مشاهد حية من مأساة القديح
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
علي سعد الموسى
المشهد الأول: بنهاية هذا الأسبوع، ينهي عمر "نجل ابن عمي المباشر، سنوات التدريب في معهد التدريب الأساسي بشركة أرامكو. كان مقرراً له أن يدخل الامتحان الأخير يوم الأربعاء القادم وأمام من؟ أمام أستاذه محمد حسن عبد رب النبي الذي تحول إلى أشلاء متناثرة في الحادث الإرهابي بمسجد الإمام علي في قرية القديح، هذا ما قاله لي ابني عمر: يا عم: لم يكن أستاذنا جزءاً من خطب خامنئي ولا شيئا من أفكار الظواهري وحسن نصر الله. كان مسالما بريئا وكان حريصا على أن نتعلم إلى الدرجة التي كان يجلس فيها معنا في وجبة الغداء ليشرح لنا على الطاولة ما فات من الحصة التدريبية. كان أبو عبد الله، يا عم، وفي كل دقيقة من مشوار السنوات الأربع في رأس تنورة يزرع فينا روح التحدي وبذرة الطموح والنجاح. يختم عمر: أشعر بذنب شديد لأن الفتنة الطائفية البغيضة تمنعني من الذهاب للعزاء في رحيل إنسان كان مثل أب حريص طوال سنوات التدريب، وأشعر بالاكتئاب لأنني سأدخل امتحان الأربعاء النهائي في غياب "المعلم" الذي لم يبخل بدقيقة واحدة بالإجابة قبل وضع الأسئلة.
المشهد الثاني: كنت مع بضعة من "حرافيشي" مساء البارحة حين بدأ السؤال: كيف علمت بخبر مأساة القديح؟ أولهم أجاب: من قناة "المنار" التي كانت أول من أذاع الخبر، وفي هذا دلالة لافتة، الثاني يسأل: وماذا ستقول قناة "وصال" تعليقا على الخبر؟ أما أنا فقد وصل إلي خبر حادثة القديح قبل أكثر من ربع قرن من الزمن، وهذا لم يكن رجما من الغيب أو مسا من الجن. والقصة أن صدفة أخذتني ذات زمن لصلاة الجمعة في مسجد قرية بدوية على الشرق البعيد من أقصى حدود قبيلتي، ويومها استمعت إلى الخطيب الوافد وهو يقول بالحرف الواحد ثلاث مرات: "اللهم أحم هذه القرى وأهلها من شر نجران وأهلها"، تماسكت لربع قرن عن نشر هذا الدعاء "الفضيحة" الذي يبذر جذور الفتنة بين تلك القرى المتشابكة التي عرفت على الزمن بتاريخ من "إمحلف" بين قبيلتين على البر والتقوى وإغاثة الملهوف.
المشهد الثالث: يعمل شقيقي الغالي، طبيبا استشاريا بمستشفى أرامكو بالظهران وفي العام الماضي توفي والد أحد موظفيه. كان شقيقي يشرح لي قصة الذهاب إلى القطيف وإلى قلبها، لتأدية واجب العزاء لزميل عمل. ما زلت أتذكر حتى اللحظة كلمات شقيقي في طريق العودة من قلب القطيف عن الاستقبال الحار وعن أوهام الفتنة التي جعلت من "سعيد" ماكينة تفكر لألف مرة وكيف تذهب إلى العزاء في والد "جعفر".
المشهد الأخير: تابعت حتى اللحظة معظم "تغريدات" أصحاب الملايين من المتابعين، ويؤسفني جدا جدا أنهم آثروا الهروب من إدانة "قديح" شرارة فتنة وطنية. تأكدت أن لهؤلاء أتباع جماهيرية لا يريدون خسارتها بكلمة حق في وجه شرارة مخيفة. معظم هؤلاء توقفوا ليلة ما قبل البارحة عن "التغريد"، صمتوا جميعاً فلم يقل أحد: الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.