام نووي ثنائي القطبية: &"إسرائيلي&"- إيراني مدعوم أميركياً ومفعم بالغطرسة والتحديات &"الإسرائيلية&"، كما عبر عنها قادة الكيان الصهيوني على نحو ما كشف عنه يوسي ميلمان الكاتب في صحيفة &"معاريف&" بقوله: &"من الواضح أنه لن تحدث معجزة في الشرق الأوسط، ولن يكون خالياً من السلاح النووي.. هذا لن يحدث هذا الشهر وليس في المستقبل المنظور أيضاً&".&

ثقة &"الإسرائيليين&" بأن المؤتمر المنعقد في نيويورك الآن لن يحقق أية نتائج ليست نابعة من الدعم الأميركي المطلق للموقف &"الإسرائيلي&" فقط، أو من الحديث عن &"صفقة أميركية - “إسرائيلية” - إيرانية&" تقايض &"الاتفاق النووي مع إيران بالقدرات النووية العسكرية الإسرائيلية&"، لكن هناك أيضاً قراءة &"إسرائيلية&" للواقع العربي البائس الآن كونه لا يشكل مصدر قوة تجبر&"إسرائيل&" على الخضوع للمطالب العربية بخصوص قدراتها النووية العسكرية، وفي مقدمة هذا الواقع البائس المتمثل بالإرهاب التكفيري، وذلك الشرخ الذي يزداد عمقاً واتساعاً بين ما يروج له الإعلام الصهيوني والأميركي عن صراعات مذهبية، وظهور إيران كقوة إقليمية أضحت مصدراً للتهديد بالنسبة لبعض الدول العربية، لدرجة أن &"إسرائيل&" باتت مقتنعة بأن بعض الدول العربية أصبحت قلقة من طموحات التوسع الإيراني أكثر من قلقها وخوفها من احتكار &"إسرائيل&" للسلاح النووي.

كل هذه المعلومات تعرفها وتحفظها عن ظهر قلب كل الوفود العربية الموجودة الآن في نيويورك المشاركة في مؤتمر مراجعة حظر انتشار الأسلحة النووية، لكن لا أحد يقدم لنا إجابة عن سؤال: لماذا ذهبت وهي تدرك مسبقاً فشل المسعى الذي تريده على نحو ما حدث في الدورات السابقة؟ وربما يسأل البعض: هل لدينا خيارات بديلة؟

الحقيقة تقول: نعم لدينا خيارات بديلة، لكن المهم أن تكون لدينا الإرادة السياسية اللازمة لإنجاح هذه الخيارات. فالدول العربية تستطيع الانسحاب الجماعي من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وهذا حق مكفول لها طبقاً لنصوص المعاهدة. والدول العربية تستطيع تجميد مشاركتها في أعمال الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومؤتمرات المراجعة اعتراضاً على سياسة الكيل بمكيالين التي باتت من أهم معالم النظام العالمي غير العادل.

وإذا كانت هذه الخيارات قد يراها البعض سلبية، فإن لدينا خيارات أخرى إيجابية، في مقدمتها أن نسعى إلى امتلاك برامج نووية حقيقية، بما فيها امتلاك ما يسمى ب&"دورة الوقود النووي&" من دون السعي لامتلاك أسلحة نووية، أي أن تصبح دول &"حافة نووية&"، كما هو حال ما لا يقل عن 59 دولة في العالم، عندها سيسمع العالم صوتنا لأننا سنكون دولاً لديها قدرات وإمكانات، وليس مجرد دول أصوات تعترض ولا يأبه أحد باعتراضها، إذا كنا فعلاً نريد أن نواجه الانحياز الأميركي ضد العرب الذي لم يعد انحيازاً فقط &"لإسرائيل&" بل وأيضاً لإيران يفرض في الشرق الأوسط نظاماً إقليمياً ثنائي القطبية تقوده &"إسرائيل&" وإيران على حساب العرب ومصالحهم ومكانتهم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف